دعا الدكتور ناصر السعيدي رئيس الشؤون الاقتصادية بمركز دبي المالي العالمي، البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي الى مضاعفة احتياطياتها من الذهب خلال الفترة المقبلة تحوطاً لتذبذب العملات العالمية خاصة الدولار الأميركي. وتستحوذ العملة الأميركية على 86,2% من احتياطات المصارف المركزية الخليجية من النقد الأجنبي بنهاية الربع الأول من 2010، بحسب السعيدي. وشدد على أهمية هذه الخطوة خاصة أن احتياطات البنوك المركزية الخليجية من الذهب تقل عن 5% مقارنة مع 25% للبنوك المركزية الأوروبية التي استفادت بقوة من ارتفاع أسعار المعدن الأصفر. وجاءت دعوة السعيدي في سياق ورقة اقتصادية جديدة أصدرها مركز دبي المالي العالمي والتي طرح خلاها فكرة اعتماد حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي كبديل للدولار كعملة للاحتياطيات العالمية، الفكرة التي سبق أن دعت لها الصين وطالب بها خبراء اقتصاد عدة في العالم مع المخاوف المتعلقة بالدولار وبالاقتصاد الأميركي. لكن الجديد الذي يقدمه الدكتور السعيدي في دراسته التي شاركه فيها الدكتور فابيو سكاسيافيلاني الخبير الاقتصادي لدى المركز هو فكرة الاستفادة من قوة الذهب كأداة للتحوط وحفظ القيمة واستخدامه كجزء من تركيبة حقوق السحب الخاصة. حقوق السحب الخاصة وتتكون تركيبة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد حالياً من 41,9% للدولار و37,4% لليورو و11,3% للاسترليني و9,4% للين الياباني، وتقوم فكرة السعيدي على تغيير هذه التركيبة لتشمل الذهب بحصة 20% مع خفض حصة الدولار إلى 30% واليورو إلى 20% والين إلى 8% وإدخال عملة الصين اليوان بحصة 15% بما يعكس التحول في تركز ثقل الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق، وهو يقترح كذلك أن تكون هناك حصة 7% لعملات أخرى وهى الاسترليني والروبية الهندية. وقال الدكتور السعيدي في مؤتمر صحفي عقد أمس للإعلان عن الدراسة إن الاعتماد على عملة واحدة لدولة كعملة للاحتياطيات العالمية في ظل النظام متعدد المراكز السائد اليوم في العالم يعرض الاقتصاد العالمي لاختلال حاد في توازنه ويهدد بأن يصبح مصدر خطر خاصة إذا كانت هذه الدولة تعاني التذبذب في حصتها من الاقتصاد العالمي. ولفت السعيدي إلى خطر رئيسي يمكن أن يتهدد العالم الذي يعتمد الدولار كعملة رئيسية للاحتياطيات العالمية، فالولايات المتحدة مثقلة بأعباء ديون ثقيلة، وهناك ميل تاريخي لدول العالم للتملص من أعباء الديون عبر خفض قيمتها عن طريق طباعة المزيد من النقود ورفع مستويات التضخم، وهذا أسهل بكثير لها من العمل على رفع الضرائب أو خفض الإنفاق على التنمية وعلى الجوانب الاجتماعية الأمر الذي يمكن أن يستثير حفيظة شعبها. وقال السعيدي إن هذا ما تقوم به الولايات المتحدة بالفعل في الوقت الحاضر الأمر الذي يشكل بطبيعة الحال تهديداً للدول الدائنة. وأضاف أن هناك الكثير من الأسباب التي تدفع للتفكير في البحث عن بديل للدولار كعملة للاحتياطيات العالمية أبرزها التحول الحالي في مراكز ثقل الاقتصاد العالمي من الدول المتقدمة في الغرب إلى الأسواق الناشئة في الشرق، مع حفاظ الأسواق الناشئة على معدلات نمو قوية في ذات الوقت الذي تباطؤ فيه النمو في الاقتصادات المتقدمة. خريطة الاقتصاد العالمي ومضى يقول: في التسعينات كانت الاقتصادات المتقدمة في العالم تمثل حوالي 69,4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي أما اليوم فحصتها من الناتج العالمي تراجعت إلى 52,9% في ذات الوقت الذي نمت فيه حصة الاقتصادات الناشئة في آسيا إلى الضعف تقريباً مرتفعة من 11% إلى 23,6%. وبحسب السعيدي، فإن مستويات النمو في آسيا يصل حاليا إلى ضعفي وثلاثة أضعاف معدلات النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة، ومن المتوقع أن يفوق الناتج المحلي للصين إلى ضعف مستواه في الولايات المتحدة بحلول عام 2025 لتصبح الصين أكبر اقتصادات العالم تتبعها الهند في المركز الثاني. وأضاف مؤكداً أن النظام المالي العالمي بدوره بدأ يبتعد عن مراكزه الرئيسية في الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مراكز مالية جديدة في دبي ومومباي وشنغهاي. وقال “ إنه في ظل هذه التحولات ومع بروز اقتصاد عالمي متعدد المراكز بات من الصعب الاعتماد على عملة واحدة كعملة للاحتياطات العالمية”. وتحدث السعيدي عن البدائل المقترحة للدولار كعملة للاحتياطيات العالمية ومن بينها اليورو الذي يرى البعض إنه يمكن أن يرشح بديلاً للدولار على هذا المستوى، لكن اليورو بحسب السعيدي يعاني هنا من أوجه قصور عدة إذ يفتقر إلى عمق السوق الكافية والتي تتمتع به الولايات المتحدة. وقال إن هناك خيارا آخر ربما يكون أنسب وهو عملة التنين الصيني “اليوان”، ويرى إن بإمكانها لعب دور عملة الاحتياطيات العالمية لكنه لا يعد حاليا عملة دولية، وكذلك فإن أسواق المال الصينية ليست عميقة بما يكفي وتفتقر إلى السيولة اللازمة كما يصعب دخول المستثمر الأجنبي لها. ويبقى هنا خيار اعتماد الذهب للعب دور أكبر على ساحة الاحتياطيات العالمية ففضلاً عن قيمته كمدخل صناعي في العديد من القطاعات، بما في ذلك المجوهرات، فإن الذهب كفئة أصول مالية لا يوفر سيولة نقدية أو توزيعات نقدية أو أرباحاً جراء الملكية، وبالتالي تعتمد قيمته على عوامل لا يمكن قياسها بشكل مباشر. وأضاف : لكن ملكيته المتوارثة كمستودع للقيمة و”ملاذ آمن” خاصة في حالات عدم اليقين المتفاقمة والتقلبات الحادة التي يتعرض لها النظام المالي تدعو لإعطاء الذهب دوراً أكبر في الهيكل المالي الناشئ إثر الأزمة العالمية. ومع استبعاد العودة إلى معيار مستقل للذهب أو معيار لتداول الذهب كما كان سائداً قبل عام 1971، يرى السعيدي أن الذهب يمكن أن يوفر ولو حلاً جزئياً لمجمل المشكلات النقدية في عالم تزداد أقطابه باستمرار، حيث يعجز اقتصاد بعينه عن الاحتفاظ بالدور الدولي لعملته من دون المجازفة باستقراره الداخلي نتيجة العجز عن خدمة الديون الخارجية. قاعدة الذهب وقال السعيدي إن الفكرة هنا ليست في العودة إلى قاعدة الذهب وليست في “بريتون وودز جديدة” بل هي تعزيز قوة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي فبدلاً من أن تكون ورقا مدعوما بورق ستصبح مدعومة بأصل قوي وهو الذهب. واقترح السعيدي أن يطلق على النظام الجدي اسم “شنغهاي 1” بما يعكس التحول في مراكز ثقل الاقتصاد العالمي إلى الشرق. وقال السعيدي إنه من الواضح إذا تم ربط العملة الوطنية إلى عملة أجنبية مثل الدولار، كما هو الحال في معظم دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء الكويت) فإن الاحتياطات في الغالب ستبقى أصولا سائلة مقومة بالدولار. وبما أن النفط مسعر بالدولار والأخير يسهم بشكل كبير في الإيرادات الحكومية لدول مجلس التعاون الخليجي والناتج المحلي الإجمالي أيضاً، فالحكومات فضلت أن تثبت العملة المحلية مقابل الدولار. وأضاف قائلاً إن دول مجلس التعاون الخليجي تدرس أيضا التحرك نحو الاتحاد النقدي الخليجي والعملة الخليجية المشتركة محتملة. وقال “ قمنا بإجراء سلسلة من عمليات المحاكاة بناء على البيانات السابقة لحساب العائد على محفظة أصول الاحتياطيات مع وبدون الذهب، وتشير نتائجنا إلى أنه في حال أبقى مصرف مركزي سياسة محافظة نسبياً مضيفاً الذهب كأحد فئات الأصول، فإن العائدات المحتملة لأي مستوى محدد من المخاطرة (مثلاً، عند أي عتبة انحراف معياري) ستزداد بمقدار عدة نقط أساس سنوياً أكثر مما لو تم استبعاد الذهب من محفظته النموذجية”. وبالمثل، فإنه على افتراض أن دولاراً واحداً قد تم استثماره (في يناير 1987) من قبل مصرف مركزي يتبع سياسة محافظة في محفظة الاحتياطيات الدولية تتضمن الذهب لكان الدولار المستثمر أصبح يعادل 6,6 دولار في مايو 2010، أي أكثر بمرة ونصف من محفظة احتياطيات دولية تخلو من الذهب.