الوشم ممارسة قديمة وموضة جديدة ذات مخاطر صحية
الوشم هو وضع علامة ثابتة في الجسم بغرز الجلد بالإبرة ثم وضع الصبغ عن طريق هذه الفتحات والجروح ليبقى داخل الجلد ولا يزول إلا باستخدام مواد كيميائية معينة أو الليزر. ويُعد أمر الوشم محسوماً في الثقافة الإسلامية من خلال عدد الأحاديث الصحيحة التي نصت على حرمته أشهرها “لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة”، أما في الثقافات الأخرى فهو من الممارسات الشائعة، بل ومن المكونات الأساسية لبعضها. غير أنه بدأ خلال السنوات الأخيرة يجد طريقه إلى شباب المجتمعات العربية الذين أصبح الكثير منهم يتفننون في وشم أذرعهم أو مناطق مختلفة من أجسادهم.
كان الوشم في السابق يُستخدم لتمييز المجرمين وكل من يشكلون خطراً على المجتمع بالإضافة إلى العبيد والرقيق، وكان مجرد رؤيته على ذراع أو عنق أو يد شخص أو ساقه يدعو إلى الحذر والنفور منه، وعلامةً على رفضه مجتمعياً. ويُسجل التاريخ المُعاصر أيضاً أن النازيين استخدموا الوشم ليَسمُوا سُجناءهم. أما الآن، فقد أصبح الوشم من أكثر أشكال فنون الجسد شعبيةً وشيوعاً. وقد سال حول هذه المُمارسة القديمة في السنوات الأخيرة مداد كثير، وسُلط الضوء على الظروف غير الصحية التي تُمارس فيها. أما المخاطر الصحية الخفية للحبر المستخدم في الوشم، فلم يحظ إلى الآن بقدر كاف من النقاش والكشف والتقنين اللازم حفاظاً على الصحة العامة لمختلف أفراد المجتمع.
مومياوات موشومة
وجد عُلماء الآثار مومياوات مصرية موشومة، وهو ما يُشير إلى أن الوشم كان يستخدم قبل أكثر من أربع آلاف سنة. وهناك دلائل أخرى تدل على أن الإنسان الجليدي استخدم الوشم قبل أكثر من خمس آلاف سنة. وثبت استخدام استخدام الوشم أيضاً في اليابان في القرن السادس قبل الميلاد، وكذلك في الصين والهند ولدى الإغريق والرومان. وكانت الأوشام تتم باستخدام أدوات تقليدية، ويُسجل التاريخ الحديث أن استخدام أدوات الوشم الكهربائي بدأ سنة 1891 في الولايات المتحدة الأميركية. ولم تطفُ مُمارسة الوشم على السطح وتتخذ منحى الاتجاه السائد وغير المسبوق في وتيرته إلا بعد تسعينيات القرن العشرين وإلى يومنا هذا.
موضة وتجارة رابحة
أصبح الوشم ظاهرةً مألوفةً في المجتمعات الغربية بعد أن كان يقتصر على حالات معدودة. وصار موضةً يتبعها الكثير من أفراد المجتمع المتحضر ورموز الجمال والوسامة، وعلى رأسهم مشاهير العالم من الفنانين والممثلين والمغنيين والأبطال الرياضيين وعارضي الأزياء. وتبعهم في ذلك الشباب والمراهقون الذين لا يترددون في استخدام مواد كيميائية خطرة لحقن منطقة جلدية ما من مناطق أجسادهم اقتداءً وتقليداً لمن يحبونهم. وأشارت إحصاءات سابقة (سنة 2003) أن 36% من الشباب الأميركي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 سنةً و29 سنةً موشومون بما لا يقل عن وشم واحد في أجسادهم، فيما سجل عدد من الدول الأوربية نسباً أكثر من ذلك. وهو ما يعني أن الوشم صار صناعةً وتجارةً رابحةً تُذر على أصحابها ملايين الدولارات، وتُعَرف في الأدلة السياحية للكثير دول العالم، وتُنظم لها المهرجانات والملتقيات الدولية يتم خلالها في الأميركييتين وأوربا وآسيا وغيرها، وتحظى فعالياته بتغطيات إعلامية وتتداول صورها مختلف وكالات الأنباء العالمية. وواكب صُناع الموضة هذا الاتجاه وركبوا موجته، فتفننوا في صناعة أزياء طبعوا عليها أوشاماً مختلفةً قد تغطي الذراع أو الساق أو الفخذ أو العنق، وطال الوشم أيضاً صناعة الأحذية الجلدية والحقائب النسائية والمحافظ النقدية من خلال تسويق تصاميم وُشوم مختلفة على ظهرها.
مخاطر صحية
تغض غالبية السلطات الصحية الغربية الطرف عن موضوع الوشم بدعوى وجود أولويات صحية أخرى أهم منه، في حين تؤجل سلطات دول أخرى إصدار قوانين تنظمه وتحدد الأحبار والأصباغ المحظور استخدامها بسبب أضرارها الصحية. ولا تُنكر جهات مراقبة الصحة العامة حقيقة تسبب الوُشوم في التهابات جلدية عند التعرض للشمس. ومن جهته، يُقر جهاز الوقاية ومراقبة الأمراض الأميركي بوجود مخاطر للوشم أبرزها:
? نقل أمراض معدية مثل فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) والتهاب الكبد بسبب استخدام إبر الحقن نفسها أكثر من مرة.
? حساسية الجلد للأحبار المستخدمة في الوشم بشكل مؤقت أو دائم.
? حدوث ندوب أثناء الوشم أو خلال إزالته.
? حدوث حبيبات متقرحة قد تتكون بسبب بعض مكونات الحبر المُستخدم في الوشم.
? خضوع الشخص الموشوم للتصوير بالرنين المغناطيسي قد يسبب له حروقاً أو انتفاخاً على مستوى أجزاء الجسم الموشومة بسبب المكونات المعدنية للحبر.
فراغ تشريعي
من بين الأمور التي شرع المركز الوطني الأميركي للبحوث السمية في دراسة تبعاتها الصحية هو التأثير قصير وبعيد المدى للوشم وأصباغ الحبر المستخدم وسبب استثارة أشعة الشمس والليزر للجسم الموشوم، وكيفية تسرُب المكونات الكيميائية الموجودة في حبر الوشم إلى داخل الجسم. وفي ظل عدم وجود إطار تشريعي طبي ينظم بوضوح ممارسات الوشم، توصي الجهات الصحية بضرورة إخبار الزبون بمحتويات الصبغ المستخدم في الوشم من المكونات المعدنية الثقيلة والأضرار الصحية المحتملة التي قد تُسببها أصباغ الوشم من حساسية الجلد أو غيرها. وفي بريطانيا، لا توجد أية قوانين واضحة تنظم ممارسات وشم الجسد. وفي كندا، قدمت إدارات السجون دورات توعية قانونية حول مخاطر الوشم إلى سُجنائها مُحاولةً منها لتقليل مخاطر الإصابة ببعض الأمراض الناتجة عن الوشم مثل التهاب الكبد. وتوصي الجمعية الأميركية لأطباء التخدير بعدم استخدام الإبر عند الوشم لتفادي تسرب جزيئات الصبغ المستخدم في الوشم إلى الأنسجة العميقة في الجلد.
حروق وندوب
تُستخدم المُكوثرات البلاستيكية (بوليمرات) في الأحبار الغامقة. وتحدث عملية البلمرة أو الكَوْثَرَة -تفاعل الجزئيات مع بعضها وفق تفاعل كيميائي لتشكل سلاسل بوليمرية أو شبكات ثلاثية الأبعاد- حيثما تتشابك الجزئيات مع ذرات بلاستيكية صلبة تحت الجلد. ومن شأن الأملاح المعدنية الموجودة في صبغ الوشم التسبب في حروق وآلام عند إجراء فحص بالرنين المغناطيسي. وهو ما يبرر رفض مسؤولي بعض العيادات إجراء الفحص بالرنين عند رؤيتهم لوشوم على جسم المُراجع، أو عند اكتشافهم ذلك في غرفة الكشف بعد خلعه لقميصه. وبعض الأصباغ، لا سيما صفراء اللون، يسثيرها الضوء، وقد تتحلل إلى مواد سُمية بسبب العلاجات باللايزر. وهي سموم من النوع الذي قد يصل مفعوله إلى الكبد والكلي. وأصدرت الأكاديمية الأميركية لطب الجلد قائمةً طويلةً بمكونات أصباغ الوشم الأكثر إضراراً بالصحة.
أصباغ وأحبار
لا يكشف المصنعون جميع مكونات صنع الأصباغ وخلطات المُلونات التي يستخدمونها ويعتبرون أنهم غير مُلزمين بذلك وأنه من أسرار المهنة. وتُصنع بعض أصباغ الأحبار التي توصف بأنها عالية الجودة من النباتات والبلاستيك وأوكسيد الحديد أو الأملاح المعدنية. أما الأحبار التقليدية المصنوعة يدوياً، فقد تحتوي على مكونات كيميائية تشوبها أوساخ ونباتات وسُخام ومداد أقلام أو دم أو مواد أخرى غير معروفة. وفيما يخص مكونات أحبار الوشم المعروفة من المعادن الثقيلة، فهي الألومنيوم والباريوم والكادميوم والكْروم والكوبالت والحديد والنحاس والرصاص والزئبق والنيكل والزنك والتيتانيوم، وأوكسيدات معدنية مثل سيانيد الحديد، ومركبات عضوية مثل الزرنيخ والبيريليوم والكالسيوم والليثيوم والفوسفور والسيلينيوم وثنائي أوكسيد السيليكون والكبريت وثنائي أوكسيد التيتانيوم.
تفاعُلات مثيرة
على الرغم من عدم وجود قائمة ثابتة وكاملة بالبيانات الخاصة بالتفاعُلات المثيرة للحساسية، فإن سبب حدوث بعض هذه التفاعُلات الشائعة يرجع إلى مادة المطاط، ولذلك يطلب بعض الأشخاص من الواشمين استخدام قُفازات غير مطاطية أثناء الوشم. وتُشير التقارير إلى أن هذه التفاعُلات المثيرة للحساسية أكثر شُيوعاً في الأصباغ الحمراء والصفراء، وأحياناً البيضاء. ومن بين الأصباغ الأكثر إثارةً للحساسية بعد إزالة الوشوم باللايزر الأصباغ الحمراء بسبب احتوائها على مادتي الزئبق والآزوت. وجاء في أحد تقارير المفوضية الأوربية أن الكوبالت الأزرق والآزوت والأحبار التي تحتوي على معادن ثقيلة تُسبب حساسية الجلد، والأصباغ الحمراء والسوداء تُسبب مرض اللحمانية الذي يتميز بنمو أورام حبيبية التهابية، بينما تتسبب الأحبار التي تحتوي على الآزوت والمعادن الثقيلة في ظهور أورام حُبيبية متقيحة على منطقة الوشم.
حاملات الأصباغ
تتحلل الأصباغ في مُذيب لتُساعد على حمل اللون من الإبرة إلى الجلد. وتجعل هذه الحاملات المشتقة من الكحول مفعول الحبر أسرع وأسهل نفاذاً إلى الجلد ومن ثم إلى الأنسجة الداخلية، مما يزيد احتمال وصوله إلى الدم واختلاطه بمجرى دم الإنسان. كما تُبقي الحبر ممزوجاً مع الصبغ أو المُلون وتُوزعه بشكل متجانس ومُتوازن. ويُعتقد أن هذه الحاملات الكحولية تزيد من احتمالات الإصابة بسرطان الجلد بسبب محتويات ملونات حبر الوشم. ومن بين حاملات الأصباغ الأكثر شيوعاً الماء وكحول الإيثيل والميثانول والجليسيرين والفورمالدهيد، بالإضافة إلى ألدهيدات أخرى.
وشوم وثقوب
ورد في تقرير المفوضية الأوربية حول المخاطر الصحية للوشم وثقب الجسم أن هذين الأخيرين قد يتسببان في اضطرابات صحية قد تأتي على شكل التهابات أو تفاعلات مثيرة للحساسية والسرطان والتغيرات السلوكية والأمراض الجلدية. فالالتهابات يمكن أن تحدث بسبب انعدام النظافة أو قلتها أو استخدام إبر الوشم لمرات متكررة. وقد وُجدت حالات الالتهابات الناتجة عن الوشم في صفوف عدد من السُجناء وأيضاً مرافق تقديم خدمات الوشم غير المُرخصة. أما التفاعُلات المثيرة للحساسية،
فهي تحدث بسبب مكونات أصباغ الوشم وتتسبب في حكة جلدية أو حساسية جلدية أو اهتياج جلدي أو تقرحات. وفيما يخُص حالات السرطان، فإنها تحدُث في صمت ولا يُنتبه إليها في الغالب إلا بعد فوات الأوان، وهي قد تأتي على شكل سرطان الخلايا الصبغية الميلانوما، أو سرطان الخلية الحرشفية، أو سرطان الخلية القاعدية. أما الأمراض الجلدية، فحدث ولا حرج، إذ قد تشمل الصدفية والتحسس الضوئي والسمية الضوئية وغيرها. ويوصي هذا التقرير بمنع استخدام المواد الضارة بالصحة وعدم السماح للواشمين بتقديم خدماتهم إلا إذا كانوا حاصلين متخرجين من مؤسسات ذات صلة، أو حاصلين على ترخيص لممارسة فن وشم الجسد.
خلايا نائمة
وجدت بعض الدراسات أن 40% من الأصباغ العضوية المستخدمة في الوشم غير معتمدة حتى للاستخدام التجميلي، وأن أكثر من 20% من هذه المُلونات تحتوي على مركبات أمينية عطرية تُسبب السرطان. فجزيئات حبر الوشم تسري في أنسجة الجسم. إذ سبق أن عُثر على أصباغ سوداء في العُقد اللمفاوية. وتعمل هذه الأصباغ في الجسم بشكل كامن وهادئ أثناء نقلها الخلايا السرطانية من عضو إلى آخر، كما أنها تُعَقد عملية التشخيص المبكر للسرطان وتُصعبه. وبينت عمليات إزالة الوشوم باللايزر أنها تتسبب في ظهور مركبات كيميائية جديدة تنتقل عبر الدم إلى الأوعية اللمفاوية وتُسبب هي الأخرى سرطانات.
الحناء وشم آمن
أين يكمُن الحل إذن؟ هل في تجنب الوشم جملةً وتفصيلاً أم في اللجوء إلى الوشم الآمن؟ يقول البعض إنه يمكن لعُشاق فن الجسد أن يلجؤوا إلى استخدام نقوش على الجلد أكثر أماناً ومن النوع الذي يقتصر على سطح الجلد دون أن ينفذ إلى ما تحته من الأنسجة، وذلك باستخدام مشتقات بعض النباتات معلومة المكونات مثل الحناء والابتعاد عن المكونات الكيميائية والكحولية. أما الحل الأمثل طبعاً، فيكمن في ترك الجسم على طبيعته ودون وشمه أو وسمه بأية علامات، إذ ليس بإمكان الجسم أن يكون أبدع مما خُلق عليه وصُور.
عن موقع “hubpages.com” ومواقع أخرى
ترجمة هشام أحناش
ألوان مُشفرة
كل لون من ألوان الأصباغ والمُلونات المستخدمة في الوشم يدل على طبيعة مكوناته. فالأحمر يدل على وجود الزئبق والحديد وسيانيد الحديد وأحد المنتجات الكيماوية المستخرجة من النفط، ويدل البرتقالي على وجود الكادميوم والآزوت، ويشير الأصفر إلى الرصاص والكادميوم والزنك والآزوت وسيانيد الحديد، والأخضر يعني وجود الرصاص والكْروم والألومنيوم والنحاس والآزوت وسيانيد الحديد، ويشير الأزرق إلى النحاس والكوبالت وسيانيد الحديد. أما البنفسجي فيدُل على الألومنيوم والآزوت، والبني يدل على الحديد والآزوت، والأسود على النيكل والحديد والكربون مثل السُخام والرماد والحناء السوداء، بينما يدُل اللون الأبيض على وجود الرصاص والزنك والتيتانيوم والباريوم.
المصدر: أبوظبي