باحثون يحذرون من أضرار المضادات الحيوية على الجسم
أبوظبي (الاتحاد) - من المعلوم أن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية يجعلها أقل فاعليةً، ويؤدي إلى ظهور بكتيريات جديدة خطيرة مقاومة للأدوية. بيْد أنه ليس من المعلوم ما إذا كانت لهذه المضادات علاقة بإصابة من يُفرط في تناولها بالسمنة والسكري والحساسية والربو. هذا ما يقوله الدكتور مارتن بلايزر، عالم ميكروبات ومتخصص في الأمراض المعدية بمركز لانجون الطبي في جامعة نيويورك، الذي درس عدداً لا يُحصى من أنواع البكتيريا التي تعيش على أجسامنا وداخلها. وتعرض الدكتور بلايزر بالشرح لنظريته في مقال نُشر في العدد الأخير من مجلة “نايتشر”.
استعمار الجسد
في السنوات الأخيرة الماضية، طور بعض العلماء ما اصطلحوا عليه بـ”مايكروبيوم”، وهو مجموع البكتيريات النافعة التي تُساعد أجسامنا على هضم الطعام واستقلاب المغذيات الأساسية، وتمنع العوامل الحيوية المسببة للأمراض من بكتيريا وفيروسات وطفيليات من اجتياح أجسامنا واستهداف أجهزتنا المناعية. وجرد الباحثون الآلاف من هذه الأجسام العضوية من خلال مشروع “الميكروبيوم البشري” الذي أطلقته المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأميركية سنة 2008.
ويقول بلايزر، إن اهتمامه ينصب بالأساس في هذا المشروع على معرفة كيف استطاع هذا العدد الهائل من البكتيريا استعمار جسد الإنسان لهذا الوقت الطويل. لكن هذه البكتيريات التي تُقدم لجسم الإنسان خدمات نافعة تعرضت خلال الثمانين سنةً الماضية لهجمات غير مسبوقة بفضل تطوير المضادات الحيوية.
ومن المؤكد أن ذلك يُعزى جزئياً إلى عدد من عوامل التقدم الإنساني كطول أمد حياة الإنسان مثلاً. فالرضيع الذي يُولد اليوم يتوقع أن يعيش 78 سنةً، أي 15 سنةً أطول مما كان يعيشه مواليد سنة 1940. غير أن المضادات الحيوية تستهدف في الكثير من الأحيان مرضاً محدداً بشكل شبيه بالطريقة التي تستهدف بها قنبلةً نوويةً مجرماً ما، يقول بلايزر، فتُسبب دماراً وضرراً جانبياً لأهداف مجاورة لم يكن يجدُر تدميرها. ويُضيف بلايزر “تقتل المضادات الحيوية البكتيريا التي نرغب نحن في القضاء عليها، وكذا تلك التي نحتاجها. وأحياناً تفقد هذه الأحياء الدقيقة المستهدفة قدرتها على التعافي بشكل كلي للأبد. وهو ما يجعلنا عُرضةً للإصابة بالعديد من الأمراض، منها ما بين 10 إلى 20 من الأمراض التي نُعالجها بمضادات حيوية في فترة الطفولة فقط”.
ارتفاع دراماتيكي
يُشير بلايزر إلى أنه لُوحظ أن ارتفاع المضادات الحيوية ترافق مع ارتفاع دراماتيكي في عدد الإصابات بالحساسية والربو والسكري نوع 1، والسمنة وداء الأمعاء الالتهابي. ولا يبدو هذا المعطى دليلاً بحد ذاته على وجود علاقة سببية بين الإثنين، لكنه يُثير أسئلة لا بُد من استكشاف أجوبتها بخصوص إمكانية تحمل المضادات جزءاً من المسؤولية أو كاملها في ذلك. فإذا أخذنا على سبيل المثال الملوية البوابية (Helicobacter pylori)، وهي نوع من العصيات سلبية الجرام أليفة الهواء القليل التي تستعمر مخاطيات المعدة والاثني عشري مسببة التهاباً في المخاطية، وترتبط بتطور القرحات الهضمية في المعدة والاثني عشري وسرطان المعدة، نجد أن هذه البكتيريا ظلت الميكروب المُهيمن على أمعاء ومعدات معظم الأشخاص في بدايات القرن العشرين، يقول بلايزر. لكن في المائة سنة الأخيرة، لُوحظ أن هذه البكتيريات لم تعد موجودةً إلا لدى 6% من الأطفال الأميركيين والسويديين والألمان. ولعل سبب ذلك هو كون مضاد “الأموكسيسيلين” أو أي مضاد حيوي آخر خاص بعلاج الأذن أو العدوى التنفسية يمكنه القضاء على بكتيريا “الملوية البوابية” بنسبة 20% إلى 50%. لكن نتيجة هذه الاستنتاجات تكتنفها مع ذلك بعض الضبابية، فهذه البكتيريا يمكنها أن تتسبب في ظهور تقرحات وسرطان المعدة. إلا أن غيابها قد يكون وراء زيادة إصابات حرقة المعدة (ارتجاع حامض المعدة للمريء) والذي يمكنه التسبب بدوره في الإصابة بداء “المريء باريت” وسرطان المريء.
العوامل المسببة
من جهة أخرى، كشف بعض العلماء أن هورموني “جريلين” و”ليبتين” اللذين يُفرَزَان داخل المعدة يتصرفان بشكل مختلف عندما تكون بكتيريا “الملوية البوابية” غير موجودة. فهورمون “جريلين” هو المسؤول عن إخبار الدماغ بأن الجسم جائع، بينما هورمون “ليبتين” هو المسؤول عن إصدار إشارات تُخبر الدماغ بأن الجسم ممتلئ. وفي المختبر الشخصي للدكتور بلايزر، اكتشف باحثون أن الأطفال الذين تفتقد أجسامهم لبكتيريا “الملوية البوابية” هم أكثر عُرضةً للإصابة بالربو ومرض حمى القش وحساسية الجلد. هذا علماً أن هذه البكتيريا (الملوية البوابية/Helicobacter pylori) هي واحدة فقط من آلاف البكتيريات الموجودة في أجسامنا.
من هذا المنطلق، ينصح الدكتور بلايزر الأطباء بعدم توصيف المضادات الحيوية للنساء الحوامل والأطفال. كما يُفيد بأن الباحثين يمكنهم ابتكار مضادات حيوية جديدة أكثر تطوراً وذات قدرة على استهداف العوامل المسببة للأمراض بشكل أدق ودرء أكبر عدد ممكن من الميكروبات النافعة الأخرى في أمان.
ويدعو بلايزر أيضاً إلى إجراء اختبارات كفيلة بالتعرف بشكل أسرع على العوامل المسببة لكل مرض على حدة، مع التنويه إلى أن المكملات الغذائية يمكن أن يكون لها دور في التعريف أكثر بالبكتيريا النافعة التي تفتقدها أجسامنا.
عن «لوس أنجلوس تايمز»