أبوظبي (الاتحاد) - الرقية في اللغة هي التعويذة أو الحماية، وتقول: اسْتَرْقَيْتُه فرقَاني رُقْية، فهو راقٍ، ورجل رَقَّاءٌ: صاحبُ رُقًى. وقد وردت بهذا المعنى في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، الرُّقْية بأنها: العُوذة التي يُرْقى بها صاحبُ الآفةِ كالحُمَّى والصَّرَع، وهي التي تكون من الدعاء والأذكار لطلب الشفاء، وهي بذلك تختلف عن التميمة لأن هذه الأخيرة غالباً ما تكون تعويذة مكتوبة بخلاف الرقية فتكون مقروءة. وقد ذهب أغلب أهل العلم إلى استحباب الرقية الشرعية، طالما أن الاسترقاء كان بالآيات القرآنية، أو الأسماء والكلمات معروفة المعاني ولم يعتمد على الألفاظ المجهولة التي لا يعرف معناها كالألفاظ العجمية، حتى مذهب الحنابلة يدور في أصل الجواز مع تكييف الترك بالأفضلية، وما اعتمد من بعض أهل العلم للدلالة على الكراهة مردود، لأن المدح في ترك الرقى هو ما كان من قبيل كلام غير المسلمين أو الكلام غير المفهوم، ولا تنافي بين الرقية والتوكل على الله. مشروعية الرقية تدل على مشروعية الرقية نصوص من القرآن والسنة النبوية الشريفة، فمن القرآن: قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) «الإسراء، 82»، وقوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) «يونس، 57». وقوله تعالى: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) «فصلت، 44». ومن السنة: فقد ورد أن أحداً لُدِغَ في سفر وقرأ عليه الصحابة القرآن فلما عادوا ذَكَرُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلمُ فَقَالَ مَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «البخاري». وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة رضي الله عنها جارية في وجهها سفعة، فقال: «استرقوا لها فإن بها النظرة «البخاري». ومن الأمور التي ينبغي أن نشير لها تأثير الرقية، فنقول: إن تأثير الرقية متعلق بالله وربوبيته فهو الشافي سبحانه، كما أن الرقية ليست علاجاً مادياً يعتمد على مهارة الحكيم أو الطبيب، بل هي استدعاء لقدرة الله وسؤاله الشفاء والرحمة، فهي عمل معنوي، ولكن لها تأثير على مختلف الأوجاع لحديث أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اشتكى منكم شيئاً، أو اشتكاه أخ له، فليقل: «ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع» فيبرأ «أبو داود». ولما ورد كذلك عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أنه قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امسحه بيمينك سبع مرات، وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)، قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم، «أبو داود». شروطها والرقية يمكن استخدامها والأخذ بها في مختلف الأمراض والأوجاع، وليس هناك أمراض خاصة تقبل الرقية وأخرى لا تقبلها، ومن ذلك: علاج السحر والعين بالرقية الشرعية، كما ورد في حديث عائشة - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ. «مسلم» ولدغ الحيات والعقارب وما يشابهها والحمى والصرع وكل الأمراض التي تصيب الإنسان. لكن يشترط للرقية شروط منها: ? أن لا يكون فيها ما هو محرم من الكلام والألفاظ. ? أن تكون بألفاظ مفهومة ويستحسن أن تكون بالعربية. ? أن يقوم بها من يتوسم فيه الخير ومن المتقين. ? أن يعتقد المرقِي والمرقَي أن الشفاء بيد الله عز وجل. ? ينبغي أن يكون الراقي من أهل العلم والمعرفة درءاً للوقوع فيما حرمه الله. ? ينبغي أن يكون الراقي ممن له القدرة على استحضار ما يناسب المريض من الآيات والأدعية. وحينئذ لا بأس بأخذ الأجرة على ذلك، فقد ذكر بعض أهل العلم الاتفاق على جواز أخذ الأجرة على الرقية لأنها نوع من التداوي، وإن كان من الأفضل أن يتطوع بها. والدليل على جواز أخذ الأجرة حديث ابن عباس وهو أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاة فجاء بالشاة إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجراً حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجراً، فقال: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» البخاري. ممارسة الرقية بقيت معنا مسألة مهمة وهي ممارسة الرقية في واقعنا المعاصر الذي نرى فيه أنه يشوبها كثير من القصور والنقص، فهي في بعض الأحيان تعتمد على أشخاص مستواهم الإيماني ضعيف حسبما يدل عليه الحال، ونجد في الوقت ذاته كثيرا من الممارسين لها يعمدون إلى استغلال المرضى والضعفاء للتحايل عليهم وإيهامهم بأمور تقدح في تدينهم، وهذا أمر مخالف لشرع الله وليس من أخلاق المسلمين، لكن الواقع يؤكد لنا أن هناك من المرقين من يتسمون بقدر من العلم والمعرفة والأخلاق والورع. وفي كل حال إذا ما أردنا تقنينها، فلا بد من وضع ضوابط خاصة تحيط بها من وجوهها المختلفة لينطبق عليها ما جاء في مدح الإسلام لمن سن سُنَّة حسنة. د. محمد قراط