غالية خوجة (دبي)

«وجدت نفسي وحيداً بعد مشاركتي الأولى في معرض جماعي بالكويت 1964، وكنت في الثالثة عشرة، وكان لتلك المرحلة والتجربة أثرها، فلم أستطع رغم المحاولة أن أعود إلى الرسم إلاّ بعد 12عاماً، ربما لأن الإبداع كان ينضج في اللاوعي، لأكتشف أكثر ذاتي واللون والعمل والمشهد الفني ولوحاتي القادمة».
هكذا بدأ حديث عبد القادر الريس، الفنان العربي الإماراتي العالمي، إلى (الاتحاد)، وهو الذي عكست رحلته الفنية العديد من اللحظات الخالدة بين اللون والحرف والنحت، وما زالت موهبته الإبداعية مشتعلة بالأحلام كما الذاكرة، مما يجعلها تنجز رؤاها بطريقة متفردة، تألفت من ذكريات دبي المولود فيها عام 1951، والتي حضنت معرضه الأول عام 1974، ثم من تحولات الحالات والأمكنة والأزمنة، انطلاقاً من المحلية الإماراتية بمبانيها، ودلالاتها، ورموزها، وبيوتها الأولى، وإطلالتها المشرقة على الرمال والبحر والنخيل والمستحيل، وحروفياته التي يرتكز فيها على (الواو) و(الهاء)، معللاً: حرف «الواو» وهو عنوان معرضي الاستعادي في معهد العالم العربي بباريس بمناسبة عام زايد، المتضمن للتسامح أيضاً، حرف بدأت به حروفياتي، لأن له صفات جمالية، بامتداده وانحناءاته وتشكلاته، ودلالاته، وهناك كلمات عظيمة تبدأ به، مثل واحد أحد، والدان، وطن، وهو الحرف الوحيد الذي له معنى دون إضافة، حرف يضم ويحضن ويعطف، ويمثل الأنا والآخر، لذلك رأيت أن يكون الحوار الحضاري بيننا والآخر من خلال هذا الحرف، لا سيما في عاصمة الفن باريس التي ظهرت فيها الانطباعية والمذاهب والمدارس الفنية والأدبية والنقدية.
وأضاف: فلسفة الصوفية في أحد محاورها تستند إلى حرفين الواو والهاء، مثلاً «هو»، والهاء من الحروف التي تتصاعد بلفظها وصوتها وصمتها التأملي، وشكلها جميل، يمثل الدوران المفتوح والمضموم، ويلتقي بالواو، وأراه ببصيرتي «البرقع الروحي»، وإشعاعاته تتكون من تشكلات الحركة وتشكيلات اللون.
واسترسل: اللون الأصفر والرمادي والأزرق مع الرمادي و«التركواز»، عبارة عن لوني الخاص، لون الذات والمكان، وكذلك البنفسجي والأحمر والأبيض والبني والأسود، وتدرجاتها ومعانيها وإشاراتها مما يشكّل الفلسفة اللونية.
وأكد: التجريد لغة عالمية لجميع الفنانين، لكن إعطاء التجريد صيغة عربية، فهذا ما وظفته في أعمالي الحروفية التشكيلية تبعاً لكل حالة ولوحة.
ورأى أن مشاركته في المجمع الثقافي بأبوظبي، وقصر الحصن الثقافي، تجربة مختلفة تستعيد الزمن وأحداثه الجميلة، ولذلك رأى في لوحته (الفروسية) ما يناسب تلك اللحظة، ولفت إلى أن معرضه الحالي المقام في منارة السعديات/‏آرت أبوظبي، والمستمر لغاية (23/‏3/‏2019)، ويضم (89) لوحة، هو معرض يشبه رواية السيرة الذاتية، كونه استعاد بعض أعماله القديمة، ومنها لوحته التي رسمها وكان طالباً في الكويت، واقتناها محمد الشارف مدير مجلة العربي سابقاً، كما أن صورة منحوتته الأولى (الأمومة) موجودة في هذا المعرض.
ولفت إلى أن التسامح في «منبع الحب» هو الفلسفة الكونية للشيخ زايد القائل: «الرزق رزق الله، والمال مال الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، والأرض أرض الله، واللي يجينا حياه الله».
وأجاب عن العلاقة بين البعد الثالث للوحة، والبعد النافر، والتداخل بين النحت والتشكيل في أعماله: أحد أسرار جماليات اللوحة أن تتمتع ببعد ثالث، وحركة فنية نافرة، ومعانٍ مستمرة، وهذا ما تتضمنه لوحاتي المتمحورة حول البيوت الأولى والأماكن الشعبية والصحراء بأزهارها البرية ودلالاتها ومبانيها المعاصرة ورموزها الساحرة.
وتوقف عند الأبواب المفتوحة على الأزمنة، قائلاً: إنها تعزف موسيقاها التراثية، وللمتلقي أن يستمع لتلك الموسيقى من خلال مخيلته وحنينه وأحلامه، لا سيما أن باب بيت الأهل، والباب الأول من كل مكان، هو دلالة على الذاكرة المكانية والطبيعية والبيئية والذاتية لكل منا، ومن خلال الباب، ندخل إلى محليات المدن، ومنها دبي، لنكتشف البحر، وحي الفهيدي، والخور، والنقش، والفلكلور الإماراتي، والرائحة الأولى للأجداد، والسفينة الأولى للأحلام.
وأخيراً، خص الاتحاد قائلاً: بصدد إصدار (كتاب متحفي) يمثّل سيرتي الذاتية اللونية واللغوية والحياتية، موزع إلى عدة أقسام، منها: قسم البداية، قسم العودة، قسم البيئة المحلية، قسم الأرض والسماء، قسم الإنسان، وأضاف مختتماً: سأعود إلى عالم النحت أيضاً من جديد.

سيرة ألوان وظلال
أكمل المبدع عبد القادر الريس دراسته في جامعة الإمارات متخرجاً من كلية الشريعة والقانون عام 1982، أقام معارضه في العديد من الدول العربية والعالمية، حصل على العديد من الجوائز الذهبية والفضية والتقديرية، منها الجائزة الأولى في معرض الإمارات بالصين عام 1991، وجائزة السعفة الذهبية معرض مجلس التعاون الخليجي عام 1999، وفي العام ذاته، حصل على الجائزة الأولى في معرض الإمارات بعيون أبنائها، ونال جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون والآداب في مجال التصوير والرسم بدورتها الأولى عام 2006.