هند القاسمي: تماسك الأسرة يواجه أمواج التكنولوجيا وآثارها السلبية
دعت الشيخة هند القاسمي إلى التمسك الأسري، وقيام الأمهات بكامل دورهن في متابعة شؤونها البيت والأبناء، مشيرة إلى أن ذلك يقوي علاقات جميع أفراد الأسرة، ويدعم مواجهة مواجهة أمواج التكنولوجيا وآثار السلبية، التي قللت من التواصل الاجتماعي. وأوضحت الشيخة هند القاسمي أن الأدب والشعر من أفضل الأساليب التي تصقل الشخصية في الصغر، وتنمي القدرات المختلفة، خاصة إذا عودت الأسرة ابنها على الثقافة والاطلاع، مما ينمي فيه منذ الصغر الجوانب المعرفية، ليكون ذلك بداية تأسيس ناشئة تجيد في حياتها الخاصة والعامة.
قالت الشيخة هند القاسمي إن فريج الشيوخ في إمارة الشارقة يحمل لها، أهم الذكريات، حيث كبرت مع أبناء المنطقة جنباً إلى جنب، يجمع بينهم الحب والأخوة، ولم يكن الأهل يفرقون بين أبنائهم وبين أبناء الجيران سواء من المقتدرين أو الفقراء، فالجميع سواسية، وقد كبر أبناء المنطقة حتى بلغوا مرحلة من مراحل الشباب.
وكان منزل الشيخ عبدالعزيز بن حميد القاسمي كبيراً، به العشرات من الغرف، وجزء كبير منها تعيش فيه أسر كانت تخدم عائلة الشيخ عبدالعزيز رحمة الله عليه، وقد عرف ذلك المنزل بالنمط العربي والإسلامي في البناء، فهو يجمع الجميع ويفرق بينهم بما يحفظ الخصوصية لجميع من يقيم فيه، وكان مفتوحاً طوال الوقت ولو دخل أي طفل من أبناء الجيران إلى البيت في أي وقت، فإنه لم يكن يجد إلا الترحيب والكرم.
في ذلك البيت ولدت الشيخة الدكتورة هند القاسمي، وتكبرها أختها الشيخة موزة بنت عبدالعزيز القاسمي، ومجموعة من الإخوة والأخوات، الذين كبروا على التواضع ومحبة الغير، ومارسوا طفولتهم في بيتهم وسط بيوت الأهل، حيث تربطهم علاقة الأعمام والأخوال والنسب، فالأم رحمة الله عليها الشيخة نورة بنت ماجد بن صقر القاسمي، وهي الكريمة التي كانت تقف بنفسها عند بوابة المنزل من الداخل لتشرف على توزيع المير الرمضاني أو الحلوى في مناسبات مثل العيد، وكان يقف عند بابها الكثير من الفقراء الذين أتوا من خارج الدولة، وقد ذابوا بعد ذلك في المجتمع، وكانت تكرمهم وتمنحهم حاجتهم من المال والكساء والغذاء.
ذكريات
وتتحدث الشيخة الدكتورة عن ذكرياتها بقولها: تعلمت من والدي أن لا فروق بيننا وبين أهل وأبناء المنطقة، وقد كنا كأطفال نقضي ساعات من وقتنا في بيوت الجيران من مختلف الطبقات، ولم نكن نعلم عن الفروق الاجتماعية، وقد تربينا على احترام الذات والتواضع بكل ما في كلمة التواضع من معنى، دون الإضرار بحسن التخلق مع الآخرين والتفاعل معهم.
وقالت الشيخة هند إن من ذكرياتها التي لا تنساها، أن الأم كانت ترسلها بكوب الحليب إليها في المدرسة، لأنها تتعمد أن تذهب بدون أن تشرب الحليب، كما لا تنسى أن كل يوم خميس كان يعني نهاية الأسبوع الدراسي، وكان الاحتفال بهذه المناسبة يعبر عنه، بأن تقوم كل طالبة بعمل «شخابيط» على ملابسها المدرسية، كما كانت تقوم بأخذ مجموعة من الصديقات المقربات بجولة في سيارة الأسرة، في مناطق مختلفة من الشارقة احتفالاً بالمناسبة.
وقالت: كان والدي رحمة الله عليه، قد خصص سيارة بسائق من أهل الشارقة، من أجل نقل أبنائه وبناته إلى المدرسة، بما فيهم الفتيات المقربات منها ومن أختها الكبرى الشيخة موزة، فكانت الطالبات يأتين في الصباح الباكر وينتظرن البقية من الفتيات، ثم يركبن في رحلة مسلية إلى المدرسة، التي لم تكن بعيدة، لكن تكون الأجواء أحيانا ماطرة أو باردة، وفي أحياناً أخرى حارة، لذلك كانت السيارة تقوم برحلة مسلية، تتبادل فيها الفتيات الأخبار التي حدثت، ويتضاحكن على المواقف، التي ربما تحدث بقصد أو دون قصد منهن، في عمر حائر ما بين الطفولة والمراهقة.
شخصية محبوبة
وعرفت الشيخة هند بين الفتيات كشخصية محبوبة في أماكن كثيرة، وهي تتذكر بعض المواقف: عقب زواج الأخت الكبري، وجدت نفسي ألعب دور الأم بالنسبة لبقية أخوتي وأخواتي، ومن ذكرياتي الطفولية عندما كنت طالبة في المدرسة، أن إحدى الطالبات تشاجرت معي، ولم أكن أرغب في التطاول على الفتاة، وكان الجميع يقف تحت شجرة، ووجدت أن في جزء من الشجرة خلية نحل، فما كان مني إلا أن ضربت تلك الخلية وهربت، وقد قام النحل بلسع تلك الطالبة، وتوجهت باكية إلى داخل المدرسة، وهي مطاردة من النحل، وقد لسعت في أماكن من وجهها وكفيها، وقد شعرت أن الرد كان مناسبا.
وكانت الأسرة من العائلات التي تعشق السفر في فصل الصيف، وتتحدث عن ذلك: كانت الوجهة إلى جمهورية مصر العربية أو لبنان، حيث الأجواء الباردة والخضرة والمشاهد الحديثة، التي لم تكن قد ظهرت في الإمارات، حتى منتصف الستينيات، وذلك لم يكن غريباً على حين أنهيت الثانوية العامة، أن أتجه للدراسة في الخارج، حيث حصلت على ليسانس آداب في علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية من دولة الكويت في عام 1980، كما حصلت على ماجستير الاجتماع من جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية، ونالت الدكتوراه في الاجتماع من ذات الجامعة عام 1996.
وتعود بذاكرتها للطفولة حين كانت المعلمات يفرضن على كل طالبة أن تشتري هدية كي تهديها لأمها في عيد الأم بقولها: كان على الفتيات أن يأتين بالهدية ويعرضنها أمام بقية الطالبات وهي مغلفة، ولكن المشتري الفعلي كان الأم أو أحد أفراد الأسرة من مصروف الطالبة، وقد اشترت الأسرة علبة مكياج للأم، ولكن عندما أردت عرضها تبعثرت أمام الطالبات، وقد شعرت بالفرح لأن كل الطالبات شاهدن الهدية، وأيضاً لا أنسى أن أكبر مبلغ تسلمته في حياتي كان من إرث، وكنت لا أزال طالبة حين تم تسليمي نصيبي 60 ألف درهم، وكان يعني الكثير في ذلك الوقت، وقد اعتبرت ذلك أكبر راتب قمت بتبديده دون اكتراث، ولكن أتذكر حين تسلمت أول راتب حقيقي من وظيفتي، قمت بوضعه أمامي وبدأت في تقسيمه، لأنه نتيجة جهد يجب المحافظة عليه.
ومن أسوأ ذكريات الشيخة هند تلقيها خبر وفاة أخيها الأصغر أحمد، وقد كان طفلاً حين توفي نتيجة حادث سيارة أمام باب منزلهم، وتصف تلك الذكرى: ربما يكون موت أخي أحمد، الأمر الذي لا ينسى والذكرى التي تبكيني، ولا أزال أتذكر أنني رغم شهرتي بين الأهل بكثرة البكاء، إلا أني عندما تلقيت الخبر، حبست دموعي كي لا أبكي أمام الآخرين، ولكن كلما انسابت الذكريات تبكي اليوم كل من الأحباب الذين رحلوا، وتبكي عندما تتذكر صديقات الطفولة التي حالت بينها وبينهن الأيام والظروف الحياتية، ولكن هناك ذكريات جميلة لا تزال ماثلة.
أيام الطفولة
وقالت، ذكريات السفر إلى مصر ولبنان في الطفولة حاضرة منذ الستينيات والسبعينيات، ومن ذكرياتي مشاهدة أحد الأفلام، وقد كنت دون سن المراهقة، ويعني ذلك أني طفلة وممنوعة من الدخول إلى دار السينما لمشاهدة بعض الأفلام، كما أتذكر أننا تابعنا موضة الملابس الحديثة، التي كانت ترتدى في باريس وإيطاليا، ومن ثم لبنان ومصر، وهي موضة التنانير المرقعة والبنطلونات «الشارلستون»، كما كنا نبحث دوما عن الجديد في الأدب والشعر، وكنا نقرأ ونحن في المرحلة الابتدائية.
وأضافت، أوَّل كتاب قرأته ديوان شعر لنزار قباني، وكانت أول فرحة كبيرة عند إنهاء تحضير الماجستير، لأن علم الاجتماع مشهور بتعدد الأيدلوجيات، فينتمي الطالب لدكتور له أيدلوجية معينه، وإن حدث وسافر أو حدث له أي شيء، وجاء آخر مخالف له ومتبني لأيدلوجية أخرى، فإن الدكتور يلغي كل الجهد الذي بذله الطالب ويجعله يبدأ من الأول، ولذلك عانيت كثيراً خلال مرحلة التحضير، وأعتبره أمر مؤلم أن يعتقد البعض من الأساتذة أن بعض النساء من الشخصيات العامة، يتعلمن من أجل جمع الألقاب وزيادة في السمعة، وقد سمعت أحدهم يتساءل: ما حاجتكم للشهادة وأنتم لديكم كل شيء؟
وقالت: قبل أن أغادر لتحضير الماجستير ارتبطت بعلاقة وثيقة مع أندية الفتيات بالشارقة، حيث بقيت لمدة عامين مع إدارة الأندية، وكانت المديرة عائشة النومان، وقد كانت تسعى تسعى لتنفيذ برامج توعية للمرأة، عن أهمية المشاركة النسائية في المنتديات والعمل التنموي، وحصلت تلك السيدة على مناصب أخرى مثل عضو اللجنة التنفيذية في مجلس سيدات الأعمال، ولذلك عندما غادرت للدراسة كنت أفكر في مشروع ولكن تحضير الدكتوراه، جعلني أتخلى عنه فترة من الوقت.
وسائل الإعلام
وعملت الدكتورة هند القاسمي بمنصب الخبير التربوي للمكتب الفني لمعالي وزير التربية والتعليم، كما عملت رئيس مجلس سيدات أعمال الإمارات، وسفير النوايا الحسنة لجزر القمر.
وهي تقول إن أهم الذكريات التي لا تزال ماثلة أمامها كما تخبرنا: الرداء الذي فصلته وسائل الإعلام الغربية وساهمت في خياطته دول كثيرة، وهو ثوب الإرهاب الذي وصمت به بعض الدول العربية والإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر، فتم ظلم الشعوب والأفراد، فيما ينعم الغرب بالحرية دون أن يوصموا بذلك، لكن الأمر الجميل أننا كدول عربية وإسلامية نعلم إننا مسالمون ونسعى للأمن والتصالح مع دول العالم.
ومن أجمل الجوائز التي لا تنساها الشيخة هند القاسمي، تكريمها في جائزة راشد بن سعيد آل مكتوم لحملة الماجستير والدكتوراه: لا يزال أهم ما يشغل تفكيري ماذا سأنجز غدا، ولذلك أعمل على تحضير أفكاري من الليل، وأضع أسئلة مثل كيف سأطور وأجود؟ لأن من واجبي أن لا أقصر ولا أحب أن يتهمني أحد بالتقصير، وأنا من النوع الذي إذا كلفت بعمل، وأعرف أني لن أعطيه حقه فإني أعتذر عنه بشكل رسمي، ولذلك قدمت استقالتي لمجلس سيدات أعمال الإمارات، إثر تنافس على الألقاب والمناصب والكراسي ، وأؤمن بأنه لو دامت لغيرك ما وصلت لك، والإنسان عليه أن يكملأ المنصب، وليس فقط من أجل التنافس على مجرد لقب، وحالياً في طريقنا لتأسيس نادي صاحبات الأعمال وهو نادي عالمي، إضافة إلى منصب في مجلس الوحدة الاقتصادي التابع لجامعة الدول العربية.
إضاءة
قالت الشيخة هند القاسمي: تعلمت من والدي أن لا فروق بيننا وبين أهل وأبناء المنطقة، وقد كنا كأطفال نقضي ساعات من وقتنا في بيوت الجيران، ولم نكن نعلم عن الفروق الاجتماعية.
شهادات
حصلت الشيخة هند القاسمي على ليسانس آداب في علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية من دولة الكويت عام 1980، كما حصلت على ماجستير الاجتماع من جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية، ونالت الدكتوراه في الاجتماع من ذات الجامعة عام 1996.
المصدر: الشارقة