من القيم التي يحرص الإسلام على إشاعتها بين الناس قيمة الشكر باعتبارها قيمة أخلاقية تقر بأفضال الآخرين علينا وقيمة حضارية تسهم في نشر المحبة والألفة والترابط بين الناس، لذلك أمرنا سبحانه أن نخصه بالشكر والثناء، وهو صاحب النعم والأفضال التي لا تحصى ولا تعد، وأمرنا كذلك أن نشكر كل من أسدى إلينا خدمة ابتداء من الوالدين. وأحق الناس بالشكر الجيل الذي خدم البلاد والعباد وحقق الإنجازات والمعجزات وجعل راية الوطن عالية، الجيل الذي قد ينظر إليه البعض أنه أخذ حظه من الدنيا، ولم يعد له من دور في هذه الحياة وآل حاله إلى الضعف والعجز، هذا الجيل يتشكل من الآباء الذين نشؤونا والأساتذة والمعلمين الذين يعود الفضل إليهم في تأصيل كياننا الفكري والثقافي والعلمي، وبناة هذا الوطن بالفكر والساعد. اهتم الإسلام بهذه الفئة العمرية فمنحها المنزلة التي تليق بمقامها بهدف لفت أنظار الشباب إلى كفاءاتها وقدراتها وتجاربها فيسيروا على هداهم ويستفيدوا من تجاربهم ويستقوا منهم الدروس والعبر، وبذلك تترابط الأجيال وتصان الوحدة ويقوى الترابط ويتحقق التواصل والتكامل بين فئات المجتمع، الكبير يرحم الصغير، ويحنو عليه، والصغير يعرف مقام الكبير فيجله ويحترمه. وحث الإسلام على تكريم هذه الفئة الاجتماعية وتبجيلها، واعتبر إكرامهم ضرباً من إجلال الله، ووضع أسس الرعاية بالمسنين من المبادرة بالتحية والقيام بشؤونهم ومساعدتهم على قضاء حوائجهم وإشعارهم بالأمان والراحة النفسية، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون في خدمتهم رغبة في الثواب وتأسياً بالنبي صلى الله عليه، فكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يتنافسان في تعهد عجوز عمياء والقيام بأمرها. ورعاية الإسلام للمسنين لا تقتصر على المسلمين فحسب، وإنما تشمل كل من يشترك معك في المواطنة والإنسانية، فهم أهل للتكريم والتبجيل والرعاية بقطع النظر عن انتمائهم الديني والعرقي، مرّ عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: من أي: أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته، ثم نخذله عند الهرم. ومن المؤسف أن نسمع عن بعض الحالات المجتمعية يصل الإنسان فيها إلى منتهى القسوة إلى تعنيف الآباء أو التخلي عنهم وقت الحاجة والتاريخ لا يرحم، فكما يدين المرء يدان، ومثلما نعامل أسلافنا سيعاملنا أخلافنا. فالواجب الديني والأخلاقي يحتم علينا استشعار مسؤولياتنا تجاه هذه الفئة العمرية التي تلقى كل الرعاية الموصولة من حكومتنا الرشيدة وتسعى كل قطاعاتها جاهدة إلى توفير الحياة الكريمة لهم. د. سالم بن نصيرة