مزارعون يتحدون الصعاب بزراعة القمح في المرتفات
استمرار زراعة القمح هو بمثابة قدوم حياة جديدة بالنسبة للمزارع، ويشكر المزارعون الله الذي أنعم عليهم بالعمر كي يشهدوا مواسم الزرع والحصاد، لأنهم يكونون في شدة التوتر منذ موسم الزرع ووضع البذور، خشية أن تتأثر غلة الموسم بطارئ ما، وبرغم أن القمح يزرع على مساحات قليلة، خاصة تلك التي أقامها الأجداد على قمم الجبال، إلا أنهم كانوا دائما ما يتجاوزن تلك الصعاب ويفرحون بالكميات القليلة منه. وللقمح مع الإنسان قصة طويلة موغلة في القدم، وهي قصة ترتبط بالغيث وسقوط الأمطار، ولا يزال الإنسان مستمرا في زراعة القمح تلك الغلة التي تسمى البر في الإمارات.
ويعد الموسم بحد ذاته تراثا عريقا، خاصة أن أغلب من يزرع القمح هو في الأساس من أهل الجبل، الذين يقيمون فعاليات يتشاركون من خلالها في الحصاد، وفي وسائل الحفظ بعد عدة مراحل من تقليب التربة، وتلك مرحلة «الهياس» عندهم وعند الشحوح أو غيرهم من قبائل أهل الجبل، وعندما يصنعون الأطباق الشعبية من البر أو القمح، فإنهم يتبادلونها ويقسمونها على بعضهم كجزء من تلك الاحتفالية.
وما يزال محمد الحبسي، يتسلق الجبال ليصل إلى المرتفعات بواسطة المشي على الأقدام، والبعض يركب البغال أو الحمير، حيث لا توجد حتى اليوم وسيلة إلا الطائرة للوصول إلى أماكن الحبوس، ولا يزال حتى اليوم يزرع القمح بالطرق البدائية، لأنه بكل بساطة لا يستطيع أن يوصل المحراث الحديث إلى قمة الجبل من أجل عملية «الهياس» وهي لفظة الحراثة عند الحبوس والشحوح.
ويستخدم الحبسي نظام «الوعب» أو «الوعوب» خلال السهول وسفوح الجبال، ويقول إنهم قد نجحوا أيضا في زراعة الشعير من خلال ذلك النظام، ويكون مجاورا لأماكن تمر بالقرب منها السيول المائية الناتجة عن مياه الأمطار، كما أنهم يقيمون خزانات طبيعية من الجبال ذاتها تحفظ لهم مياه الأمطار، وأيضا يترسب فيه الطين الذي يساعد في النمو الزراعي لغلة القمح أو حتى الشعير، وعند موسم الحصاد يكون كل مزارع قد أعد العدة للتخزين الجيد أو للبيع أو للإهداء ولإعداد الوجبات. ويضيف الحبسي أن كل القبيلة تنتظر الغيث لأن المطر هو أساس زراعة القمح أو البر، وإن لم تسقط الأمطار لا يستطيع الرجل أن يزرع، ويتم انتظار الأمطار سواء في شهر نوفمبر أو ديسمبر وحتى يناير، وعندها يتم وضع البذور وبعد مرور شهرين يمكن جني حبوب القمح، وتتم العملية من خلال ثلاث مراحل وهي غرس البذور، ثم التنظيف من الحشائش، ثم مرحلة «اليز» أو جز القمح.
ولا يزال الحبسي يحتفظ بالقطع الأصلية من معدات الزراعة والحراثة، وهي معدات أثرية خاصة بأسرته وقد تم توارثها عبر الأجيال حتى اليوم، كما جمع منذ الثمانينيات كل ما يجده من مقتنيات، سواء تلك التي تعود إلى أسرته أو إلى أفراد من القبيلة كي لا تندثر، ولكنه كان قد وضعها في غرف من باب الحفظ فقط، ولكل قطعة قصة لأنها أدوات أصلية خدمت أناس في الزمن البعيد أو القريب،خاصة أن هذه القبيلة أحد أهم القبائل التي عاشت حياة أهل الجبال وهم متشابهون في حياتهم مع الشحوح، حيث سكنوا الجبال منذ مئات السنين، ولا تزال آثار بيوتهم الأصلية قابعة في أعالي تلك الجبال المحيطة بهم، ولكن بعد توفر كافة الخدمات والوظائف والتعليم، نزلوا من حصونهم تلك لتحقيق غاياتهم، ولكنهم لم يقطعوا علاقتهم بالجبل إلى اليوم، حيث لا تزال منطقة السلي وهي ظهر جبل مكان يقصد كل أسبوع من قبل الكثير من العائلات، عندما لا يكون موسم لزراعة القمح.
ويقول الحبسي، وهو ينظر إلى الجبل أنهم يصلون لقمة الجبل سيرا على الأقدام، حيث لا يمكن لأي مركبة أن تصل إلى هناك، والبعض يحمل المتاع على الدواب من أجل رعاية زراعة الحب أو القمح، والجميع يعتمد على مياه الأمطار التي تجمع بطرق معروفة عن طريق برك لحفظ الماء، وكل تحركاتهم قديما تتم عن طريق حسابات الدرور، والاهتداء بتتبع النجوم وكانت الصلاة على حسب قياس الظل، وإلى اليوم ترعى المواشي طليقة في السيح أو الوادي أو السفح، بحثا عن الحشائش والنباتات العطرية.
المصدر: رأس الخيمة