أبوظبي (الاتحاد)

أكد الشيخ الدكتور سامي أبي المنى أمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية ورئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحِّدين الدُّروز في لبنان، أن التسامحُ هو القدرة على العفو من منطلق القوة والاقتدار، وعدمُ ردِّ الإساءة بالإساءة، والتحلّي بالأخلاق الرفيعة التي دعت إليها الدياناتُ والأنبياء والرُّسُل، بما يعود على المجتمع بالخير ويحقّق العدلَ والمساواةَ والحرية، وهو مفهومٌ يحثُّ على السُّموَّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية، باحترام ثقافة الآخرين وعقائدهم وقيَمِهم، وهو من أكثرِ المفاهيم التي طُرحت حديثاً لضمان التَّعايش، وكنتيجةٍ طبيعيّةٍ لانفتاح العالم بعضِه على بعض، واختلاط الأجناس والأديان والأعراق.
وأوضح أنه إذا كان معنى التَّسامح، الاحترامُ وقَبولُ الآخر بما له من ثقافةٍ وحضارةٍ وسُلوكٍ ودِينٍ وعِرقٍ وغيرِها من الاختلافات، فإنّه ضرورةٌ مُهمّة في الحياة وليس مجرّدَ فِعلٍ أخلاقيٍّ حميدٍ وصفةٍ فُضلى تَنشرُ الخيرَ في العالم وتساعد على إحلال ثقافة السَّلام والتَّعايش محلّ ثقافة الحرب ورفض الآخر. إنه صفةٌ من صفات الأقوياء، وهو لا يعني التَّنازلَ أو التخلّي عن الحقّ، كما لا يعني المجاملةَ أو المُحاباة، بل هو موقفٌ شجاعٌ يعتمد على الاعتراف الكامل والمُطلَق بالحقوق والحريات الرئيسة.
وأضاف الشيخ الدكتور سامي أبي المنى: أمَّا التسامح الديني، فهو قيمة أساسية في الإسلام وضرورة وجودية، إذ إنّ الغاية من اختلافِ الناس في شعوبٍ وقبائل، وتنوُّعِهم إلى ثقافات ومَدَنيات إنما هي التعارفُ لا التَّناكُر، والتعايشُ لا الاقتِتَال، والتعاونُ لا التَّطاحن، والتكاملُ لا التعارض، ولذا فإن أهمية التسامح الديني تتمثّلُ في كونه ضرورياً ضرورةَ الوجود نفسِه، وهو يقتضي الاحترامَ المتبادل، والمساواةَ في الحقوق، ويُعَدُّ أرضيةً أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده.
وأضاف: إذا كانت الإماراتُ العربية المتحدة سبَّاقةً إلى تخصيص عامٍ للتسامح، ووزارةٍ للتسامح، ومؤتمراتٍ متتالية للحوار والتسامح، فذلك لأنَّ الإمارات تأسَّست على مبدأ الانفتاح والتطوُّر، ليس من باب الضعف والانكسار، بل من باب الرحمة التي نادى بها الإسلام، ومن منطلَق والقوة والشجاعة، ذلك لأنّ الشجعانُ فقط لا يَخشَون التسامح، لأنهم يُسامحون من أجل السلام، ويرجُون من الآخر أن يُسامِحَ ليعيشَ بسلام.
وذكر أن الإمارات أدركت أهمية ثقافة التسامح والاعتدال فأطلقت البرنامج الوطني للتسامح، وشرعت قانون مكافحة التمييز والكراهية، وأسست عدة مراكز لمكافحة التطرف والإرهاب، انطلاقاً من إيمانها بتعزيز ثقافة التسامح والمحبة والرحمة، وبأنّه لا بدَّ من التربية والتوجيه على ذلك، وسنت القوانين التي تحمي حقوقَ الناس، ومن الدعوة إلى الالتزام بها وبما هو إنساني، فأضحت الدولة شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز، لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة، واحتضنت الكنائس والمعابد، وأطلقت مبادرات رائدة عدة لترسيخ الأمن والسلم العالمي، وتحقيق العيش الكريم للجميع.
وتابع أبي المني أنه بإعلان العام 2019 عاماً للتسامح، أكَّدت الإماراتُ دورها كعاصمة عالمية للتسامح، بتأكيدها على قيمة التسامح، واعتبارها هدفاً تسعى إلى تحقيقه، من خلال العمل المؤسساتي المنظَّم والمتنوّر، والهادف إلى تعميق قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب، وإطلاق المبادرات والمشاريع الكبرى التي تخدم هذا التوجُّه، كالمساهمات البحثية، والدراسات الاجتماعية المتخصصة في حوار الحضارات، والمبادرات المجتمعية والثقافية المختلفة، والتشريعات والسياسات التي تهدف إلى تعزيز قيم التسامح الثقافي والديني والاجتماعي.

واحة أمن وعدل وسلام
قال سامي أبي المنى: أثبتت الإمارات أنها واحة أمن وعدل وسلام، لا يُسمحُ فيها بالكراهية والتمييز، بل بترسيخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر، وفي هذا الإطار أُصدرت التشريعات المطلوبة، وتحقَّق العمل واقعاً على الأرض، من خلال مراكز ومؤسسات عدة ، مثل «المعهد الدولي للتسامح»، ومركز «هداية» لمكافحة التطرف، و«مركز صواب»، الذي يدعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد التطرف والإرهاب، «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة».