إن دقّت ساعة التنبيه إيذاناً ببدء يوم عمل جديد، فأغلقت الهاتف وجذبت الغطاء وتلحّفت به وتلذذت بسويعات إضافية من النوم، فإن هذه السويعات ستعقبها ساعات من التفكير في مصير هذا اليوم الذي تغيّبت فيه عن العمل: ماذا سيقول مديرك؟ ماذا ستقول لشؤون الموظفين؟ هل سيخصم راتبك؟ هل سيؤثر الغياب في ترقيتك؟ الحل الوحيد المتوافر للتخلّص من كل هذه الأسئلة المزعجة هو زيارة طبيب والحصول على إجازة مرضية.. وستتقلّب على الفراش ساعة كاملة، تحاول تذكّر طبيب تعرفه، أو صديق طبيب، أو عامل في مستشفى، لكنك لن تتذكّر أحدا إلا مديرك، وتتخيّله وهو يقرص أذنك أمام بقية الموظفين.
زر طبيباً عاماً
وأنت تعرف أن الأطباء خبراء في معرفة المرضى من المتمارضين، كما يعرف الفاحص منذ اللحظة الأولى لجلوس المتقدم للحصول على رخصة قيادة خلف مقود السيارة، إن كان سيُكتب له النجاح، أم أنه سيعود إلى بيته سيراً على الأقدام. إن كنت لا تفقه أبجديات التعامل مع الأطباء وكيفية انتزاع الإجازة المرضية منهم، فإليك هذه النصائح التمثيلية الثمينة. وإن كنت تنافس أبطال «هوليوود» في التمثيل، فأرجو أن توافيني بتقنيات التمثيل التمارضية لتعمّ الفائدة على الجميع. في البداية احرص أن يكون الطبيب الذي سيكشف عليك طبيباً عاماً لا يفرّق بين الإبرة وسيخ الكباب، ولا يعرف موقع المعدة في الجسم، ولا يعرف أعراض الأمراض. واحرص أن تدخل عليه وأنت حاسر، وللموظفات، فإن عليهن الدخول غير متبرجات بزينة، فلا يمكن أن تنطلي الحيلة على الطبيب وأنت تجلس أمامه مرتدياً غترة نظيفة وتضع على رأسك عقالاً يلمع. واحرص أيضاً أن تترك هاتفك المتحرك في السيارة، فالمريض الذي يرنّ هاتفه في جيبه هو مريض «دلوع» ولا يستحق إجازة، ولا يمكن أن يصدق الطبيب أن المريض يعاني وجعاً في رأسه وهو منهمك في الردّ على الرسائل.
اجعل بشرتك أكثر شحوباً
ومن المهم ألا ترطّب شفاهك قبل الدخول، فالشفاه اليابسة والمتشققة تعطي الانطباع بمرض صاحبها. وإذا كنت ترتدي نظارة فاخلعها، لأنك بشكل طبيعي ستشعر بدوار خفيف و»زغللة» في العين.
اصطحب شخص معك
وإذا تمكّنت من اصطحاب شخص معك، فهو خير وبركة ودليل على عدم قدرتك الوصول إلى المستشفى بمفردك، كما أن شريكك في الجريمة سيُبدد الشكوك من حولك، فإذا خطر ببال الطبيب أنك تتمارض، فإنه سيخطر بباله أيضاً: إن كان يتمارض حقاً، فلم اصطحب شخصاً معه؟ واحرص على طرق باب الغرفة، لأن هذا يعطي الانطباع بأنك إنسان محترم ولست مجرد ممثل.
كيفية التظاهر بالمرض؟
احرص على إلقاء السلام بصوت خفيض، وحاول أن تجلس إلى الكرسي غير المخصص للمرضى، لأنه دليل على اضطراب عقلك بسبب الآلام. بالطبع لا يمكن الجلوس إلى الكرسي كما يجلس الرجل المعتاد، بل حاول أن تؤدي مشهداً من مشاهد شارلي شابلن وهو يوشك على الوقوع من الكرسي.
وإذا واتتك الجرأة للخلط بين الطبيب والممرضة، فلا تتردد في فعل ذلك، فصافحها بحرارة واطلب منه أن يناولك ورق محارم. وحين يسألك عن شكواك، قطّب حاجبيك واعصر نفسك وتكلم بجمل قصيرة، وإذا انقطع نفسك بين الجملة والأخرى، فتأكد من أنك استطعت خداعه بنسبة 50 بالمئة، لكن لا تنس أن تترك فمك مفتوحاً وشفتك السفلى متدلية مثل البعير، ولو استطعت أن تضفي قطرات من الزبد على أطراف فمك، فأنت «كده» كما يقولون. لكن ماذا تقول؟ هذه أخطر وأصعب مرحلة، لأن كل شيء سيتوقف على ما تقوله الآن، خصوصاً أن الكشف المبدئي سيظهر أن صحتك مثل صحة الحصان الفائز في مسابقات الخيول: حرارتك طبيعية، وضغط دمك طبيعي، والحل هو أن تدعي ادعاءات لا يمكن التحقق من صحتها، كأن تدعي وجود تلبّك في معدتك، أو صداعاً في رأسك، وإن أخطأت وخلطت بينهما، فلا تحزن، لأنه طبيب عام كما قلت لك.
اختر مرضاً لتتظاهر به والتزم به
فإذا اخترت التلبّك، فلا تنس أن تردف قائلاً وأنت تهز رأسك: أكلت البارحة في مطعم، وإذا اخترت الصداع، فقل: لم أستطع النوم ليلة البارحة. ومن الطبيعي أنه سيسألك عن التقيؤ وعن النشاط في الحمّام وعن بقية القاذورات، فاحرص أن تجيبه بلا شيء، وهذا يعني أن السموم لا تزال تفتك بجسدك ولم تخرج بعد.
اشتكِ من أعراض وهمية
واحرص أن تقترب من وجه الطبيب وتكحّ في أثناء ذلك أو تعطس أو تفعل أي شيء يحرك مشاعر الخوف من انتقال العدوى في نفس الطبيب، أو مشاعر القرف منك، خصوصاً أنك لن تفرش أسنانك قبل إتمام المهمة، فيضطر إلى التخلّص منك وعدم الخوض كثيراً في مسألة مرضك. وإذا خيّرك بين الحقنة أو الأدوية، فاختر الحقنة، لأنها تعطي الانطباع بأنك ستأخذها حالاً وأنك مريض فعلاً. بالطبع أنت لن تأخذ الإبرة وستخرج من عند الطبيب إلى سيارتك مباشرة، إلا إذا كان الطبيب لعيناً وطلب منك أخذ الإبرة ثم العودة إليه من جديد.
وبعد أن «يشخبط» الطبيب على بعض الأوراق ويسلّمها لك، قم من مكانك بصعوبة واتكأ على الخزانة أو السرير، ثم استدر وأنت تشكره، وقبل الوصول إلى الباب بخطوة واحدة، توقف وضع يدك على جبهتك واطلب منه وأنت تتعصّر إجازة مرضية، لأن هذا سيعني أن الإجازة لم تكن من أولوياتك، بدليل أنك تذكرتها في اللحظة الأخيرة، وأقطع يدي إذا لم يسألك الطبيب حينها: تريدها يوم أو يومين؟ بالطبع ستختار يوما واحدا، وتقول: المشكلة أنني لا أستطيع التغيّب عن العمل كثيراً. ولكي يحصل هذا المقال على إجازة النشر، فلا بد أن أوضّح بأنني لا أدعو إلى احتيال الموظف على رئيسه وتلاعبه بأوقات الدوام، لكن إذا كان الرئيس فضّاً أو متعسّفاً أو لا يرى إلا الجزء الفارغ من كوب الموظف، فيغسل شراعه ويخصم راتبه بسبب غياب يوم واحد بلا عذر رغم انضباطه خلال فترة طويلة، فليس أمام الموظف إلا اللجوء إلى الطبيب. كما أنني أخلي مسؤوليتي تماماً من أي تمارض يحدث بسبب هذا المقال، فيجد الموظف نفسه في غرفة العمليات، أو محمولاً في النعش. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae