أعطوا الطريق حقه
إن حياة الإنسان كما نلاحظ تطورت بتطور الوسائل التي يستعملها ويستخدمها، وهذه الوسائل العصرية وإن كانت قد عززت رفاهية الإنسان ويسرت عليه الكثير من شؤونه، إلا أنها لا تخلو من مخاطر إن لم نحسن استعمالها، فالكهرباء والغاز مثلاً أصبحا بالنسبة إلى العائلة من ضروريات البيت، لما لهما من عديد المزايا والفوائد، إلا أن سوء الاستعمال، أو الإهمال أو عدم الانتباه عند الاستعمال، يجعل من هذين المرفقين خطراً محدقاً يهدد حياة الإنسان.
وكذلك الشأن بالنسبة إلى وسائل النقل التي تنوعت وتعددت وانتشرت، وهو مظهر من مظاهر التنمية الاجتماعية، ونعمة من نعم الله علينا، وليس من المعقول أن تتحول هذه النعمة نقمة على الإنسان، فعوض أن تكون هذه الوسائل نافعة تيسر على الإنسان حياته، فإنها تصبح وبالا عليه، وخطراً داهماً يتهدد حياته ويترصدها.
هذا هو واقعنا، وكلنا نلاحظ أن وسائل النقل على اختلاف أنواعها أصبحت تمثل ظاهرة خطيرة على المجتمع وعلى الاقتصاد، وهي ظاهرة حوادث الطرقات، هذه الظاهرة التي أصبحت تقض المضاجع وتشغل البال، فقد أصبحت سبباً هاماً من أسباب الوفاة، وكذلك سبباً هاماً من أسباب الإعاقة والسقوط البدني.
وتفيد المنظمة العالمية للصحة بأن قتلى حوادث الطرقات في العالم يمثل 4 أضعاف قتلى الحروب، وبذلك فإن حوادث المرور تأتي في صدارة الحوادث التي تفتك بالإنسان. إن الأمر كما ترون خطير، وإننا جميعاً مسؤولون عن التبصير بخطورة حوادث الطرقات، فمسؤولية الحد من هذا النزيف المتواصل تبقى بأيدينا، حيث يتعين على كل واحد منا، سائقاً أو مترجلاً، أن يتحلى بالأخلاق الكريمة، وأن يلتزم السلوك المدني الحسن، من يقظة ورصانة وانتباه وصبر ومسؤولية، ومن رشد وحزم، ذلك أننا نعيش في مجتمع، ولا بد أن نقرأ للغير حساباً، فسلامة الطريق مسؤولية مشتركة، وفي سلامتها سلامتنا، وحماية لأنفسنا وحماية لعائلاتنا ولمجتمعنا.
وبقدر ما تكون حوادث المرور مصدر قلق وحيرة، بقدر ما تدعو أسبابها إلى مزيد الانشغال واليقظة، ذلك أن التهور والتسيب وعدم احترام قواعد المرور وقوانينه هي أهم أسباب هذه الحوادث، فالإهمال والإفراط في السرعة والانشغال بغير الطريق أثناء السير، والانفعال، من أهم ما يكون سبباً في الحوادث. إلا من سمات المسلم الانضباط واحترام الآخر والقواعد العامة، ومن سماته كذلك الرفق والأناة عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير.
فالسياقة في أناة ورفق ووعي كامل، بعيداً عن التعصب والإرهاق، وعن الغضب والانفعال، وفي احترام تام لقواعد السير، هي السبيل الحقيقي إلى التخفيف من مخاطر الحوادث.
ولابد من تذكير بعضنا البعض بدورنا كأولياء وعائلات لتربية أبنائنا على السلوك الحضاري، وتعريفهم بقواعد السلامة المرورية، وترسيخ قيم المسؤولية لديهم حتى ينشأوا على القيم المدنية النبيلة، ويكونوا بذلك سنداً لسلامة المجتمع ولسلامة طرقاتنا.
د. سالم بن نصيرة