عبادة الله
من الشائع أنه إذا أطلق لفظ “العبادة” انصرفت بعض الأذهان إلى تصور الصلاة والصيام والزكاة والحج فقط، وقد تلحق بها الصدقات والأذكار وبعض أعمال البر، والحقيقة أن العبادة بالمنطق الإسلامي لها مدلول أشمل وأعم يرتبط بسلوك الإنسان عامة، فمفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع يتجاوز صور العبادات ليشمل حتى الأعمال العادية إن أحسن النية فيها.
إن العبادة تتسع الحياة كلها، وتنتظم أمورها قاطبة من الآداب إلى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالعبادة من عبد أي خضع وأطاع والطاعة هي اتباع الأوامر، فتكون عبادة الله هي الخضوع له وطاعة أوامره وترك نواهيه، والأمر والترك ليسا منحصرين في الصلاة الصيام والزكاة والحج ولكنهما متعلقان بسلوك الإنسان في كل ميدان من ميادين الحياة الفردية والاجتماعية، وهذا المعنى للشمول يقتضي أنه كما تكون الصلاة عبادة باعتبارها خضوعاً لأمر الله فإن الصدق عبادة لأن الله يأمر به. فكل عمل نافع يعده الإسلام عبادة، فليست الصلاة أوالصيام أو الذكر أعمالا وحدها تستوجب بها الأجر عند الله بل يجعل الإسلام الأعمال الدنيوية التي يقوم بها الإنسان لحياته والسعي على نفسه وأهله من أبواب العبادات.
والمفهوم الشمولي للعبادة في الإسلام تحدد في قوله سبحان وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وفي قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ)، والشمول بهذا المعنى يهدف إلى ربط الإنسان في كل نشاطاته بالله تعالى ويجعل كل جهده في كل مجالات الحياة عبادة.
وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على غرس هذا المفهوم في أذهان الصحابة رضي الله عنهم منذ حلوله بالمدينة، مبيناً أن العبادة يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع بناء المجتمع وعمارة الأرض، فكانت عنايته صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد متساوية مع بناء الأسواق، فهذه للدنيا وتلك للدين، ولم يشعر المسلمون يوماً أن هناك تعارضاً بين دينهم ودنياهم وهم يتلون قوله تعالى: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً).
فاتساع مفهوم العبادة يهدف إلى توجيه الناس إلى أعمال الخير والبر لكي يسعد الناس بمساعدة بعضهم بعضاً، ولو كانت العبادة بالمفهوم الشعائري هي الطريق الوحيد لتحصيل الثواب لضاعت الحقوق، وقعد الناس عن العمل وعن فعل الخير.
وقد تكون عبادة العمل أشرف عند الله وأعظم ثواباً من عبادة الصلاة، فعن أبي قلابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرافق بين أصحابه رفقاء، فجاءت رفقة يهرفون برجل يقولون: ما رأينا مثل فلان، إن نزلنا فصلاة، وإن ركبنا فقراءة، ولا يفطر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يرحل له؟ ومن كان يعمل له؟”، وذكر سفيان أشياء فقالوا: نحن، فقال: “كلكم خير منه”.