الهدية ما هي إلا لغة محبة وتواصل تحمل معاني الحب والشكر، تكسر الروتين وتوفر عناصر المفاجأة وتجدد العلاقة الزوجية وتزيد متانة الميثاق الغليظ بين الزوجين، لا شك أن للهدية أثراً كبيراً في نفس الإنسان، لاسيما إذا تزامنت مع مناسبة دينية مثل العيد، وبغض النظر عن قيمة الهدية يبقى الأثر النفسي الذي تحدثه علامة بارزة في خانة المشاعر الإنسانية الراقية. يرى علماء نفس أن الهدية عصا سحرية من شأنها معالجة بعض المشاكل الأسرية، إذ أن لها مفعولا سحريا على إذابة بعض الجدران التي تتكون نتيجة لبعض الخلافات، وخصوصا إذا كانت من قبل الزوج وبعد أو خلال فترة الزواج الطويلة، إذ يكون لها وقع خاص في نفس الزوجة. وإن كان رأي علماء النفس يؤكد ذلك فإن الكثير من الأزواج يرى في هدايا العيد سلوكاً راقياً وقيمة معنوية، فقد تكون نوعاً من الاعتذار أو تهنئة بمناسبة من المناسبات اعتاد الناس أن يتبادلوا خلالها الهدايا أوقد تكون نوعاً من المجاملة أو التودد. قيمة معنوية أصبح الكثير من الناس يقيم الهدية المقدمة له على أساس قيمتها المادية لا قيمتها المعنوية، وحين يجدها ذات قيمة منخفضة يشعر بالإحباط وهذا ما شعرت به فاتن نبيل التي تقول «أصبت بالإحباط حينما أهداني زوجي بمناسبة العيد عطراً نسائياً لا تتعدى قيمته 200 درهم، وليس من ماركة عالمية معروفة». وتتابع «رغم أن راتبه عال ويمكن أن يشتري لي هدية قيمة مثل عقد ذهب أو ساعة مطلية بالذهب، إلا أنني أحسست بتدني قيمتي لديه، لكن رغم ذلك أحمد الله أنه ما ينسيني في العيد بهدية وإن كانت بسيطة ولا تذكر، وأعتبر نفسي أحسن حالاً وأفضل من صديقاتي اللاتي ينتظرن من أزواجهن هدايا حتى ولو كانت وردة تعبر عن مشاعر الود والحب». بدورها، تفاجئ علياء حسن زوجها في كل عيد بهدية ذات قيمة مادية تؤكد حبها لزوجها ورفيق دربها، تقول «منذ 6 سنوات ونحن نتبادل الهدايا فيما بيننا. وهي لا تكون مختصرة على مناسبة العيد بل في كل الأوقات سواء كانت بسبب أو لا». وتذكر «الهدية مهما كانت قيمتها هي عصا سحرية بين الرجل وزوجته تكمن قيمتها في معناها والمناسبة التي تقدم فيها كهدية، وغالبا ما تكون هدايا تؤكد وتعكس أرقى المشاعر التي تجمع الزوجين في عش الزوجية، وتوثق المشاعر الجميلة التي تجمعهما تحت سقف واحد، كما أنها تقلل من حدة المشاكل والخلافات إن وجدت، فوردة حمراء أو عطر أو ساعة مهما كانت قيمتها البسيطة تحمل رسائل محبة وتقدير ومشاركة في الحياة». وتضيف «المحبة لا تقاس بقيمة الهدية بقدر ما أنها تقاس بطريقة المعاملة والاحترام المتبادل على طول الأيام وليس فقط بالمناسبات»، ويتفق زوج علياء عبد الرحمن العبدولي مع رأي زوجته. ويضيف «يجب على الزوجين عدم انتظار المناسبات لتقديم الهدايا، فالحياة الزوجية لا بد أن تمر بأوقات عصيبة أو روتين أو ملل، لذلك على الزوجين دائما المبادرة بتقديم الهدايا ولو الرمزية لتجديد الحياة الزوجية وإرسال رسالة غير مباشرة للشريك، ومع عيد الفطر يمكن لكلا الزوجين أن يجدد حياته من خلال تبادل تلك الهدايا، وإن كان أحدهما انشغل عن ذلك فليذكره الآخر بتقديم هدية تعبر عن مشاعره تجاهه». دعوة عشاء ليس المهم أن تكون الهدية غالية بقدر ما تكون لائقة، إلى ذلك، يجد سالم التميمي أن الهدية سواء كانت مختصة بمناسبة العيد أو غيرها من شأنها أن تضيف مسحة جديدة من المشاعر المتينة في العلاقات الزوجية خاصة، مشيرا إلى الحديث النبوي «تهادوا تحابوا» بوصف الهدية من الرسائل الاجتماعية التي تحمل رقي المشاعر الإنسانية لمتانة العلاقات الاجتماعية المختلفة. ويتابع «هديتي في هذا العيد ستكون دعوة على العشاء في برج خليفة. المدام تستحق أكثر من ذلك فهي رفيقة دربي والإنسانة الوحيدة التي وقفت بجانبي في أسوأ الظروف المادية التي مررت بها مؤخرا، ومهما قدمت لها من هدية فإن قدرها ومكانتها في قلبي أكبر من ذلك». من جهتها، تنتقد بدرية حبش ما تفكر فيه النساء اللاتي ينظرن إلى قيمة الهدية وتحميلها مضامين ترتبط بالعلاقة. وتوضح «حين تكون الهدية بسيطة جداً تتوقع المرأة أن المحبة والألفة توازيان تلك البساطة». مشيرةً إلى أن «الهدية مجرد أن تقدم إلى شخص من آخر تكون عربونا للمحبة والألفة، لذلك على الجميع أن لا ينظر إلى الهدية بأي مقياس غير مقياس المحبة والأمر يكون أسوأ إذا نظرت الزوجة إلى زوجها بعين المادة، فقد تكون الهدية متواضعة ولكنها بلا أدنى شك تعني الكثير وهذا ما يجب أن تدركه الزوجة أو الزوج حين تقدم هدية من الآخر». وعن أثر الهدية، يقول محمد المرزوقي، مدرب الإتيكيت والبروتوكول «ينبغي أن تقدم في كل مرة حتى تكون ذات أثر أو معنى، فهناك أمور تمكن الزوجين من أن يكافئ ويهدي كل واحد منهما الآخر من غير أن يكلفه شيئا، فهناك الهدية النفسية مثل الابتسامة، وطيب الكلام، والثناء العلني والخاص، والتدليل والطاعة، والنظرة الحانية، وحسن التقدير للظروف، وحسن الخلق، والتحبب للأهل والاحترام، وهناك المادية المحسوسة وهي كثيرة». ويضيف «الهدية تعتبر الطريقة المثالية ليقول كل من الزوجين للآخر «السنوات تمر، لكني ما زلت أحبك يارفق أو رفيقة دربي»، وحتى يكون لها معنى يجب أن يشكر كل منهما الآخر إذا بادر بالإهداء، فالشكر يُعطي معنى جديدًا للحياة الزوجية، ومن حُرم المدح والثناء فقد حُرم الخير». تجدد الحب لا تشترط الدكتورة غادة الشيخ، استشارية أسرية زوجية، أن تكون الهدية بمناسبة أو غير مناسبة، فهي لها أعظم الأثر في نفوس الأزواج. وتوضح «الهدية تؤثر تأثيرًا كبيراً، فهي تدخل البهجة والسرور في القلب، وتزيد في أواصر المحبة والمودة، فما أجمل أن يتهادى الزوجان، وقد أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأُهدي إليه، وكذلك تواترت الأخبار في فضل الهدية وعظم شأنِها، وإذا كان الأمر كذلك فحريٌّ بالزوجين أن يتبادلا الهدايا فيما بينهما في كل الأوقات». وفيما يتعلق بأنواع الهدايا. تقول الشيخ «قد تكون رسالة تجديد الحب وتؤكد للشريك الآخر أنّها رمز التجديد والحب في الحياة الزوجية، وأنّ الذي قدم الهدية لم يشعر بملل من الشريك الثاني، مهما طالت السنون التي مرّت على الزواج أو «رسالة شكر» فالأولى أن يحرص كل من الطرفين على شكر الآخر، والاستمرار في ذلك، لأن الإنسان مفطور على أن يكافأ بعد الإنجاز والعطاء، ثالثا هي تعبير عن الشوق فإذا كان الزوج مسافراً، أو غاب عن البيت في مهمة واجبة، وطال فراقه لزوجته أو قصر، فإن الهدية هنا تحمل رسالة التعبير عن الشوق، وكأنّه يقول لها لقد اشتقت إليكِ يا حبيبتي، رسالة «السرور بالسلامة والنجاة» فعندما ينجو أحد الشريكين من حادث أو موقف مكروه، ويقدم له شريكه الهدية، فإن لسان حاله هنا يقول عبر الهدية حمداً لله على سلامتك». ويرى مدرس التربية الإسلامية مصطفى عماد الدين أن الهدايا تفرغ القلوب من الضغائن. ويوضح «من الأولى أن تكون الهدية من الزوج وزوجته والخطيب وخطيبته ولو بكلمة حلوة ولفظ محبب ووصف جميل، وتزداد الهدية قيمة كلما كانت مصحوبة بتعبير صادق عن مشاعر موجودة حقا وليس نفاقا». ويضيف «الهدية نوع من تكوين العاطفة الإيجابية تجاه الآخرين والتعبير عن تلك العاطفة لإنها أمر مهم، فديننا الحنيف يطالبنا بالحب والتراحم والتفاهم، والهدية غالبا ما تؤلف بين قلبي شخصين لذلك أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالتهادي، وعن نفسي غالبا ما أتبادل الهدايا مع زوجتي من فترة لأخرى بمناسبة أو غير مناسبة لتوطيد أواصر المحبة بيننا». آداب تقديم الهدية لا بدّ من اختيار الهدية المناسبة، ولكن قد تكون الهدية بمناسبة وقد تكون بلا مناسبة، فعلاقتك بأخيك وحرصك على تنميتها مناسبة بحدّ ذاتها. تغليف الهدية بغلاف جميل عليه عبارات تبريك رقيقة وتمنيات عطرة أو أبيات من الشعر، يجعل الهدية ناطقة بأكثر من لسان. يفضل أن يراعي صاحب الهدية الفائدة العملية لها، فلبعض الهدايا عمر قصير ولبعضها عمر أطول، وبعضها ذو فائدة محدودة وبعضها ذو فائدة أكبر. لا يصح إطلاقاً نقد الهدية أو التقليل من قيمتها حتى ولو كانت كذلك، فلا بدّ من شكر صاحب الهدية على كلّ حال واستقبال هديته المتواضعة برضا ملحوظ.