الحفر على الخشب يعكس فن العمارة الإسلامية بملامح لبنان
تتمتع حرفة “الحفر على الخشب” بمهارة وتقنية وإبداع، صفات اختلطت بروح “أصحاب الصنعة”، الذين قد يستغرقون عدة أشهر لحفر قطعة واحدة لتكتمل تحفة قطعة فنية رائعة التصميم، وتتنوع أنواع الأخشاب التي تستخدم للحفر ومنها الحور والشربين والزيتون والصندل والعرعر والسرو، إلى جانب الدردار والصنوبر والجوز.
وحي التاريخ
تراجع عدد زبائن حرفة الحفر على الخشب بسبب الأزمات الاقتصادية، وأيضاً لغلاء أسعار الأخشاب التي تستعمل في الحفر والتصديف، إلى ذلك، يقول أحمد سعد إن صاحب حرفة “الحفر على الخشب”، عليه أن يكون ممتهناً الصنعة بالفطرة، ويشير إلى أنه يتعاطى هذا الفن منذ أكثر من 20 سنة، وينفذ أعمالاً مستوحاة من التاريخ القديم خصوصاً الفاطمي والأموي، إلى جانب تصاميم هندسية وضعت فيها روح العصور الماضية في تحف خشبية، وبمهارة يدوية تصل إلى حد الإبداع الذي يجمع النوعية الجيدة والألوان الساحرة.
وحول آلية العمل في الحفر على الخشب، وكيفية تحويل قطع الخشب إلى تحف وإبداعات، يشير سعد إلى أن النوعية تلعب دوراً مهماً في عملية اختيار الأخشاب الصحيحة، مثل الجوز والسرو والشربين والصنوبر، وتعالج الأخشاب عند النشر بوسائل آلية بعد تجفيفها وفصلها حسب الطلب، ومن ثم تبدأ عملية الحفر على مراحل، فيحفر الرسم المطلوب، ويشك في بعض الأحيان بالقصدير، ويفرغ مكان الصدف ليتم بعدها التنزيل أي لصق الصدف على القطعة الخشبية.
ومن الأشياء المصنعة من الخشب المحفور، وفقه، المقاعد والكراسي والصناديق والآلات الموسيقية، كالعود والدف والطبل، والمناضد. أما لجهة التصديف فهناك الخزائن والكراسي.
ويقول سعد “يمكن أن نشكل من مجموعة أخشاب فنوناً في العمارة والنقش والزخرفة، حيث تلعب الأنامل على قطع من خشب السنديان والزيتون، لتتحول بعدها إلى تحف وأعمال حرفية مليئة بالتراث العربي، خصوصاً الفلسطيني، حيث نرى مجسمات للقدس والمسجد الأقصى، والأرزة وهياكل بعلبك والقلاع من التراث اللبناني”.
تحف نادرة
مدينة صيدا تستضيف مهنة “الحفر على الخشب”، وإن تراجع عدد العاملين بـ”الصنعة”، وسرّ تعلق أبناء المدينة بها، لأنهم يرون فيها أنها من الحرف التراثية الأصيلة والعريقة، ذات الجذور المتأصلة بتاريخ الفن المتجدد بإبداعاته وحيويته. ويقول سامر الجردلي إن “الحفر على الخشب لا يقتصر على القطع النحتية فقط، بل إن جمال الزخرفة الخشبية تراه من خلال التحف النادرة في المساجد والأضرحة والبيوت القديمة الزاخرة بالنقوش و”المنمنمات” المبتكرة التي لا يزال بعضها باقيا حتى اليوم. وتمثل مجموعة التحف الخشبية كنوزاً من فنون العمارة والزخرفة، كالسقوف المحفورة بالنقوش المذهبة والملونة، وهذه النماذج حظيت باهتمام خاص لدى الحرفيين الذين زادوا عليها كتابات كوفية ونسخية متعددة”. وتطول الحكايات مع ممتهني الحفر على الخشب، ومنهم طريف إبراهيم، الذي احترف المهنة باكراً (عام 1977)، حيث تعلم الديكور والتصميم والحفر على الخشب وزوال العمل بداية في منزله، بعدما التحق بدورة تدريب على هذه الأعمال في ألمانيا، التي قضى فيها حوالي الـ 3 سنوات، ليعود ويفتتح محترفه الأول على “الكورنيش” الشرقي في صيدا، ومن ثم بناية “المرجان”، و”سنتر الزعتري” حيث أسس محترف “ركن التراث”.
يقول إبراهيم نحت الخشب يحول القطع الخشبية إلى لوحات ابداعية رائعة الجمال، وجميعها ترمز إلى التراث العربي والإسلامي، والى معالم تدل على تاريخ وآثار بعض البلدان”، موضحا أنه شارك في العديد من المعارض الحرفية والتراثية في لبنان والخارج، وكل ذلك في سبيل المحافظة على هذه الحرفة التي تنير وجه لبنان، وتعكس صورة حقيقية للتراث والأصالة وما تحمله المهارة اليدوية من فن وخبرة.
المصدر: بيروت