ويليام بوث جاكمِل، هايتي كان اثنان من عمال المساعدات يحتسيان القهوة صباح الأحد بفندق "فلوريتا" عندما وصلت سيارة وزيرة السياحة متبوعةً بوزير الداخلية الذي كان محفوفاً بحراس شخصيين مدججين ببنادق من طراز "إيه آر 15"، ثم نجمة الحفل، مصممة الأزياء النيويوركية "دونا كاران". هذه الشخصيات جاءت إلى"جامل"، عاصمة الفنون والمهرجانات في هايتي، من أجل إعطاء إشارة انطلاق مشروع يقضي بتحويل هذه المدينة الساحلية التي هزها الزلزال من زهرة الكاريبي الذابلة إلى وجهة للسياح الأثرياء والمشاهير. وفي هذا السياق، قالت وزيرة السياحة في مقابلة معها، وهي تحمل طفلها الصغير بين ذراعيها: "إننا نسعى إلى خلق اسم جديد لهايتي"، مضيفة "إننا نسعى إلى تحديد أهداف أصعب قليلاً، ولذلك، فإننا استقدمنا "دونا" إلى هنا من أجل مساعدتنا على تحقيق رؤيتنا". وقالت "كاران" وهي تتجول عبر فندق جاكيليان المهجور –الذي اخضرت مياه مسبحِه المطل على الساحل بسبب نمو الطحالب فيها، وتناثرت عبر حدائقه التي نمت أعشابها كثيراً الزجاجاتُ المكسورة، وقشور الجوز الهندي. ورغم أنه قد يستعصي على الهايتيين الشباب تصديق ذلك، فإن بلدهم كان وجهة سياحية في الماضي. فحتى في أيام ديكتاتورية "دوفالييه" السيئة وزبانيتها المخيفين من فرق الموت، التي كانت تزرع الرعب في قلوب الهايتيين، كان السياح يأتون إلى البلاد، أو البعض منهم على الأقل. وهو ما تؤكده رواية "الكوميديين" التي كتبها جراهام جرين عام 1966، رواية تدور أحداثها بفندق ومستوحاة من منزل كبير حقيقي، وهو فندق أولوفسون في العاصمة، ومازال يشتغل إلى اليوم، ولكنه يدار الآن من قبل "ريتشارد مورس"، المبعوث السياسي الخاص للحكومة الجديدة إلى الأميركيتين. اليوم، لا أحد يزو هايتي من أجل المتعة والمرح باستثناء أفراد الجالية الهايتية في الخارج. ردهة الوصول بمطار "بورت-أو-برنس" تغص بموظفي الأمم المتحدة، وممرضات أميركيات – ولا وجود لسائح حقيقي. غير أنه عبر منطقة الكاريبي، تمثل عائدات السياحة نحو 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والعديد من الدول- الجزر، مثل الباهاماز و"باربادوز" و"أنتيجوا"، تحصل على ثلث ناتجها المحلي الإجمالي على الأقل من السياح. وبالنسبة لمعظم بلدان منطقة الكاريبي، تمثل العملة الأجنبية التي يجلبها السياح المصدر الأول للاستثمار الأجنبي. "هايتي" أهملت بنيتها التحتية السياحية وتركتها تتدهور على مدى عقود من الاضطرابات السياسية، والانقلابات العنيفة، وغزو أميركي، والأعاصير، والزلازل، والكوليرا. والحال أن هذا البلد الفقير الذي يقع في النصف الغربي للكرة الأرضية حباه الله بالكثير ليقدمه للزائر الباحث عن المغامرة، كما يقول المخططون الدوليون والمسؤولون الهايتيون. فالمطبخ الأوروبي- الأفريقي هنا يعتبر واحداً من بين أفضل المطابخ في منطقة الكاريبي، وصناع هايتي وأن حرفييها مشهورون عبر العالم، ومزيجها من الموسيقى الأفريقية والإسبانية فريد من نوعه. كل هذا إضافة إلى الثقافة والديانة المحلية بالطبع. وتهدف المخططات السياحية لـ"هايتي" إلى تحويل "جاكمل" إلى وجهة سياحية مستقلة، بمعنى أن السياح لن يضطروا إلى القدوم إليها عبر مطار العاصمة "بورت-أو-برانس" التي ينتشر فيها الفقر والفوضى وأعمال الترهيب، وإنما سيصلون مباشرة إلى هنا جواً أو بحراً. وبفضل مساعدات التنمية التي تقدمها البنوك والمانحون الدوليون، تخطط حكومة المغني السابق والرئيس الحالي "ميشال مارتلي" لتمديد مدرج المطار في "جاكمل" حتى يستطيع استقبال طائرات صغيرة تقوم برحلات مكوكية من ميامي وفورت لودرديل (فلوريدا)، و"بويرتو ريكو"، و"جوادلوبي". كما يرتقب أيضاً إصلاح وتأهيل الميناء البائس حتى تستطيع السفن الكبيرة الرسو فيه. في القرن التاسع عشر، كانت "جاكمل" تمثل ملتقى مهماً للطرق في منطقة الكاريبي -وكانت تلقب حينها بـ"لؤلؤة الأنتيل" - وما زال وسط المدينة يحوي نماذج للهندسة الأوروبية- الأفريقية مثل الشرفات المصنوعة من القضبان الحديدية المطوعة، ومستودعات محطمة للبن والزعفران وقشور البرتقال. وتذكِّر المدينة الكثير من زائريها بالحي الفرنسي في "نيوأورلينز"، ولديها واحد من أشهر الكرنفالات في منطقة الكاريبي، إضافة إلى مهرجان موسيقي وآخر سينمائي، وهي اليوم تحاول استعادة بعض من جاذبيتها من جديد بعد زلزال 2010 المدمر. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»