من أسعد اللحظات التي تعيشها أي أسرة لحظة قدوم مولود جديد، ويبدأ التفكير في تسمية هذا المولود أو المولودة وتبدأ المناقشات والحوارات والمشاورات والخلافات أحياناً بين كافة أفراد العائلة، فلكل منهم رغبته الخاصة في التسمية والاختيار، ويبقى القرار الأخير بعيداً عن إدراك هذا الصغير.إن التسمية الحسنة حق بسيط من حقوق الأبناء التي أوجبها الإسلام على الأبوين، ومن الواجب أن نختار لهم اسماً حسناً ينادون به ويعرفون به ويتميّزون به عن بقية الناس. من كرامة الطفل واحترامه أن يحمل اسماً ذا معنى، يتكيف معه منذ صغره ويعشقه، ويصبح جزءاً من حياته، إلا أن ذلك لا يمنع الكثيرين من أن يطلقوا على أطفالهم «أسماء دلع» تعبر عن حب الوالدين، وتنتقل من نطاق الأسرة الضيق إلى الشارع، وإلى المدرسة وإلى المجتمع الأوسع، وبمرور الطفل بالمراحل العمرية المختلفة، يكبر معه اسم الدلع، حيث يدخل معه الجامعة بل وحياته الزوجية، ومكان عمله، وغالباً ما يلتصق به طيلة حياته في أكثر الأحوال، بل نجد أن الاسم الحقيقي يختفي ويبدأ في التلاشي، ولا يعرفه الكثيرون، ولا يستخدم إلا في الأوراق الرسمية فقط، ويصبح اسم الدلع هوية للشخص في حياته ملازماً له أينما كان وفي أي وقت. أسماء وتسميات وبإطلاق اسم الدلع نجد أن الأسماء الرصينة تستُبدل بتسميات أخرى، فمحمد ينادونه «حمودي»، أو «حمادة»، وفاطمة ينادونها «فطوم» أو «بطة»، وعبد الله بـ«عبودي»، وزينب يسمونها«زيزي»، وخديجة ينادونها «ديدي»، وأحمد يلصقون به لقب «ميدو»، وشاكر يقولون له «شوشو»، وحاتم بـ «حتومي»، ويصبح «سمسم» أو سماسم، وهكذا، حتى الزوج إن أراد أن يدلل زوجته ويسرها، عليه أن يختار لقباً آخر يثبت لها به محبته لها، ومن الطبيعي أن تبادله هي كذلك إمعناً في الدلال والغنج والرضا، والغريب أن هذه الظاهرة لا تقتصر على مجتمعاتنا العربية، بل إننا نجد في الغرب من يطلقون على من اسمه روبرت «بوب»، و«جاك» على من اسمه جون، وعلى ريتشارد «ديك»، و«بات» على من اسمها باتريسا. والشراكسة أيضاً اعتادوا أن يحوروا أسماءهم على طريقتهم الخاصة على سبيل الدلع، حيث يقولون لعثمان «وسمن»، ولمحمد «حمود»، ولرشيد «رشدو»، ولعز الدين «عزو»، ولعدنان «عدون»، ولصافيناز «صافي» ولشويكار «شوكي» ولعاصم «عصوم» و«مجيد» لعبد المجيد، وغير ذلك. انعكاسات نفسية تقول أحلام الجمالي، خبيرة العلاقات الإنسانية:«هناك كثير من التأثيرات النفسية يتأثر بها الذكور أكثر من الإناث، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية، التي تعطي دوراً رجولياً للطفل في وقت مبكر وتحمله مسؤوليات منذ طفولته، الأمر الذي يجعل أسماء الدلع للولد أقل قبولاً من الآخرين لأنها تقلل من هيبته أمام أقرانه. فللاسم انعكاس نفسي على من يحمله، فإذا كانت الأسماء مائعة ليّنة، انعكست بشكل تلقائي على سلوك الطفل، كونها تشعره بالدلال، والأمر الأكثر خطورة هو أن يركن الطفل ويرتاح لهذا الاسم حتى عند بلوغه، كونه يوفر له الحب والحنان والعاطفة التي تضعف مع الزمن، فيبقى الطفل حبيس مرحلة عمرية طفولية من المفترض أن يكون قد عبرها منذ زمن، إلا أن اسم الدلع يظهر بين حين وآخر ليشده إلى الوراء، إلى رغبته بالبقاء طفلاً إلى الأبد». رواسب وتضيف الجمالي: «على الرغم من أن النية الحسنة هي ما كان يفترضها الأهل عند إطلاق اسم الدلع على الطفل، إلا أن آثاراً نفسية واجتماعية من شأنها أن تترسب مع مناداة الطفل بهذه الأسماء كلما تقدم في العمر، فالأهل يريدون أن يعبروا عن حبهم وعاطفتهم تجاه الطفل، وتسهيل الاسم عليه لينطقه بشكل ألطف، إلا أن بعض أسماء دلع الذكور تتقارب مع أسماء الإناث، مما يثير سخرية أقران الطفل منه، على أنه أنثى، ويعبّرون له عن رفضهم انضمامه لهم، حينها عليه أن يبحث عن البديل، وقد يكون البديل نمذجته لسلوكيات أنثوية تلقائياً بمجرد إطلاق ذلك الاسم الأنثوي عليه». «تعتبر العزلة والانطواء والبعد عن التواصل الاجتماعي مع الآخرين من أهم انعكاسات أسماء الدلال على الطفل، فعلى الرغم من أن الطفل لم يكن مدركاً لدلالات اسمه وانعكاساتها في السنوات الخمس الأولى من العمر، إلا أن هذه الدلالات ما تلبث أن تظهر بمجرد دخول الطفل المدرسة، ويبدأ يناديه الأستاذ باسم مختلف عن الاسم الذي طالما ناداه به والداه، فتبدأ عملية الصراع بين الاسم الذي يحبه وبين اسمه الحقيقي، فإما أن يتحمل استهزاء أقرانه من اسم الدلع الذي يسعى للحفاظ عليه، كونه يعتبر حفاظاً على مكانته الاجتماعية في الأسرة، وقربه من والده، أو أنه يقاوم اسم الدلال، ويبدأ بالتكيف مع اسمه الواقعي مضحياً ببعض الخسارات التي تترتب على ذلك، من حب عاطفي وانفعالي يقدمه له الوالدان كوجبات دسمة مرافقة لاسمه». صفة حسنة الشريعة الغراء تحثنا على أن يحمل الاسم صفةً حسنة، ومعنىً محموداً يدل على الرّفعة والطّهر، ويبعث في النّفس راحة وفي القلب طمأنينة ويشعر معه صاحبه بالعزة والفخار والاحترام لذاته، ويبعده عن سخرية الناس واستهزائهم، وكل ما يولد في نفس صاحبه مرارة، وجرحاً غائراً، وقد يدفعه ذلك إلى الخجل الشديد، وعدم القدرة على مواجهة المجتمع، وقد يدفعه أيضاً إلى كراهية الناس والابتعاد عنهم، وقد يسبب له أمراضاً نفسية لا تشفى كالانطواء والكآبة المزمنة إلى آخر القائمة المعروفة!.