أصبحت الحكمة التقليدية القائلة إن الفرنك السويسري كملاذ آمن يرتفع أداؤه في أوقات تفادي المخاطر، بينما الدولار الكندي والأسترالي تزيد قيمتهما عند تحول المستثمرين الباحثين عن المخاطر إلى السلع، حكمة ناقصة هذه السنة عندما ارتفعت العملات الثلاث مقابل الدولار واليورو. وبدلاً من ذلك، تم تداول العملات الثلاث بشدة في أسواق تداول النقد الأجنبي وهي تمثل مجموعة بديلة من «عملات الظل» للمستثمرين الباحثين عن أفكار تساعدهم على التوجه نحو الاقتصادات العالمية الرائدة الثلاثة لأميركا والصين وألمانيا. ويستخدم المستثمرون في العادة الدولار واليورو والين الياباني «جي 3» للرهان في الاقتصادات الرئيسية، لكن أصبحت هذه العملات الثلاث مجموعة تداول غير ملائمة. وفي آسيا تمكن الاقتصاد الصيني من التغلب على نظيره الياباني، وفي أوروبا احتضنت منطقة اليورو ألمانيا لكنها جلبت المتاعب لأعضاء آخرين مثل اليونان، وظل الاقتصاد هشاً في أميركا بعد انهيار الائتمان. ونتيجة لذلك، اتجه المستثمرون نحو عملات بديلة حيث اكتسب الفرنك السويسري والدولار الكندي والأسترالي «أس 3» ظهوراً واضحاً على مستوى التداول اليومي في أسواق العملات العالمية وفي تكوين احتياطات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية. ويُذكر أن عملات «أس 3» تفتقر إلى السيولة التي تتميز بها «جي 3» على الرغم من المميزات التي تزخر بها. أولاً، جعلت الروابط التجارية القوية الدولار الكندي والأسترالي والفرنك السويسري عملات بديلة للدولار ولليوان الصيني والمارك الألماني القديم، على التوالي. وفي أميركا الشمالية تذهب ثلاثة أرباع الصادرات الكندية إلى أميركا، وفي أوروبا تشكل ألمانيا خمس الصادرات إلى سويسرا، وفي آسيا تشتري الصين ربع الصادرات الاسترالية. وهكذا يكون الاقتصاد الكندي مرتبطا بالتغييرات التي تطرأ على دورة الأعمال التجارية في أميركا. وبالمثل، أثبت الناتج المحلي الإجمالي السويسري علاقة وطيدة بمؤشر معهد «آيفو» الألماني للثقة التجارية، في الوقت الذي بدأ فيه النمو الأسترالي التأثر بتغييرات الناتج الصناعي الصيني، ونتيجة لذلك، أصبحت العملة الكندية تنوب عن الأميركية، ويعمل الفرنك كما كان يفعل المارك الألماني في السابق، بينما العملة الاسترالية بديلة للصينية. ثانياً، لا تعيق المخاطر المالية أو النمو الضعيف أياً من عملات مجموعة «أس 3». مثلاً، خرجت كندا من أزمة الانهيار الائتماني وهي في حالة أفضل من أميركا. كما أن إجمالي الديون الحكومية كجزء من الناتج المحلي الإجمالي، أقل من الأميركية حيث بدأ البنك المركزي في كندا إعادة السياسة المالية إلى طبيعتها عبر رفع أسعار الفائدة. وفي المقابل، تم إرغام «الاحتياطي الفيدرالي» على تبني جولتين من سياسات «التيسير النقدي» منذ العام 2009. لذا، انكشفت العملة الكندية على الاقتصاد الأميركي دون أن يعيقها الضعف المالي أو الأسس النقدية. وتتميز استراليا مثلها مثل الصين بمعدل قليل من إجمالي ديون الحكومة المركزية مقابل الناتج المحلي الإجمالي. لكن ليس لأستراليا ديون كبيرة مثل ديون الحكومات المحلية الصينية التي تقارب 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشبه الوضع المالي الممتاز في سويسرا ألمانيا عندما كانت تستخدم المارك. ويتوقع صندوق النقد الدولي أنه في غضون السنوات القليلة المقبلة سيتراجع إجمالي الديون الحكومية في سويسرا لأقل من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وتأثر القطاع المالي في ألمانيا مثلها مثل الدول الأخرى في منطقة اليورو، بالانهيار الائتماني. وعلاوة على ذلك، يملك «البنك الوطني السويسري» احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي تزيد على 200 مليار دولار بعد تدخل البنك المركزي بفاعلية في العامين 2009 و2010 في مراقبة ارتفاع قيمة الفرنك. وبالاحتياطات الكبيرة من الذهب، يبدو «البنك الوطني» شبيهاً بالبنك «المركزي الألماني» عندما كان يملك احتياطات ضخمة من النقد الأجنبي قبل تبني عملة اليورو في 1999. أخيراً، جميع عملات مجموعة «أس 3» معومة يخضع سعرها للعرض والطلب العالميين. وفي المقابل، يظل اليوان خاضعاً لقيود رأس المال ليستمر في ارتباطه بالدولار الأميركي. وقريباً تسمح عملات الفرنك السويسري والدولار الكندي والاسترالي للمستثمرين بامتلاك عملة أوروبية أساسية خالية من أعباء ديون منطقة اليورو، وبعملة من أميركا الشمالية دون المتاعب المالية الأميركية أو سياسة التيسير النقدي، وبأخرى «عملة ظل» للاقتصاد الصيني غير خاضعة لقيود رأس المال أو لعمليات ربط العملة. ونتيجة لذلك، ارتفع الفرنك السويسري لمعدلات قياسية مقابل الدولار واليورو هذا العام، بينما بلغ الدولار الاسترالي معدلات ارتفاع لم يشهدها منذ ثلاثة عقود مقابل الدولار وكذلك الدولار الكندي الذي حقق أرقاماً قياسية هو الآخر. لكن على المستثمرين إدراك أن وضع «عملات الظل» الذي تم التوصل إليه حديثاً، سلاح ذو حدين. ففي حالة طوّقت أزمة ديون منطقة اليورو ألمانيا لترغمها على رفع أسعار الفائدة وخفض الإنفاق بغية مساعدة اقتصادات كبيرة مثل إسبانيا أو إيطاليا، عندها من الممكن أن يتسبب ذلك في انهيار الفرنك السويسري أيضاً. كما أن من الممكن أن يؤدي الركود الاقتصادي في أميركا إلى إضعاف الصادرات والعملة الكندية، تماماً كما فعلت الأزمة المالية في عام 2008. نقلاً عن: فاينانشيال تايمز ترجمة: حسونة الطيب