مع تطور الوسائط المتعددة التي تبث صور الشخصيات الكرتونية على أكثر من وسيلة، بات من الملاحظ تعلق الأطفال بها بشكل يفوق الحد الطبيعي. فبعدما كانت مشاهدتها تقتصر على برامج التلفزيون، أصبح التواصل مع كل جديد يتعلق بها متوفرا بكبسة زر وفي أي زمان ومكان. وبعد دخول هذه النجوم الافتراضية عالم الأقراص المدمجة وعروض السينما والمسرح، تفاقمت رقعة تواجدها اليوم إذ إنها تتحرك بخفة عبر مقاطع “اليوتيوب”. ولا يعصى على صغار السن الوصول إليها بيسر من خلال أجهزة الانترنت المحمولة والهواتف الذكية، التي تتعامل معها هذه الفئة العمرية بمنتهى السهولة. نسرين درزي (أبوظبي) - ارتباط الأطفال بالشخصيات الكرتونية المنتشرة بقوة على الساحة، قد لا يكون أمرا سلبيا بكل جوانبه. إذ إنه من المفيد أن يتمثل صغار السن بالمفاهيم الجيدة التي تبثها بعض هذه الرسوم المتحركة. وأهم ما في الأمر أن هذه الشخصيات الوهمية تشكل فرصة حيوية للتشجيع على نبذ العادات السيئة. غير أن المعضلة الحقيقية تكمن في أن نجوم الكرتون ليسوا دائما من الأبطال الشرفاء المنزهين عن الخطأ، وإنما ينتهجون أحيانا كثيرة أساليب غير حميدة ويتلفظون بعبارات غير لائقة. وهنا يكمن دور الأهالي في مراقبة الأجواء العامة التي ينمو فيها الجيل الجديد. وإذا كان من غير المنطقي منعه كليا عن التواصل الالكتروني مع هذه الشخصيات وسواها، فإنه من الضروري وجود المتابعة والتوجيه. انتصار الخير تتحدث وداد الصوفي عن تعلق ابنها الأصغر (6 سنوات) ببعض الشخصيات الكرتونية التي يصحو وينام على ذكرها. وتقول “لديه هوس يفوق التصور بأبطال “بن تن” الذين لا يكتفي بمشاهدتهم عبر شاشة التفزيون، وإنما يلاحق كل الألعاب التي تحمل رسمهم. حتى أنه في هذه السن يجمع تشكيلة كبيرة من الساعات والسيارات والاكسسوارات الأخرى التي ترافق “بن تن”. وتذكر الصوفي أن ارتباط طفلها بهذه الشخصيات الوهمية، بدأ قبل 3 سنوات عندما اصطحبته إلى إحدى مسرحيات “بن تن” التي تم عرضها بشكل حي وكانت تضم الفرقة الكاملة للمسلسل. وبحسب قولها فإن طفلها ينبهر منذ ذلك اليوم كلما لمح أي لعبة تشير إلى هذه الشخصيات التي يغلب عليها اللون الأخضر. وتضيف “أعتقد أنه من الطبيعي أن يرتبط الصغار بالنجوم المفضلين لديهم، وأنا لا أخشى من هذا الأمر لأن شخصية “بن تن” على سبيل المثال معروف عنها بأنها تحارب الظلم. لكن ما يشغل بالي ما يحوط بهذه الأفلام الكرتونية من مظاهر عنف افتراضية، حتى وإن كان الهدف منها ساميا ويدعو إلى انتصار الخير على الشر”. الأمر نفسه بالنسبة لعبير مرعي وهي أم لولدين وبنت في سن الطفولة. تقول “لا شك أن تربية الأبناء تختلف كليا عن تربية البنات، ولاسيما لجهة توجيههم ناحية الأسلوب الأفضل لتمضية وقت الفراغ”. وتعتبر أنه في حين تنصرف الفتيات إلى اللهو بالعرائس الجميلة والفساتين والقبعات، فإن عالم المعارك الجسدية والبحث عن قوة التحدي وشغف الانتصار هي ما يشغل بال الصبيان. وتشير مرعي إلى أنها تعاني كثيرا من عدم تركيز ولديها اللذين يمضيان أكثر من 4 ساعات في اليوم كحد أدنى في التواصل مع شخصياتهم المحببة. وتوضح أن ذلك يكون إما بواسطة مشاهدة مقاطع من الأفلام الكرتونية على الانترنت، أو عبر تقمص شخصياتها وتمثيل أدوارها بالاستعانة بالمجسمات الصغيرة عنها. وتذكر “أن أكثر ما يقلقها هو الانخراط الكلي الذي يعيشه ولداها مع هذا الواقع الخيالي الذي لا يمت للحقيقة بصلة. وهذا يبدو على ملامحهما ومن خلال حركاتهما وإشارات أيديهما”. الأمر الذي لا تشعر به إطلاقا مع ابنتها التي تصغر أخويها سنا، ومع ذلك تتصرف بهدوء ولا تندمج باللعب إلا خلال الوقت المحدد لها وحسب. فائق الذكاء يعلق أياد اسماعيل وهو أب لـ 3 أولاد على ظاهرة تقمص الشخصيات الكرتونية التي تعيشها نسبة كبيرة من الأطفال، معتبرا أن في ذلك شيئا من الذكاء. ويقول “صغار السن يميلون عادة للتقليد وإعادة تمثيل ما يرونه أمامهم، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على شدة الملاحظة والقدرة على تذكر الأحداث”. ويورد أن الأمر في العموم ليس سهلا، إذ إنه ليس كل ولد قادرا على القيام بهذا الدور. ولاسيما أن عملية الارتباط بالشخصية الكرتونية لا تقتصر على الشكل بل على السيناريو العام الذي يحوط بها. وذلك بدءا بالعبارات التي تتلفظ بها إلى الرقصات التي تؤديها ونمط الحركة عموما. ويوضح اسماعيل أن ولده الأكبر (7 سنوات) مر خلال مرحلة نموه بعدة مراحل كانت كل منها تترك بنفسه أثرا معينا. ويقول “بعدما كان يعشق الرسوم المتحركة البريئة ذات الألوان الملفتة مثل “تلي تابيس”، و”ساعي البريد سام”، و”البناء بوب”، بات اليوم مهووسا بأحدث نجوم السينما وهو الهر الأشقر الذي كان بطل الفيلم السينمائي “كات إن بوتز”، والذي تم عرضه حديثا في صالات السينما”. ويضيف أن إعجاب ابنه الشديد بهذا الهر الراقص، انعكس على سلوكه في البيت وفي المدرسة. إذ بات يتحدث مثله بلهجة متعالية ويمشي بخطوات ثابتة محدثا أصواتا لوقع قدميه. ويظهر ذلك بحسب الوالد من خلال شخصية فذة يكتسبها عبر الملاحظة والتطبيق. ويورد اسماعيل أن ولديه الأصغر سنا، وإن كانا يلهوان بالألعاب الحسية، غير أنهما يبديان تأثرا واضحا بأخيهما. ويذكر “أنهما بلا أدنى شك سوف ينتهجان النهج نفسه، وأنا مسرور بذلك ولا أجد في الأمر أي سلبية تدعو إلى القلق. على العكس أنا فخور بأبنائي وأرى أن الطفل القادر على تقمص الشخصيات الكرتونية هو طفل خارق الذكاء، ويحتاج منا إلى التنبه للمواهب الكامنة بداخله”. من جهته يرى الموجه الأسري ياسر عبد المولى أنه من الخطأ التعميم بجواز تعلق الأطفال بأي شكل من أشكال اللعب، أو العكس. ويقول “إن تقييم الأمور يكون بحسب كل حالة وبناء على العمر والظروف المحيطة بالطفل. فمن غير المقبول أن نصدر أحكاما قاطعة تنتقد تعاطي الصغار مع نجوم الكرتون عبر المشاهدة أو التواصل الالكتروني. كما أنه من غير المنطقي أن نجيز لهم ذلك في أي وقت من اليوم وعلى عدد مفتوح من الساعات، وألا نراقب تفاعلهم الحسي معها وما ينتج عنه من ردود أفعال وسلوكيات”. ويورد عبد المولى أن الدراسات تثبت “أن الطفل الذي ينفتح منذ الصغر على عالم الكرتون ومواكبة تطورات العصر، يكون أكثر قدرة من سواه على فهم الأمور الأكاديمية والتعامل معها”. وفي المقابل يذكر أنه من الضرر بمكان أن يبدأ الطفل بالتعرف إلى العالم الخارجي المحيط به، عبر المشاهدة السلبية للبرامج الكرتونية. ويقول “إن هذا النوع من الأطفال يتأخرون بالنطق، وتصبح قدرتهم على التركيز أقل بكثير من سواهم، لأنه من الضروري جدا أن يتعرف صغار السن إلى البيئة المحيطة بهم باللمس والتجاوب الفعلي”. وبعد ذلك يصبح من الممكن الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدما يدخل فيها العالم الافتراضي الذي ينمي مخيلة الطفل من دون أن يقتل لديه القدرة على النمو الحسي الحركي.