«ليست بدمية أبداً... ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالدمى»، تصرّ عميدة كلية التمريض في جامعة رأس الخيمة للطب والعلوم الصحية، الدكتورة فيجايا كومارداس، وهي تتحدث عن «المانيكان» التي تلعب دور المريض بكل تفاصيل أعراضه وردود فعله، من الأصوات المعبّرة عن الألم إلى الكحّة وفسيولوجيته المكوّنة من أعضاء الإنسان، إنما المرتبطة من خلال أسلاك معدنية ببرنامج إلكتروني على جهاز الكمبيوتر، حيث كل الخيارات متاحة في أنواع الأمراض والالتهابات وحالات الحمل والولادة لدى «المانيكان»- المريض الوهمي لطلاب قسمي الطب والتمريض في الجامعة. إنه «المريض الوهمي» وليس المتوهّم للمرض، كما في رائعة موليير المسرحية، والذي لا يميّزه عن المريض القابع في إحدى غرف المستشفيات سوى أنه غير حيّ، إنما يعبّر عمّا قد يصدر عن الأحياء من أصوات ألم وأنين وكحة وفق الحالة التي يعاني منها، فلمسة أو ضغط بواسطة اليد قريبة من منطقة الزائدة الدودية ستجعل من هذا المريض الوهمي يصرخ بتأوه تتردّد أصداؤه في أرجاء قاعة المختبر الشبيهة بغرف المستشفيات... هذا إذا تمت برمجته على تلبّس حالة التهاب الزائدة الدودية. الأولى والوحيدة تتحدث الدكتورة كومارداس عن هذا المريض بحماسة، فقبل ثلاثة وثلاثين عاماً حين كانت طالبة في الجامعة، لم تتوافر لها فرصة خوض اختبار مماثل مع مريض وهمي يسهّل عليها الطريق إلى المريض الحقيقي. وتقول «إنها فرصة مميزة تتيحها الجامعة لطلابها مع التطور التقني والإلكتروني في العالم. فرصة لم تتوافر لجيلنا، وحتى جيل اليوم لا تتوافر له هذه الفرصة في الكثير من الجامعات المنتشرة في العالم». وجامعة رأس الخيمة هي الأولى والوحيدة حتى يومنا هذا في استخدام «المانيكان» المتطوّر في الخليج والشرق الأوسط. وكانت الجامعة قد اشترت أول «مانيكان»- عارض، في العام 2007، وتبلغ كلفته 17 ألفا و700 دولار أميركي، أي ما يوازي 65 ألف درهم إماراتي تقريباً. ردود فعل مختلفة ثمة دمى اختبار تختلف عن «المريض الوهمي» تماماً، وتفسّر الدكتورة كومارداس الفرق بالقول «إن الدمى المستخدمة في التدريبات في المجالين الطبي والتمريضي تتمتع بعرض لفسيولوجية الإنسان بتفاصيلها وبشكل دقيق، وثمة منها المستخدم للتدريب على الإسعافات الأولية، غير أن «المانيكان» الحديث بالغ التعقيد تكنولوجياً فبالإضافة إلى احتوائه على عرض دقيق لفسيولوجية الإنسان، فإنه المريض الذي نلتقي به في المستشفيات وفي غرف الطوارئ، بتفاعلاته مع الفحص الطبي من حيث التعبير عن الألم بالتأوه لدى الضغط على أماكن معينة، والكحة إذا ما تم الضغط على الجهاز التنفسي. وبالوسع قياس ضغطه وإدخال إبرة إما لسحب الدم أو لوضع الدواء. ترتبط «المانيكان» ببرنامج إلكتروني على الكمبيوتر يتيح خيارات متنوعة في أنواع الأمراض، فيتفاعل مع الفحص وفق المرض أو الالتهاب، أو أية حالة يعاني منها المريض». وتقول كومارداس «تتيح الدمية للطلبة في التمريض أو في اختصاص الطب الإحساس بالمريض أكثر إذ أنها تقرّب بين الاثنين من خلال ردود الفعل المفترض أنها تعبير عن أحاسيسها، من ألم أو شعور بالاختناق والتي لا تدرّب الطلاب وحسب، إنما تجعلهم يدركون مدى التأثر بالأوجاع عند المرضى». ردم الهوة هذا «المريض الوهمي» يتيح التدريب لطلبة التمريض والطب في كل المجالات إلا في مجال الجراحة، وهو المرحلة الوسطى الانتقالية بين الدروس النظرية والعملية وبين التعامل المباشر مع المرضى. وتقول كومارداس: «من دون شك، يسهّل «المانيكان» عملية تأهيل المتدربين، كما يضفي لمسة إنسانية للعلاقة بين الطبيب أو الممرض والمريض». ثمة عدد لا بأس به اليوم من «المريض الوهمي» أربعة منها لكلية التمريض، وثمة الذكر والأنثى والأطفال منها، وجديدها أن الطلاب يمنحونها أسماء أشخاص إذ أنها بينهم بانفعالاتها وأمراضها، ومحاولات تشخيص حالاتها، تقبع في الأسرة منتظرة يوم الفرج حين يحدد العلاج الناجع لحالتها. كائنات بلاستيكية بأسلاك معدنية وبرنامج كمبيوتر متطور، تترافق مع الطلبة في كل مراحل دراساتهم متنقلة معهم من صف إلى صف... تلك هي آني، وهذا هو السيد سي براد، أما تلك فهي كيلي وربما آن أوان ولادتها اليوم.... هذه وهذا وتلك وذاك، معاً يردمون بالتقدم العلمي الهوة بين المريض ومعالجه خلال مراحل التدريب. فوق التوقع تشير الدكتورة كومارداس إلى أن الإقبال يفوق التوقعات في الاختصاصات الطبية في الجامعة، وأقل من المطلوب في مجال التمريض، مشجعة الطلاب في التوجه إلى التمريض للحاجة إلى هذا الاختصاص. وتنوّه بإقبال الإماراتيين على هذه الاختصاصات، معتبرة أن نسبتهم جيدة بين الطلاب من مختلف الجنسيات. يذكر أن كل صف من صفوف الاختصاصات الطبية يسع خمسين طالباً وطالبة غير أن الإقبال على التسجيل يفوق هذا العدد، في حين أن استيعاب كل صف من صفوف التمريض هو لعشرين طالب وطالبة، غير أن الإقبال يتراوح في الصفوف بين الـ 13 والـ 15 طالبا وطالبة، نسبة الإماراتيين منهم متفاوته إنما تصل إلى ثمانية من 15. في كل عام، يتخرج عدد لا بأس به في اختصاصات متنوعة إذ تمنح الجامعة بكالوريوس العلوم في التمريض، بكالوريوس في الصيدلة، بكالوريوس في الطب والجراحة وبكالوريوس في جراحة الأسنان... غير أن كيلي وآني والسيد سي براد وسواهم من المرضى الوهميين يبقون في الجامعة موفرين فرصة تكنولوجية متطورة للطلاب للتدرّب عليهم قبل التوجه إلى المرضى الحقيقيين