العالم يبحث عن مواجهة «حقيقية» للتغير المناخي بإرادة «مترددة»
يعلق العالم آمالاً كبيرة على نتائج مؤتمر التغير المناخي الذي يعقد حالياً بمدينة كانكون بالمكسيك بعد الفشل الذي مني به المؤتمر الأخير في كوبنهاجن بالدنمارك في ديسمبر الماضي.
ويأمل المؤتمرون في أن تخلص النتائج إلى قرارات تتعلق بالتمويل وقضايا الغابات وتبادل التقنيات لجعل العالم في وضعية أفضل للتعامل مع قضية التغير المناخي. وما لم يتحقق في كوبنهاجن، هو الوصول إلى برنامج معقول يجعل التغير المناخي تحت الرقابة الدائمة.
ويجدر بالذكر أن الحرارة العالمية ارتفعت بنحو 0,7 درجات خلال القرن العشرين. وكل سنة في هذا القرن تفوق سابقتها في الحرارة. وإذا قدر لمعجزة أن تحدث وتظل مستويات ثاني أكسيد الكربون على ما هي عليه الآن (ما يقارب 390 جزيئاً لكل مليون أي بزيادة 40% مقارنة بما قبل الثورة الصناعية)، فإن الحرارة سترتفع في العالم بنحو نصف درجة.
لكن تظل مستويات ثاني أكسيد الكربون في ارتفاع بالرغم من فترة العشرين عاماً التي قضاها العالم في التفاوض بشأن المناخ. وتتحدث اتفاقية كوبنهاجن وهي وثيقة غير ملزمة، عن جعل درجة الحرارة العالمية أقل بنحو درجتين مقارنة بما قبل فترة الثورة الصناعية، وهو المستوى الذي يصنفه الخبراء بحافة الخطر.
ووعدت الكثير من البلدان التي وقعت على الاتفاقية القيام بتدابير كفيلة بخفض الانبعاثات الكربونية. ويمثل تقييم “وكالة الطاقة الدولية” الذي نشرته في إصدارتها الخاصة بمستقبل الطاقة العالمية، قاعدة لسيناريو السياسات الجديدة للخمس وعشرين سنة المقبلة. ويضع هذا السيناريو العالم على مسار ألا يتجاوز ارتفاع الحرارة 3,5 درجة بحلول 2100. وللمقارنة، فإن الفرق في درجة الحرارة العالمية بين عصر ما قبل الثورة الصناعية والعصر الجليدي، هي نحو 6 درجات.
ويذكر فاتح بيرول رئيس القسم الاقتصادي في الوكالة، أن على الدول الموقعة الإيفاء بالتزاماتها مما يقود لخفض الانبعاث الكربوني لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي، بنحو الضعف في العقد المقبل مقارنة بالعقد الماضي عند 2,8% في السنة وليس 1,4%. ويذكر أن أعلى معدل سنوي تم تسجيله هو 2,5% وكان ذلك خلال أول أزمة نفطية يشهدها العالم.
وفيما يخص سيناريو الدرجتين، فإن 2,8% هي البداية فقط، حيث أنه وبدءاً من العام 2020 إلى 2035، سيتضاعف معدل خفض الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى ليبلغ 5,5%. وبحسب بوب واتسون كبير العلماء في وزارة البيئة البريطانية فإن تحقيق الدرجتين لا يعدو عن كونه حلم.
وبدأت نتائج المحللين الذين عملوا طويلاً في قضية التكيف على التغير المناخي مثل إيجاد وسائل العيش في ظل شح المياه وارتفاع درجات الحرارة ومستوى مياه البحار وتغيرات الطقس، تظهر في مناخ مرتفع الحرارة. كما أن اتخاذ التدابير غير الكافية لحماية كل فرد من الأخطار التي يجلبها التغير المناخي، لا يعني إغفال هذه التدابير، بل على العكس أن هناك حاجة ماسة لها.
وتشمل تدابير التكيف تحسين مياه الشرب وبذر حبوب متنوعة و إعطاء الناس الفرصة ليقوموا بفعل أشياء ينتج عنها بيئة أفضل. وهذه من الأسباب التي لم تجعل التكيف المناخي محور للنقاش العام مثل خفض الغازات الدفيئة الناتجة عن المصانع وقطع الغابات وغيرها.
ومن أنواع التكيف أيضاً، إنشاء حواجز للفيضانات التي تتطلب جهدا جماعيا. ويتطلب التكيف إعادة توزيع السكان، حيث ليس في مقدور الجماعات الفقيرة التكيف بمفردها، وفي حالة تكلفة التكيف التي تنتج عن انبعاثات استهلاكات الأغنياء، فينبغي أن يبحث القانون عن السبل التي تضمن تعويض الفقراء.
ويمكن لبعض طرق التكيف أن تعمل كوسائل للتخفيف مثل التقنية الزراعية التي تساعد التربة على الاحتفاظ بالرطوبة التي تمكنها أيضاً من الاحتفاظ بالكربون. كما أن الهجرة الجماعية من أنواع التكيف الممتازة خاصة إذا توافر في البديل مميزات عيش أفضل وبيئة أكثر استقراراً.
وفيضانات باكستان الأخيرة كانت من الأسباب التي لفتت الأنظار لأهمية التكيف على المناخ سواء كان ذلك المناخ من صنع الإنسان أو الطبيعة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 8,7 مليون شخص معرضين لخطر الفيضانات عند مصبات البحار والأنهار بحلول 2050 وذلك في حالة استمرار مستوى البحار على ما هو عليه الآن.
ومن المتوقع أن يرتفع معدل الأعاصير الاستوائية التي تعتبر مسؤولة عن معظم الدمار الذي تلحقه البحار بالأراضي. كما ليس من المتوقع زيادة مستوى أعاصير الفئة الرابعة والخامسة والتي عادة ما تخلف دماراً أكثر.
وعلى صعيد الأراضي، من المتوقع أن تصبح المناطق الرطبة مثل جنوب شرق آسيا أكثر رطوبة، والمناطق الجافة مثل الجنوب الأفريقي وجنوب غرب أميركا أكثر جفافاً. وفي المناخات الشمالية ولتقدم فصل الربيع، تتحسن الفرص الزراعية، في الوقت الذي تصعب فيه سبل الحياة في المناخات الاستوائية مما يدعو للهجرة مثل تلك التي من بوركينا فاسو إلى ساحل العاج.
وبالرغم من ذلك، فإن مدى مساعدة التكيف محدود جداً، حيث تشير دراسة نشرت في 2009 عن تكلفة الاحترار في الاقتصاد العالمي، إلى أن ما يقارب ثلثي هذه التكلفة لا يمكن تعويضه عبر استثمارات التكيف.
ويعتبر توافر المال من أفضل المحاور التي يبدأ بها التكيف بالرغم من أنه لا يوفر الحماية الكافية. ولا يمكن للأغنياء صد جميع المخاطر. وكثيراً ما تتخذ الدول والأفراد الأغنياء قرارات خاطئة. ومثلاً، فإن قصر الزراعة على المياه المدعومة في جنوب غرب أميركا الجاف، لا يعني أن الوسائل السياسية اللازمة للقيام بذلك سيتم توفيرها قبل وقوع الضرر، لكن تساعد الأموال على شراء البيانات المهمة لفعل ما ينبغي فعله وتجنب ما ينبغي تجنبه في الوقت المناسب لذلك. كما يمكن للمال توفير التحوطات اللازمة ضد الآثار الناجمة عن التغير المناخي.
وتتبنى الدول الغنية مشاريع ضخمة، حيث تقع هولندا مثلاً تحت سطح البحر مما يجعلها معرضة لخطر الفيضانات على الدوام. وقامت هولندا في 2008 بوضع خطة ترمي للتصدي لارتفاع منسوب المياه لأكثر من مترين حتى حلول العام 2200. وحددت تكلفة ذلك لمواجهة أسوأ فيضان متوقع في غضون 10,000 سنة ما بين 1 إلى 2 مليار يورو (1,5 إلى 3 مليار دولار) في السنة.
ويوفر “سد مارينا” بعض الحماية من الفيضانات لسنغافورة، بالإضافة إلى زيادة سعة تخزين المياه العذبة. وحاجز نهر التايمز في لندن مصمم للتصدي لأسوأ أنواع الفيضانات التي يمكن أن تحدث خلال ألف عام.
أما البلدان الفقيرة، فكثيراً ما تفتقر للمعينات المالية والخبرة الفنية أو المؤسسات السياسية الضرورية لمثل هذه العمليات. ولذلك، فإنها دائماً ما تقع فريسة للأخطار المتزايدة وذلك لاعتمادها الرئيسي على الزراعة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتغيرات المناخية. ويعتمد إنتاج المحاصيل على فصول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى الآفات التي تهاجم تلك المحاصيل.
ويقسم “الفريق الحكومي الدولي للتغير المناخي” الزراعة في المناطق الحارة إلى قسمين، خطوط العرض المنخفضة التي من المرجح أن يساعد ارتفاع درجات الحرارة فيها على قصر موسم الحصاد. أما في خطوط العرض المرتفعة، حيث تنخفض درجات الحرارة نسبياً، تطول مواسم الحصاد مما يقود إلى زيادة المحصول، حيث يساعد ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في التمثيل الضوئي.
ولم تصدر هذه الدراسة حكماً على فوائد ثاني أكسيد الكربون في تخصيب المحاصيل. وترتفع عائدات المحاصيل بنسب كبيرة في حالة تلك التي تزرع داخل غرف فيها نسبة كبيرة من تركيز الكربون (وهذا من الأسباب التي تجعل مزارعي الطماطم يستخدمون ثاني أكسيد الكربون في البيوت المحمية).
وفي مقابل عدم السيطرة على درجة الحرارة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ينبغي موازنة مقدرة المزارع على تكييف نفسه على التغيرات وعلى زيادة معدل عائدات المحاصيل. ويعتبر تكثيف الزراعة واحد من حلول التكيف التي نجحت في المحافظة على الحياة البرية بالحد من عمليات الحرث.
ويتطلب نجاح التكيف، بالإضافة إلى تكثيف البحوث الخاصة بتحسين عائدات المحاصيل وتحمل ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه، بحوث في الطرق الجديدة المتعلقة بمحاربة الآفات وتحسين التربة والمحافظة عليها وتقنيات إدارة المحاصيل. ومن شأن مثل هذه البحوث أن توفر غذاءً لنحو 9 مليارات شخص في جو ترتفع فيه الحرارة ثلاث درجات بدون أن تتأثر الزراعة أو الرعي.
والهجرة إلى المدن وتحسين سوق العمل، من حلول التكيف الأخرى المطروحة، خاصة لمزارعي أفريقيا الفقراء. ويعيش أكثر من نصف سكان العالم الآن في المدن مع توقع أن تبلغ النسبة أكثر من 75% بحلول منتصف القرن الحالي. وربما يكون تشجيع هذه الظاهرة مفيداً في تقليل تعرض الاقتصاد للتغير المناخي. وخلصت دراسة أجراها “معهد ماسيشوتس للتقنية” الأميركي إلى أن إنتاج الفرد الذي يعيش في مناطق أكثر حرارة في الدول النامية، أقل من نظيره الذي يعيش في مناطق أكثر برودة. ويمكن تسمية ذلك تكيف أو تأثير مثير للقلق، وله فاعليته في خفض النمو الاقتصادي، مما يجعله قاعدة مؤكدة لأنواع أخرى من التكيف أكثر إيجابية.
وفي حالة وقوف التغير المناخي في طريق نمو اقتصادات الدول النامية، يزيد ذلك من عبء المساعدة على الدول الغنية. وبما أن اتفاقية كوبنهاجن توصلت لهذه الحقيقة، فقد اقترحت وبحلول العام 2020، أن تضخ الدول الغنية 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة ليتم استثمارها فيما بين التكيف على التغير المناخي وتخفيف الآثار الناجمة عنه.
نقلاً عن: ذي إيكونوميست
ترجمة: حسونة الطيب