أحمد السعداوي (أبوظبي)

حمد عبدالله راشد الزيدي، يبلغ من العمر (35 عاماً)، هو من عشاق هواية تسلق الجبال داخل الإمارات وخارجها.. بدأها مع جبل حفيت بمدينة العين، في تجربة ممتعة ومثيرة، حيث اكتسب خلالها مهارات وخبرات استثنائية دفعته لمواصلة تسلق الجبال بشكل مستمر، حتى صارت هذه الهواية نهجاً أساسياً في حياته، فكلما انتهى من تحدٍّ انتقل إلى تحدٍّ وإنجاز آخر بهدف الوصول إلى قمم جبلية أعلى والوصول لمستوى أبعد، حيث إن هذه الهواية تكسب الجسم فوائد صحية ونفسية، إضافة إلى إمكانية تطويعها لتوصيل رسائل بناءة وأفكار إيجابية، وهو ما فعله مؤخراً بوصوله إلى قمة جبل كلمنجارو الأكثر ارتفاعاً في أفريقيا، والذي يقع شمال شرق تنزانيا، ليرفع اسم دولته الحبيبة عالياً، مؤكداً على معاني الولاء والانتماء لدولة الإمارات، ورفع رايتها خفاقة في كل أرجاء العالم.

تجربة فارقة
يورد الزيدي، أن صعوده الأول لجبل حفيت، كان وراءه دافع شخصي لعمل شيء جديد ومثير في حياته، غير أنها كانت تجربة فارقة حيث حمل صعوده لأعلى الجبل مشياً على الأقدام شعوراً مختلفاً عن صعوده بالسيارة مثلما فعلها عشرات المرات من قبل، حين كان يذهب إلى قمة جبل حفيت بالسيارة سواء بمفرده أو مع أصدقائه، لافتاً إلى أن كثيراً من الأماكن التي طالعها عبر رحلة المشي لم يكن ممكناً رؤيتها والاستمتاع بمناظرها من خلال قيادة السيارة، وبالتالي أخذ شغف المشي على الجبال يتشكل لديه ويدفعه لتكرار هذه التجربة في أماكن أخرى.
وتابع الزيدي: عقب هذه التجربة المدهشة، أخذت أبحث عبر الوسائل المختلفة سواء عبر التواصل الاجتماعي أو الصحف الورقية أو حتى البرامج التلفزيونية، عن القمم الجبلية التي يسعى لتسلقها المغامرون، فاكتشفت العديد من المغامرات والرحلات الجبلية في بيئات الإمارات، منها صعودي لجبل جيس في إمارة رأس الخيمة لأكثر من مرة، وكذلك تكرار صعود جبل حفيت لأكثر من مرة، خاصة وأن هذه المنطقة تتمتع بطقس معتدل أغلب فترات العام.
المرحلة اللاحقة، كانت المشاركة مع مجموعات شبابية في الإمارات تحب تسلق الجبال، حيث تتميز هذه الرحلات الجماعية بأجواء أفضل كثيراً من الصعود منفرداً، حيث نشعر بالمتعة أكثر حيث نتبادل الخبرة ونستكمل الأدوار فيما بيننا حتى تنتهى رحلتنا بسلام وبأقصى قدر من المغامرة الآمنة والذكريات الجميلة، وخاصة أن صعود الجبال في الأصل هواية جماعية أكثر منها فردية، لأنك تمضي مع آخرين ذوي تجارب محلية أو عالمية، وأثناء المشي كل منهم يتحدث عن تجاربه وخبراته فضلاً عن تكوين صداقات متينة فيما بيننا، نخرج من خلالها عن إطار روتين الحياة اليومية داخل المدينة.

ولاء وانتماء
ويبين المغامر الإماراتي الزيدي، أنه سعى إلى تطوير نفسه في هذا المجال عبر القراءة والتعرف إلى عالم تسلق الجبال، حيث بدأ يتعرف إلى أدوات بسيطة تستخدم في هذه الهواية، مثل أنواع الملابس ومستلزمات الصعود، وتدريجياً بدأ يكتشف الكيفية المثلى لجمع هذه الأدوات، والتي شجعته على الصعود لمسافات أكثر صعوبة على مستوى الخليج، وبعد ذلك سافر متسلقاً بعض جبال أوروبا، ثم سافر إلى فيتنام لممارسة هواية الهايكينج، حيث كانت تجربة مختلفة، خاصة عندما شارك بعض زملائه في صعود الجبال مدة 4 أيام في هذه الأجواء المغايرة.


وذكر أنه بحكم المشي تتعرض بعض الأجزاء من الجسم للضعف، فذات مرة أصيب بآلام في الركبة وبعد المراجعة مع طبيب العظام وجد بعض الأجزاء ضعيفة في الركبة، نتيجة ممارسة رياضة الهايكينج، وبعد خضوعه للعلاج الطبيعي مدة 15 يوماً تحسنت حالته بشكل كبير، فعاد أدراجه لممارسة هذه الهواية إلى الآن، ولكن بطريقة أكثر احترافية ولياقة بدنية وحالة صحية أفضل.
وبدأ الزيدي في نقل تجربته للآخرين حتى يستفيدوا منها على مستوى اللياقة والصحة، ثم فكّر في عمل إنجاز جديد يهديه لدولته الحبيبة ويعبر به عن روح الولاء والانتماء التي يتحلى بها أبناء الإمارات في كل المجالات، فالتحق بمجموعة من المغامرين من داخل الإمارات يعملون دوماً على ارتقاء أعلى قمم الجبال. ووقع الاختيار على تسلق قمة جبل كلمنجارو، الذي يعتبر أعلى جبال أفريقيا بارتفاع 22 ألف قدم عن سطح البحر، كما أنه من أشهر المعالم السياحية في تنزانيا، وتقصده سنوياً أعداد كبيرة لصعود قمته في رحلات مثيرة تشمل العديد من المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية التي تزين الجبل وتزيد من درجة الاهتمام به باعتباره رابع أعلى جبل في العالم.

التخطيط للرحلة
ويؤكد: قبل الانطلاق لإنجاز هذه المغامرة، كانت هناك لقاءات مع المجموعة المصاحبة للتخطيط للرحلة والتنسيق فيما بيننا، ووضعت ضمن أهدافي من الرحلة رفع علم بلادي في هذه البقعة المعروفة من العالم، موجهاً من خلال ذلك رسالة شكر وولاء لوطننا الحبيب الذي نعتبر رايته تاجاً يزين رؤوسنا ونزهو به أينما ذهبنا، وبالفعل حققت هذا الإنجاز حين وصلت بصحبة 5 فقط من 12 شخصاً إلى أعلى نقطة في جبل كلمنجارو، رغم أن الكثيرين من المشاركين يتمتعون بلياقة بدنية عالية، غير أن الهواية تتطلب أموراً أخرى أهمها الجانب النفسي وتحقيق الهدف والإرادة في الوصول إلى هذه القمة والتغلب على الصعوبات والأعراض الصحية التي تصيب الأفراد خلال المغامرة، ومنها الدوار، واحمرار العين.
وأوضح الزيدي، أن الرحلة استغرقت 6 أيام تضمنت الصعود والهبوط من الجبل، ما تطلب مجهوداً جباراً لضرورة التأقلم على المناخ في هذه الأجواء المرتفعة، والتي تحتاج إلى الصبر والقدرة على التحدي، مع الركون للراحة بين فترة وأخرى، حتى نعود سالمين.

تكرار الإنجاز
وقال الزيدي إن هذا الإنجاز تحقق في بداية ديسمبر الجاري بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطني، وأسعى لتكرار هذه التجربة سنوياً خلال الأعوام المقبلة، في نفس التوقيت، حيث قررت محاولة تحقيق إنجاز ما مع نهاية كل عام، وإهدائه لدولتنا الحبيبة التي أعطت الكثير سواء للمواطنين أو الوافدين الذين يشاركوننا في مسيرة بنائها ونهضتها.

مشقة وصبر
قال المغامر الإماراتي، حمد عبدالله راشد الزيدي، إن الرحلة بدأت في 1 ديسمبر الجاري على عدة مراحل، الأولى لمدة 5 ساعات صعدنا خلالها 2720 متراً، وفي اليوم الثاني صعدنا لمدة 8 ساعات حتى ارتفاع 3720 متراً، واليوم الثالث 8 ساعات حيث وصلنا لارتفاع 4700 متر، أما المرحلة الأخيرة فكانت الصعود لارتفاع 5985 متراً، وبلغنا أعلى القمة، وذلك في 13 ساعة، وكان الوضع مأساوياً لدرجة كبيرة حيث وصلت درجة الحرارة 20 تحت الصفر مع الأمطار والرياح الثلجية، وبعض الأحيان كدنا نصل لدرجة التجمد، وكان كل تفكيرنا خلال هذا الموقف الصعب أن نركز فقط في الوصول سالمين إلى أسفل الجبل، حيث إن سعادتنا بتحقيق هذا الإنجاز، ساعدت في التغلب على هذه المشاق وجعلتنا ننسى ما فيه من موقف عصيب.