اتجهت بريطانيا كغيرها من بقية البلدان ناحية الشرق في محاولة للاستفادة من الفرص التجارية التي توفرها الصين. وأرسلت بريطانيا مع رئيس وزرائها في بداية الشهر الحالي 50 من رجال الأعمال كأكبر وفد تجاري للصين. وأعلنت الحكومة البريطانية عن إبرام صفقات عدة تمخضت عن هذه الرحلة التي تضمنت عقداً لـ”رولز رويس” بقيمة 1,2 مليار دولار يتم بموجبه توفير محركات طائرات لخطوط الشرق الصينية. وتأمل بريطانيا مضاعفة حجمها التجاري مع الصين خلال السنوات الخمس المقبلة والبدء في سد الفجوة الكبيرة بين الصادرات والواردات التي تبلغ في الوقت الحالي نحو 19 مليار جنيه إسترليني في السنة. ويرى بعض المراقبين أن زيارة رئيس الوزراء للصين مثلها مثل الزيارة التي سبقتها للهند، تعكس مدى الإصلاح الذي طال السياسة الخارجية التي باتت المصالح التجارية من أهم أولياتها. ولم يكن استغلال الدبلوماسية لخدمة التجارة بالشيء الجديد، وأن الفكرة القائلة إن التجارة من الشؤون الثانوية التي تشغل تفكير السياسيين، فكرة لا تخلو من السذاجة. بل دأب المسؤولون على الحديث بكل فخر عن إنجازاتهم في القطاع التجاري. وتختلف الحكومة البريطانية الحالية عن سابقتها في شيئين: الأول في الحجم والتعاون التجاري، حيث يتهمها البعض في ذلك بمحاكاة جارتها الفرنسية التي تروج لمنتجاتها المحلية، حيث نتج عن ذلك عقد صفقة مع الصين بنحو 20 مليار دولار بداية هذا العام، والثاني هو أن الإعلان عن المنتجات البريطانية في الخارج اتخذ منهجاً جديداً في أيام التقشف الحالية. وأصبح لزاماً على الشركات البريطانية في ظل الضغوط التي يعانيها المستهلك نتيجة الديون الثقيلة، وتدني أسعار العقارات، ونسبة الخفض الكبيرة المتوقعة في الإنفاق العام، أن تبحث عن بلدان أخرى لطلب منتجاتها. وتأمل الحكومة البريطانية في أن تنجح الإصلاحات التي أُدخلت على قطاع المبيعات في إقناع المؤسسات والمستهلكين الأجانب في شراء الصادرات البريطانية المنتعشة، ولكن هناك عدداً من المشاكل التي تصاحب ذلك بالرغم من أن فكرة النمو الذي تدعمه الصادرات، متوافرة في دول أخرى مثل أميركا وألمانيا. ولربما الأهم هو أن بريطانيا لا تقوم بصناعة المنتجات التي ترغب فيها اقتصادات الدول النامية. ونجد أن ألمانيا المتخصصة في صناعة الآليات والمواد الصناعية التي ترغب فيها الصين، باعت منتجات للصين بنحو 55,8 مليار دولار في العام 2008، لتتضاءل معها المبيعات البريطانية بنحو 9,5 مليار دولار. ومثلها فرنسا بنحو 15,6 مليار دولار، وإيطاليا 11,6 مليار دولار. وبينما تتخصص بريطانيا في الخدمات أكثر منها في صناعات الحديد، يضيف النمو في البلدان النامية مثل الصين والهند عشرات الملايين من الناس الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى التي تميل للاستهلاك في التعليم الجيد وتجارة التجزئة الراقية اللذين تجيدهما بريطانيا. وتملك بريطانيا سلسلة “تيسكو” ثالث أكبر مركز تجاري في العالم الذي من المتوقع أن تتجاوز فروعه 100 فرع في الصين. كما يرتاد أبناء الهنود الجامعات البريطانية أكثر من الأميركية، بالإضافة إلى أن وجود أبناء وبنات رجال الأعمال الصينيين والهنود يشكل نسبة كبيرة في المدارس المستقلة البريطانية ذات السمعة الكبيرة. وبالرغم من أن الكثير من رجال الأعمال تحمسوا لما أبداه رئيس الوزراء من دعم للقطاع التجاري، إلا أن البعض يرى في ذلك تراجعاً عن الدور الأخلاقي الذي ينبغي أن تتبناه بريطانيا. ولم يستطع رئيس الوزراء الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بطريقة مباشرة، بل ألمح إلى ذلك في أنهما من أنجع الحلول لتحقيق رفاهية الشعب واستقراره. وتعني رغبة الصين الكبيرة في الدعاية للمنتجات البريطانية حول العالم، أن على رئيس الوزراء البريطاني التعود على اتخاذ الحيطة والحذر في تناول القضايا الصينية. نقلاً عن: «فاينانشيال تايمز» ترجمة: حسونة الطيب