أبوظبي (وام)

يشكل مشروع إعادة بناء جامع النوري الكبير ومئذنته الحدباء في مدينة الموصل بالعراق، أحد الشواهد على مسيرة رائده تمضي فيها دولة الإمارات قدماً لنشر رسالة تسامح وأمل للعالم أجمع، كما تواصل فيها مبادراتها الرائدة لإعادة إعمار ما عبثت به أيادي التطرف والإرهاب في الدول الشقيقة.
وكانت دولة الإمارات اتفقت مع جمهورية العراق ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، وبالتعاون مع المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية «إيكروم» على إطلاق مشروع إعادة بناء وترميم مسجد النوري الكبير ومئذنته الحدباء في مدينة الموصل العراقية في مشروع يمتد خمس ‎سنوات، ويعد الأضخم من نوعه في العراق، وبتكلفة خمسين مليوناً وأربعمائة ألف دولار أميركي.
وبتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة، أعلنت السلطات المحلية في مدينة الموصل العراقية مؤخراً وضع حجر الأساس لإعادة بناء جامع «النوري» ومنارته الحدباء التاريخية بعد تدميرهما خلال معارك طرد تنظيم داعش الإرهابي الذي كان يتخذ من المدينة معقلاً له.
ويعد المشروع أحد بصمات التسامح الإماراتية في الدول الشقيقة والتي سعت من خلالها إلى تأكيد أنها ماضية في جهودها الإيجابية لنشر رسالة الأمل والوسطية والانفتاح ضد التعصب والتطرف الفكري والديني والثقافي، وكذلك الوقوف إلى جانب الشعوب العربية الشقيقة انطلاقاً من نهج راسخ أرسى دعائمه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
ويشتمل مشروع إعادة بناء وترميم جامع النوري على إعادة بناء المسجد، خاصة منارته الحدباء والمباني الملحقة بالمسجد، إضافة إلى إعادة بناء البنية التحتية اللازمة حول المسجد والحدائق التاريخية، وبناء صرح تذكاري يحوي بقايا المسجد ومساحات ثقافية ومجتمعية وتعليمية لأفراد المجتمع الموصلي.
وأكدت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، أن مبادرة دولة الإمارات بإعادة بناء الجامع النوري ومنارته الحدباء جاءت كرسالة قوية هدفها نشر رسالة أمل وتسامح في العراق ودحر الإرهاب.
وقالت معاليها، في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات: «إن مشاهد جامع النوري بعد استهدافه من تنظيم داعش الإرهابي تسببت في ألم للجميع، لاسيما أهالي الموصل في العراق الذين فقدوا معلماً يمثل روح مدينتهم العريقة فجاءت مبادرة دولة الإمارات في «عام زايد» بالعمل على إعادة بناء هذا المعلم التاريخي والثقافي العريق بهمم من أبناء العراق».
وأضافت معاليها، أن انطلاق مشروع إعادة بناء وترميم جامع النوري الكبير في الموصل تزامن مع «عام زايد» ليكون خير ترجمة لحرصنا على إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في ترسيخ ونشر القيم التي أورثنا إياها في الوقوف إلى جانب الشعوب العربية الشقيقة، إسهاماً في رخائها وسعادتها وبناء وازدهار أوطانها.
وأكدت معاليها أن إعادة إعمار الجامع النوري يحمل بين طياته السلام والتعايش في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب والثقافات، ويتزامن مع إعلان دولة الإمارات عام 2019 عاماً للتسامح، موضحة أن هذا المشروع يعد نموذجاً يبرز دور الإمارات في صون التراث العالمي والحفاظ على الموارد الثقافية، من خلال تبني مبادرات مستدامة تضمن حق الأجيال المقبلة في المواقع الأثرية والتراثية.
وأضافت معاليها أن الإمارات لها تاريخ في صون التراث العالمي، وهذه الخطوة الاستراتيجية تجسد الشراكة بين دولة الإمارات و«اليونسكو» لإعادة بناء هذا المعلم التاريخي المهم للغاية، مشيرة إلى أن الجامع النوري هو معلم تراثي وتاريخي عريق لا يقتصر على عرق معين، بل هو للإنسانية جمعاء.
وأكدت معاليها وقوف الإمارات قيادة وشعباً إلى جانب العراق الشقيق وهو يتعافى من آثار الحرب التي استهدفت إنسانه وكيانه وحجره وبشره مضيفة معاليها: «إننا نتطلع إلى التعاون مع أشقائنا العراقيين ومنظمة اليونسكو وجميع شركائنا في هذا المشروع لإنجاز العمل المطلوب لترفع قواعد الجامع من جديد وتصدح المئذنة بصوت الحق، ويعود هذا المعلم التاريخي للعب دوره الريادي شاهداً على الحضارة الإنسانية وإرثاً عالمياً خالداً لا يمحوه الزمن».
من جانبه، قال أبو بكر كنعان مدير الوقف السني في محافظة نينوى بالعراق: «إن جامع النوري الكبير من الجوامع التراثية والتاريخية العريقة، حيث يمتد عمره إلى نحو ألف عام مضت، ويحظى بمكانة خاصة في نفوس جميع أبناء العراق، وأيضاً الدول العربية الشقيقة».
وأضاف أن الجامع كان يتميز بمنارته أو مئذنته الحدباء التي يصل ارتفاعها إلى نحو 55 متراً، وتزينها الزخارف الفنية الفريدة التي تعكس تراث وتاريخ العراق.
من جهته، أعرب حسام الدين العبار عضو مجلس محافظة نينوى عن شكره وامتنانه لدولة الإمارات على مبادراتها الذي تعد من المبادرات التاريخية للعراق.
وأضاف أن بناء المنارة الحدباء للجامع النوري سيكون على التراث الأثري القديم نفسه، مع الإبقاء على القاعدة المتبقية من المنارة، كما هي عليه الآن كتوثيق لجرائم تنظيم داعش الإرهابي.
ولفت إلى أن المشروع سيتم تنفيذه بمشاركة نحو ألف يد عاملة، مشيراً إلى وجود تنسيق على أعلى مستوى مع دولة الإمارات و«اليونسكو» حول تنفيذ هذا المشروع.
بدوره، قال مصعب جاسم مدير دائرة آثار نينوى، إن مبادرة دولة الإمارات الرائدة بتمويل إعادة بناء الجامع النوري ومنارته الحدباء رائدة ومهمة لأبناء المدينة والعراق كافة، مشيراً إلى أن جامع النوري يشكل معلماً مهماً للغاية لسكان مدينة الموصل القديمة، وأن منارة الحدباء هي رمز لمدينة الموصل على مر التاريخ، ولها مكانة خاصة للغاية لدى سكان المدينة.
ويعتبر جامع النوري الواقع في الساحل الأيمن للموصل والذي يشتهر بمنارته «الحدباء» المحدبة نحو الشرق، من مساجد العراق التاريخية العريقة، وثاني مسجد يبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، حيث بناه نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري، أي أن عمره يناهز تسعة قرون، وأعيد إعماره مرات عدة كانت آخرها عام 1363هـ/‏‏ 1944م.