يعد متحف عجمان واحداً من أبرز المتاحف في دولة الإمارات، ويتميز بتفرده وجماله وبهائه العمراني قبل ثراء محتوياته، انطلاقا من المبنى التاريخي الذي يضم معروضاته وهو حصن عجمان، الذي كان معقل الرئاسة والسلطة السياسية في إمارة عجمان، وخط دفاعها الأول في الماضي، وهو اليوم معلم تاريخي شامخ يضم سجلاً حافلاً لمآثر الأجداد وتراثهم العريق بما يضمه من نماذج فريدة من المقتنيات الأثرية والصناعات والمهن التقليدية، وصور زاخرة من الحياة الاجتماعية القديمة في الإمارات، ما شكل نقطة من أجمل نقاط جذب للزوار الراغبين بمصافحة تاريخ الأجداد خاصة الجيل الجديد من طلبة المدارس والجامعات، إضافة إلى المقيمين العرب والزوار والسياح الأجانب، الذين وجدوا فيه معلماً خلاباً. حصن دفاعي شيد متحف عجمان في الأصل كحصن دفاعي، ومقر لإقامة آل النعيمي حيث ظل يستخدم كمقر للحكم حتى بداية ستينيات القرن الماضي، إلى أن أمر، المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن حميد النعيمي بتحويله إلى مركز للشرطة، وقد ظل كذلك لغاية العام 1981، عندما تم إغلاقه مع انتقال الشرطة إلى مركز آخر، وحينها أمر صاحب السمو حميد بن راشد النعيمي حاكم عجمان بتحويل الحصن إلى متحف وطني يتبع الحكومة المحلية لإمارة عجمان، فتمت الاستعانة بمجموعة من الخبراء عملت على إقامته لمدة سنوات في أواخر الثمانينات حتى تم افتتاحه في العام 1991، وقد قام بافتتاحه آنذاك المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. ويضم المتحف في الدور السفلي القبر الأثري و أقسام بيوت الجريد والسفن والصيد البحري وإذاعة عجمان والزراعة والمطبخ القديم، ومخزن التمور، والطرب الشعبي، وقاعة الثقافة التراث، والألعاب الشعبية والآثار، والوثائق والمخطوطات، والمجلس و»اليازرة»، وفيما بعد أضيفت له قاعتان خصصت الأولى للطب الشعبي الذي يضم قسما للاستشفاء بالقرآن، وقسما لعلاج تجبير الكسور، وأقسام لأمراض أخرى كانت شائعة في الماضي، ويقوم على علاج بعضها الرجال فيما تقوم النساء على علاج بعضها الآخر مثل «الحجامة» والعلاج عن طريق الكي ومسح اللوز ومسح البطن. ويهدف المتحف لتعريف الأجيال بطبيعة الحياة في مجتمع الإمارات في الحقب القديمة ومرحلة ما قبل ظهور النفط، في الوقت الذي يعاني فيه الجيل الجديد من سرعة التغير الاجتماعي في مختلف جوانب الحياة، كما يسهم في تعريف المقيمين والزائرين والسياح العرب والأجانب بتراث الإمارات ونمط الحياة فيها قبل اكتشاف الثروة النفطية، ويعتمد أسلوب العرض الحديث الذي يتبناه المتحف وتم تنفيذه وفقا لها على تصوير البيئة المحلية في الماضي تصويرا واقعيا عن طريق المجسمات بالحجم الطبيعي بملابسها الشعبية والأثاث التقليدي القديم، مع خلفية صوتية تضفي على المشهد مزيدا من الواقعية خلافا لما هو متبع في بعض المتاحف، حيث يتم عرض المواد كل على حدة داخل خزائن زجاجية منفصلة عن البيئة التي استخدمت فيها. صون وتطوير القاعة الثانية في المتحف لا تقل تميزا عن الأولى فقد تم تخصيصها للسوق الشعبي، الذي يضم مجسمات عديدة، تمثل مهنا وحرفا وعادات شعبية كثيرة من بينها مهنة الطواش والحلاق والمحلوي والخياط والحداد والقطّان وبائع الحصر ومهنة بناء الجص، وصناعة النسيج وتجار الجملة والقهوة الشعبية، وقد تم تجسيد كل ذلك عن طريق تماثيل مميزة ومعبرة تم تصميمها وتصنيعها بدقة وحرفية عالية حيث تم تزيينها وإبرازها بجميع الاكسسوارات، التي كانت تستخدم في كل مهنة وحرفة على حدة. أما الدور العلوي للمتحف فيضم قسما للمغفور له الشيخ راشد بن حميد النعيمي، ويضم غرفته الأصلية التي كان يعيش فيها، كما يعرض المتحف كافة مقتنياته الشخصية «كالبشت» والأسلحة والدفاتر والهدايا التذكارية التي تلقاها خلال فترة حكمه، كما يضم الدور العلوي أيضاً أقساما للصور التاريخية والأزياء التقليدية والحرف النسائية والمطوعة والشرطة والمحكمة وغرفة المعيشة ومعروضات الأسلحة وإطلالة داخلية على البارجيل. وفي سبيل التطوير الدائم للعرض المتحفي، قال علي المطروشي رئيس قسم التراث والمتاحف والآثار بدائرة الثقافة والاعلام: إن الادارة استحدثت في أواخر العام الماضي، قسمين جديدين هما «قص الأثر» و»المحكمة أيام زمان»، والهدف الرئيس من إنشاء القسمين الجديدين هو تسليط الضوء على فترة زمنية قديمة من تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كانت فيها عملية «قص الأثر» من أهم الوسائل المتبعة للتعرف إلى مرتكبي الجرائم والتائهين، والتعرف أيضا أمهر «قصاصي الأثر» في تلك الفترة، ومن هنا تأتي أهمية قسم «قصّ الأثر»، أما قسم «المحكمة أيام زمان» فيهدف للتعريف بنظام التقاضي وكيفية الفصل في الدعاوى من خلال القضاة الشرعيين والمدنيين. وأضاف المطروشي: قبل عدة أشهر أضيف للمتحف جناح جديد ومميز هو الآخر، وقد تمثل بقسم «الصور التاريخية القديمة»، الذي يتضمن أكثر من مائة صورة تاريخية غطت جميع مجالات الحياة اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا في المجتمع القديم لإمارة عجمان، وبخاصة في فترة الثلاثينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بالإضافة إلى صور الزيارات الداخلية والخارجية لأصحاب السمو الشيوخ وأولياء العهود، وزيارات ملوك ورؤساء مختلف دول العالم إلى دولة الإمارات المتحدة، وصولا إلى عرض عدد كبير من الصور التي وثقت مفردات الحياة التراثية والسياحية والمعالم الحيوية التاريخية في عجمان، إلى جانب مختلف جوانب حياة المجتمع بطابعها التراثي القديم. حصن منيع حتى اليوم لم يعرف الباحثون السنة التي تم فيها إنشاء الحصن على وجه الدقة، وإن كان المرجح أن يكون قد بني أواخر القرن الثامن عشر، حيث استعملت في بنائه المواد المحلية المتعارف عليها في أبنية الماضي كحجارة البحر المرجانية الرسوبية إضافة إلى الجص، وتم تسقيفه بخشب «الجندل» وهو نوع من جذوع الأشجار التي كانت تجلب في السابق من شرق آسيا، وقد تعرض الحصن عام 1820، شأنه شأن سائر القلاع والحصون في الإمارات الشمالية، لقصف السفن الحربية البريطانية حيث تم تدميره، ثم قام الشيخ راشد بن حميد الأول (1803-1838م) بإعادة بنائه من جديد، وبعد ذلك تعاقبت على الحصن عمليات والترميم والإضافة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين.