«الكتابة على الجدران» سلوك غير مرغوب للفت الانتباه
جهود عديدة ومبادرات متتابعة تبذل هنا وهناك من أجل، ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على المظهر الجميل للمنشآت والمباني المختلفة بعدم الكتابة على جدرانها، وتشويهها بكلمات أو رسومات خالية من أي مضمون، حيث تكثر بعض الكلمات على الجدران، منها «أحبك، الحب عذاب، عيناوي أصيل» وغيرها من المفردات، التي تعبر عن مشاعر يعيشها الشباب فترة المراهقة أو مؤازرة لأحد الأندية الرياضية التي يشجعونها، كما تكثر غالباً على جدران المباني التي تقع في ضواحي المدن أو على الطرق السريعة.
رفض عينة من الجمهور بشكل قاطع هذا الأسلوب ودعوا إلى تشديد العقوبات والغرامة المادية لمن يقوم به، فضلاً عن التركيز على الحملات التوعوية داخل المدارس باعتبار التلاميذ في مختلف مراحل التعليم هم أكثر الفئات التي تمارس الرسم والكتابة على الجدران.
إلى ذلك قالت ميثاء خلف 28 سنة، وتعمل موظفة في جهة حكومية، وهي أم لأبنين، إن المسؤولين في أبوظبي لا يقصرون أو يألون جهداً في بذل أقصى الإمكانات لجعل أبوظبي عاصمة جميلة وتبعث على الراحة لكل من يقيم فيها سواء مواطن أو وافد، وبالتالي ينبغي على الجميع كجزء من رد الجميل أن يتعاونوا معهم في الحفاظ على هذه المنظومة الحضارية الجميلة التي تعيشها أبوظبي وغيرها من إمارات الدولة، وذلك عبر تجنب السلوكيات الخاطئة والسلبية التي تشوه الجهود الكبيرة التي نرى أثرها في كل مكان داخل أبوظبي.
دور الأسرة
ولفتت إلى أهمية دور الأسرة في تعويد وتربية الأبناء على حب النظافة والنظام منذ الصغر، كون هذا يجعل الأولاد ينفرون بأنفسهم من عمل أي شيء مُناف للجمال والنظام، وعلى الوالدين تشجيع أبنائهم على المساهمة في ترتيب وتنظيم البيت وإضافة لمسات جمالية له، وهذا سيجعل شعورهم بالجمال أعمق وبالتالي يكونوا أحرص دائماً على جعل بلدهم تتمتع بمظهر مشرق، وحين يصلون إلى سن المراهقة والشباب، لا يلجأون أبداً لمثل هذه السلوكيات غير المرغوبة، بل أنهم قد يوجهون زملاءهم إلى السلوكيات السليمة التي تضمن الحفاظ على الشكل الجميل للمباني والمنشآت العامة.
وأكدت عائشة المهيري 31 سنة ربة منزل، أهمية دور المنزل والوالدين في فرض سلوك احترام الغير وممتلكاته على الأبناء، وذلك عبر ترسيخ القيم الدينية القائمة على عدم إيذاء الغير بأي سلوكيات غير حميدة. ومنها الكتابة على الجدران، التي تكلف أموالاً ونفقات من أجل إزالة أثار هذه الكتابات أو الرسومات، فضلاً عن التشويه التي تحدثه للمظهر العام، وما تسببه من ضرر لمشاعر الآخرين، بسبب ما قد تحتويه هذه الكتابات والرسومات من كلمات قد تكون غير مقبولة اجتماعياً مثل رسم القلب وكلمات عن الحب وما إلى ذلك، من كلمات تخدش الحياء وتجعل الأجيال الجديدة يعتادون على ألفاظ ومقولات تتعارض مع ما تربينا عليه من ضرورة انتقاء الكلمات المهذبة، والتي تتواءم مع الأخلاق الحسنة وتعاليم ديننا الحنيف.
حملات توعية
ونوهت المهيري إلى أهمية دور المدارس المختلفة في إقامة حملات توعية بين الطلاب توضح لهم مساوئ هذا السلوك. وما يعطيه من انطباع سيئ عن صاحبه، بأنه شخص عشوائي وفوضوي، ومهمل، مع تعزيز الشعور بقيمة الجمال وأهمية المساهمة في إيجاد بيئة نظيفة وجميلة يستمتع بها الجميع.
كما دعت إلى ضرورة تخصيص بعض الجدران المدرسية ليخرج الطلاب كل مواهبهم أو رغباتهم في كتابة ورسم أشياء معينة، وأن يكون ذلك في وجود المدرسين المتخصصين، وهذه الفكرة تحمل عدة إيجابيات منها اكتشاف بعض المواهب الحقيقية في الرسم أو الخط لدى الطلاب، وكذلك تفريغ بعض الشحنات لدى الطلاب التي قد تدفعهم للقيام بهذا السلوك. على أن تتم إعادة رسم أو دهان هذه الجدران كل فترة، وبهذا نكون ساهمنا في الكشف عن المواهب، والتقليل من التشويهات التي قد تسببها هذه الكتابات.
وبالحديث عن دور المدارس في غرس قيم الجمال والتوعية بضرورة تجنب ممارسة أي سلوكيات غير مقبولة اجتماعياً قال سعيد عبد الفتاح 43 سنة ويعمل مدرساً للغة الانجليزية، إن المدارس تلعب دورا كبيرا في عمليات التربية والتوجيه لسلوكيات الطلاب في المراحل المختلفة، وهم غالباً الفئة التي تقوم بالرسم والكتابة على الجدران في محاولة من بعض هؤلاء الشباب لإثبات الذات والتعبير عن أشياء تدور داخلهم سواء كانت هذه الأشياء مقبولة اجتماعياً كتشجيع ناد معين، وغير مقبولة كالتعبير عن عواطفهم تجاه شخص معين من خلال رسم القلوب التي نراها على بعض جدران الأبنية والعمارات.
ولفت عبد الفتاح إلى أن المدارس تحرص دوماً من خلال طواقم التدريس وكذلك الأنشطة المدرسية المختلفة ومنها طابور الصباح إلى تكريس القيم والسلوكيات الإيجابية لدى الطلاب، كما أنها تتيح لهم التعبير عن المواهب الفنية إذا كان بعضهم يتمتع بها، من خلال مواد التربية الفنية والمنافسات والمعارض الفنية المختلفة التي تقوم بها المدارس، أو تشارك فيها على مستوى الإدارات التعليمية المختلفة، والتي تتم جميعاً تحت إشراف تربوي عال يسهم في تحقيق أهداف التربية والتعليم في آن، حتى نستطيع أن ننتج مخرجاً طلابياً راقياً يسهم في مجتمعه بفاعلية وإيجابية ويعزز منظومة الجمال فيه.
غرامات باهظة
وقال عبد الفتاح إنه من الضروري وضع غرامات مادية عالية ضد كل من يقوم بالكتابة على الجدران، لأنه بذلك يفسد مجهودات كثيرة ومبالغ طائلة أنفقت حتى تظهر أبوظبي ودولة الإمارات بهذا الشكل الجميل، والتي يتطلب من كل من وطأت قدماه هذه الأرض أن يحافظ عليها وعلى كل منشآتها ومبانيها من أي سلوكيات تقلل من الشعور بالجمال الذي يلحظه الناس في كل مكان.
سامر أحمد 19 سنة طالب جامعي، من جهته رفض هذا السلوك، رغم أنه رأى بعض أصدقائه كانوا يمارسونه عبر استخدام ألوان الأصباغ والقيام برشها على هيئة كلمات وأشكال معينة على بعض المنشآت مثل غرف توليد الكهرباء بجوار البنايات، أو على السور الجانبي لبعض تلك البنايات، ويعتقد أحمد أن الدافع وراء ذلك هو شعور بعض الفتيان بالملل فيقومون بعمل أشياء غريبة مثل هذه الرسومات والكتابات، ونادراً ما يقوم بها أحد مستعرضاً جمال خطه أو رسوماته، لأن المدارس والجامعات تتيح ممارسة هذه الفنون وتشجع عليها عبر دعم الطلاب وتشجيعهم على ممارسة الأنشطة المختلفة في المدارس والجامعات.
وقال إن توقيع عقوبات وغرامات مادية كبيرة قد يردع الشباب الذين يقومون بهذا السلوك، واقترح أن يقوم أي شخص يرى أحداً يشوه الجدران، أن يقوم بتصويره بالهاتف وإبلاغ الشرطة، وهذا لا يعتبر فتنة وإنما إسهاما في الحفاظ على جمال البيئة التي نعيش فيها، على أن يتم تنبيه المخالف على أن هذا السلوك مرفوض ولا يتم توقيع مخالفة مادية من أول مرة، وإنما تكون مضاعفة عند تكرار هذا السلوك.
تعبير غير ملائم
من ناحيتها تقول الاختصاصية النفسية دولّي حبّال، إن قيام البعض بالكتابة أو الرسم على الجدران يعتبر بمثابة توجه للفت الانتباه، وهو نوع من التعبير غير الملائم، وليس مقبولاً اجتماعياً، غير أن هذا السلوك يعتبره بعض الشباب متنفساً للتعبير عن عواطفهم وآرائهم، ويريد من الجميع أن يشاهدوها، ولذا يختار جدران المنشآت والبنايات، كونه واثقاً أن أعين الناس ستقرأ ما يكتبه.
وأوضحت حّبال أن القيام بهذا السلوك يجعل من يقوم به يشعر بالراحة، وأن لجوء البعض إلى الكتابة على الجدران يعتبر في بعض حالاته عاكساً لنوع من الغضب ونزوعا إلى التخريب في المجتمع خاصة إذا ما حمل عبارات عدائية، بينما تأخذ عبارات أخرى منحىً عاطفياً للتعبير عن عواطف الشاب تجاه شخص معين.
وأكدت حبّال أن كلاً من المدرسة والأسرة يلعبان دوراً مهماً في دفع البعض لهذا السلوك، كونهم لا يجدون الصديق أو الصاحب في المدرسة، ويفتقدون من يحاورهم ويستمع إليهم في المنزل، فيلجأ الشاب لهذا السلوك الذي يعتبر ردة فعل سيئة لعملية التجاهل التي قد يعانيها داخل الأسرة أو المدرسة، وهنا ينبغي على الوالدين أن يدركا أهمية فتح قنوات للحوار مع أبنائهم لإتاحة الفرصة أمامهم للتعبير عن آلامهم وآمالهم، ومن خلال هذه الحوارات الهادئة يتم غرس قيم ومعان كثيرة منها ما يخص المجتمع ككل وضرورة الحفاظ على مظهره، لأن الفرد والأسرة جزء رئيس في المجتمع وينبغي أن يشعر بالانتماء إليه وحمايته من أي عبث أو تشويه لجمالياته.
أهمية الإعلام
وشددت الاختصاصية النفسية على ضرورة ابتعاد الوالدين عن أسلوب العقاب، كونه يكون ردة فعل سلبية وسيئة ويفرز سلوكيات غير مقبولة من الأبناء، كما نوهت أيضاً إلى أهمية الإعلام الذي صار يلعب أدواراً حيوية في حياتنا، وذلك من خلال الاهتمام بالتوجيه والتوعية ولفت النظر بأن هذه الممارسات، بالرغم من أنها تعبير عما يجول بداخل الشباب، إلا أنه لا يجب أن تكون على حساب المظهر العام والحضاري للمنشآت والمباني، وضرورة تيسير الفرصة للشباب في مراحله العمرية المختلفة للتنفيس عن أحلامهم وما يشغل أفكارهم بشكل مقبول اجتماعياً، ويسهم في بناء شخصياتهم.
مجموعة من العقوبات
في إطار حرص إمارة أبوظبي على تكريس ثقافة الاهتمام بالمرافق العامة والحفاظ على المظهر الحضاري للمباني والمنشآت بكل السبل وضعت مجموعة من العقوبات ضد كل من يقوم بالكتابة على الجدران في الإمارة وذلك من خلال تطبيق القانون رقم 34 لسنة 2005 الذي ينص الحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تتجاوز عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من هدم أو أتلف مالاً مملوكاً للغير.
وتفصيل القانون يقول بأنه تنص المادة 424/1 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لعام 1987 المعدل بالقانون رقم 34 لعام 2005 ، على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تتجاوز عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من هدم أو أتلف مالا مملوكا للغير ثابتا كان أو منقولا بأن جعله غير صالح للاستخدام أو عطله بأي طريقة.
وتصل العقوبة الى الحبس إذا نشأ عن الجريمة تعطيل مرفق عام أو منشأة ذات نفع عام أو إذا ترتب عليها جعل حياة الناس أو أمنهم أو صحتهم في خطر، وتصل العقوبة الى السجن لخمس سنوات في حال كان مرتكبو الجريمة عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل.
ويجوز للمحكمة، وفقا لنص المادة 83 من قانون العقوبات الاتحادي، أن تأمر بالحكم بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات متى رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروف ارتكابه للواقعة، ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكابها مرة أخرى. ويحق للمحكمة أن تصدر التدابير المقيدة للحرية وفقا لنص المادة 110 من قانون العقوبات الاتحادي.
ويستثني القانون الاتحادي رقم 9 لعام 1976، فئة الأحداث دون الثامنة عشرة من العمر وتخفض عقوبتهم الى نصف العقوبة المقررة للجريمة الأصلية أو يخضعون لبعض التدابير كالتوبيخ والتسليم والاختبار القضائي ومنع ارتياد أماكن معينة أو الإيداع في دار للتربية أو معهد للإصلاح.
المصدر: أبوظبي