شجرة السمر·· صديقة الحطّاب
علاقة الإنسان بالتحطيب والخشب علاقة موغلة في القدم، ولم ينفك من العمل في مهنة الحطابة حتى يومنا هذا ولكن بسبب الكوارث التي تتعرض لها البيئة وكوكب الأرض، تم التضييق على الحرفيين والأشخاص الذين يعملون في مهنة التحطيب ومن ينحتون الأوعية من الخشب، ولكن هم مختلفون عمن يستهلك مئات الأطنان من الخشب لغرض التصنيع على مستوى العالم·
رغم التطور والتقنيات المتطورة لا يزال البشر يتزودون بالحطب والفحم، وهناك الكثير من الأشجار التي تعتبر صديقة للحطاب، ولكن في الإمارات رغم توفر أنواع مختلفة من الأشجار تستخدم للحصول على الحطب من أغصانها وجذوعها لعمليات الطهي والدفء وصنع ''السخام'' الفحم، إلا أن السمرة هي المفضلة·
شجرة السمر هي الصديقة منذ الأزل للحطاب الإماراتي وحتى للإنسان العادي الراغب في الحصول على الحطب أو الفحم، وربما لمعظم من يحتطب في دول الخليج، إلا أن هؤلاء الحطابين قد بدؤوا في التقليل من الاحتطاب من أشجار السمر حفاظاً عليها من أجل عدم الإخلال بالنظام البيئي، بل إن بعضهم ترك الحرفة تجاوبا من النداءات وأصبح فأسه صدئا، بل أصبح هو ذاته أكثر محبة لشجرة السمر·
لا يوجد إنسان يمكن أن يصف لنا طبيعة هذه العلاقة إلا ذلك الذي عاش طفولته وشبابه قرب أشجار السمر، يتصبح على جذعها وأغصانها ومن بين وريقاتها المتشابكة يطل الخير والصبر والأمل في الغد، وقد التقينا سعيد المزروعي الذي قضى طفولته وشبابه يتنقل من سمرة إلى سمرة، إلى جانب حرفة الزراعة في ''ضاحية'' مزرعة صغيرة يجني منها لأسرته وأقاربه والجيران الليمون والمانجا والتمور، إلى جانب الخضروات الموسمية·
قال سعيد إن أشجار السمر عبارة عن مظلة من الشوك، ورغم ذلك فهي غذاء للإبل والنحل، لها أزهار صغيرة تتساقط فتكون غذاء للمواشي أيضاً، وهي من خلال تشابك وريقاتها مع أشواكها والأغصان تعتبر مظلة مناسبة جدا للحيوانات في أيام الصيف شديدة الحرارة، ونحن في الإمارات نعتبر أن أفضل الأطعمة تلك التي تم طهيها على حطب السمر، وألذ الحليب والقهوة والشاي هو الذي تم صنعه على جمرات من فحم السمر، وأشجار السمر تنتج الحطب طويل الاحتراق ومنخفض الدخان·
يرى سعيد أن أشجار السمر واهبة الدفء والوقود وأن أجود العسل هو عسل السمر، الذي ينتج عن ذلك النحل الذي يتغذى من رحيق زهور السمر، حيث يبلغ سعر العبوة المكونة من كيلو واحد من عسل السمر آلاف الدراهم، ولكن هذا الصنف من العسل لا يشترى كي يوضع على مائدة الإفطار كل يوم، ولكن للتداوي من الأمراض، ولذلك يشترى ويحرص عليه كذخر عند الحاجة·
بالنسبة لقطع خشب السمر فإن كمية حمولة بيك آب تبلغ مابين 350إلى 500 درهم، وتنتج الشجرة الواحدة بعد أن يبلغ عمرها أسبوعين إلى شهر مايزيد على 400 كيلوجرام من الخشب، ويباع لأصحاب القصور والبيوت الكبيرة التي تقوم بطهي كميات كبيرة من الطعام بسبب تواجد الضيوف بشكل يومي، ومن أجل إطعام الزوار والغرباء والفقراء·
أغلب أهل الإمارات يحرصون على الحصول على حطب السمر وفحم السمر، للطهي في البيوت وخلال الرحلات، فهو يوفر عليهم استهلاك الغاز، ويشتري المواطن الإماراتي 3 حزم من حطب السمر بعشرة دراهم في أسواق المدينة، بينما يتراوح سعر الحزمة الواحدة في الأسواق التي تقع في المناطق الأخرى مثل المحلات على الطرق الخارجية، مابين درهمين ونصف الدرهم وثلاثة دراهم، وقبل عام واحد كان سعر حزمة الحطب من شجر السمر لا يزيد على الدرهمين، وتحتوي الحزمة على مجموعة من القطع مختلفة الأحجام تتناسب والتنور أو موقد الطهي والشواء·
بينما يكون السخام، وهو اللفظة العامية للفحم، أحجام مختلفة مناسبة لعملية إعداد القهوة والشاي وصنع الخبز، ويبلغ سعر الكيس الذي يحتوي على خمسة كيلوجرامات من الفحم 10 دراهم، وكان السعر السابق خمسة دراهم ثم ارتفع إلى ثمانية دراهم قبل نهاية عام ·2008
يرى سعيد المزروعي أن مشاعر أهل الجبل والوديان مرتبطة عاطفياً بشجرة السمر، فهي مصدر للعلف لمواشيهم من الماعز وللإبل، ولحليب المواشي التي تتغذى على أشجار السمر ولها مذاق وخواص ذات جودة عالية، وهي لا تحتاج إلى من يقوم على رعايتها وسقيها، حيث حباها الله بنظام يغنيها عن ذلك، كما لا يتم تسميد الأرض التي تنبت فيها، لأنها شجرة تنبت عن طريق التلقيح بتطاير حبوب اللقاح بالهواء أو ينتقل عن طريق النحل والحشرات التي تحط على الشجرة ثم تنتقل لمكان آخر·
أيضا تستخدم أخشاب شجرة السمر في صنع مقابض السكاكين ومقابض الفؤوس، وفي الزمن السالف كان يتم نحت الخشب لإنتاج الأوعية والأواني المنزلية، كما كانت تستخدم أغصانها وأخشابها لبناء الأكواخ، ولكن تجاوب أغلب المواطنين مع النداءات التي تحث على عدم قطع الأشجار والحفاظ عليها، خاصة الأشجار المعمرة مثل السمر، أدى إلى التقليل من القطع الجائر لها·
اليوم هناك من يحتطب بدلا عن سعيد وأمثاله ولكن تحت أعينهم التي ترقب بحذر حتى لا يكون هناك قطع جائر لهذه الشجرة، ورغم أن سعيد كان يعشق مهنته إلا أنه لم يعد يمارسها، وبقي صديقا مقربا لأشجار السمر، وتبقى شجرة السمر بالنسبة لسكان الجبال والوديان الأم الشائكة التي تقدم الخير دون أن تأخذ المقابل
المصدر: دبي