هناك من يعتبر أن السعادة مرتبطة بامتلاك السلع والخدمات.. وبالتفاخر بالمكانة المتميزة.. باختصار، هناك من يفكرون «بعقلية مادية» حين يأتي الحديث عن السعادة.. بينما يعتبر آخرون أن السعادة يمكن تحقيقها في أشياء أخرى بسيطة لا علاقة لها بكل هذا.
فهل أنت مادي؟ هل تعتبر الحصول على أشياء فاخرة هو أفضل وسيلة لجعلك سعيداً؟
لو كانت إجابتك هي نعم، فعليك إعادة النظر في أسلوب الحياة هذا، لعدة أسباب وجيهة..

آثار جانبية
كثير من الدراسات وجدت أن العقلية المادية تتناقض مع السعادة على المدى البعيد، بسبب حدوث ظاهرة تسمى التكيف النفسي. أي أن السعادة الناتجة عن السلع والخدمات، سعادة مؤقتة ليست متجددة ولا تدوم.. لأن الإنسان يعتاد السلع ويألفها فلا تعود مؤثرة عليه. فيسعى خلف سلعة أخرى كي يحصل على جرعة ضئيلة من السعادة.. وهكذا بلا نهاية. ليجد أن عنده الكثير من السلع التي لا يستخدمها حقاًّ، بل اشتراها لمتعة الشراء في حد ذاتها!
يعاني الشخص المادي من أن سعادته خارجية. أي أنه عاجز عن إسعاد ذاته بنفسه، ويضطر للحصول على سلع وخدمات طوال الوقت لتعطيه السعادة. بمعنى آخر، لا تنبع سعادة الشخص المادي من ذاته، بل من أشياء خارج نفسه.. بينما سعادة بعض الناس داخلية، كما سنرى بعد قليل.

سبب العقلية المادية
لماذا يتمتع بعض الناس بعقلية مادية، بينما لا يفكر آخرون بهذه الطريقة؟
دراسة حديثة استنتجت أن سبب هذه النزعة المادية لدى بعض الناس، هو انخفاض الثقة في النفس وقلة تقديرها وعدم فهمها.. فيلجأ الإنسان لتشتيت نفسه، بالسعادة المؤقتة الناتجة عن الشراء، كوسيلة للهروب من مواجهة النفس ومشاكلها الداخلية. وكأن الشخص لا يشعر بقيمته كشخص، فيحاول إحاطة نفسه بأشياء ذات قيمة لإضفاء قيمة على نفسه! شراء سلعة ما، أسهل من محاولة امتلاك زمام النفس وإدراك قيمتها!
(نشرت هذه الدراسة مؤخراً في جورنال أوف ريسيرش بيرسوناليتي)

ما هو الحل؟
لو كانت العقلية المادية سيئة لهذه الدرجة، فكيف يمكن مقاومتها؟
لمعرفة الإجابة، أجرت جو-آن تسانج وزملاؤها دراسة نشرت في دورية (بيرسوناليتي آند إندفيديوال ديفرنسس) وجدت فيها أن الحل الجذري لهذا الأمر هو -ببساطة- الامتنان. أي أن يقدر الإنسان قيمة حياته وما لديه بالفعل. وهي مهارة يمكن التدرب عليها (مثلاً: اذكر عدد الأشياء الجميلة التي حدثت خلال يومك، أو النعم التي عندك وليست عند غيرك، أو الأشياء الجميلة التي في المكان الذي أنت فيه الآن...إلخ). ويمكن التدرب على هذا قبل النوم أو عند الاستيقاظ أو في أي وقت فراغ خلال اليوم، المهم أن تكون عادة منتظمة.. لكن ما علاقة هذا بالعقلية المادية؟
تقدير الإنسان قيمة ما لديه بالفعل، يزيد شعوره بأن عنده ما يحتاجه.. وبالتالي يزيد رضاه عن حياته.

أيهما أفضل؟
في إمكان شخص ما أن يكون سعيداً حين يغمض عينيه ويبتسم، وهو يتذكر موقفاً جميلاً حدث له مع أسرته وأصدقائه. بينما هناك شخص آخر، عاجز عن السعادة ما لم ينفق الكثير من المال للحصول على سلعة قد لا تستحق فعلياًّ كل هذا المبلغ، كي يحصل على نفس القدر من السعادة.
فأي الشخصين أكثر سعادة في حياته؟