ترتبط دباغة الجلود بعيد الأضحى المبارك وتزدهر بشكل كبير في هذه المناسبة التي تمثل أكبر سوق متاحة للمدابغ لشراء كميات هائلة من جلود الأضاحي، إضافة إلى أن نسبة كبيرة من المغاربة يفضلون تحويل جلود أضاحيهم إلى سجاجيد ما ينعش صناعة دباغة الجلود. وتجيد بعض ربات البيوت خاصة القرويات التعامل مع جلود الأضاحي في البيت والاستفادة منها في أثاث وديكور البيت وتخليد ذكرى عيد الأضحى كل عام. موسم الدباغة تعتمد أغلب ورش الدباغة على الأطفال الذين يعملون في مدابغ الجلود لإعالة أسرهم الفقيرة، بينما تسيطر على ورش الدباغة في المغرب أسر عريقة تتوارث هذه الحرفة، وتشتهر مدينة فاس العتيقة بدباغة الجلود ففي منطقة “العرسة الكبيرة” توجد عدة ورش للدباغة، تمتد مساحتها الإجمالية على حوالي 3500 متر مربع، يعمل فيها قرابة 700 صانع، يتوزعون على 400 محل لصنع المنتوجات الجلدية. والى جانب هذه الورش توجد محلات تجارية تتخصص في بيع كل المنتجات ذي الصلة بالجلود. وتشهد مهنة الدباغة في أيام عيد الأضحى ذروة نشاطها، ويقوم عمال المدابغ بدور مهم في هذا العيد حيث أنهم يحولون دون تراكم مخلفات عمليات الذبح ويقومون برفع الجلود ومنع تراكمها، حيث تستقبل المدابغ جلود الأضاحي وتعتمد عليها بشكل كبير في الرفع من إنتاجيتها، في هذا السياق يقول عامل الدباغة إبراهيم بن عرفة “تعد أيام عيد الأضحى أهم مواسم الرواج لهذه الحرفة حيث يتم شراء وتخزين كميات كبيرة من الجلود لأنها تكون أرخص من الأيام العادية”. وعن معاناة الصانع التقليدي في حرفة الدباغة، يقول بن عرفة “نعاني من ارتفاع أسعار المواد التي تستخدم في صباغة الجلود، وقلة العاملين في الورش لأن أرباب العمل يرفضون تشغيل عدد كبير لتحقيق هامش ربح، لكن المشكلة الكبيرة التي نعاني منها هي بيئة العمل حيث تمتلئ المدابغ والورش بالمواد والروائح الكريهة التي تصيب بالأمراض والميكروبات الخطيرة مما يرفع احتمال إصابة العامل بالمرض نتيجة التعامل مع الجلود يوميا”، مضيفا أن نسبة المخاطرة في العمل بالدباغة مرتفعة بسبب التعامل مع الآلات الخطيرة على الأصابع واستخدام الأصباغ والمواد الكيماوية في مراحل دباغة الجلود والتي قد تصيب الشخص بالسرطان والأمراض الصدرية والجلدية. صناعة الجلد يفسر بن عرفة انتعاش حرفة الدباغة وارتفاع الصادرات الجلدية إلى انخفاض سعر المواد الجلدية الأولية وتوفر اليد العاملة المدربة، ويقول “نستعمل جلود الأبقار والأغنام والماعز والخيل والحمير وننتج الأحذية بكل أنواعها حتى النعال التقليدية، إضافة إلى الحقائب والأحزمة والملابس الجلدية والسروج والأثاث مثل الأرائك والكراسي الجلدية، كما ننتج الدمى ومنتجات التزيين”. ورغم أن المدابغ تستقبل كميات هائلة من الجلود بعد العيد، إلا أنها لا تستفيد من هذه الكمية الكبيرة، وفق بن عرفة، بسبب وجود عيوب في الجلود أثناء الذبح، حيث لا يراعي بعض الجزارين الدقة أثناء الذبح والسلخ مما يؤثر على جودة الجلد، إضافة إلى ترك الجلود عدة أيام بعد العيد مما يؤدي إلى تردي حالتها. وتشكل صناعة الجلود بكل أصنافها قوة اقتصادية مهمة في المغرب، فصادرات المنتجات الجلدية تساهم في إنعاش الاقتصاد المغربي، وتحتكر الأسواق الأوروبية صادرات المنتجات الجلدية المغربية حيث يوجه إلى هذه الأسواق نحو 94.3% من المنتجات، وتشكل الأحذية الحصة الأكبر من هذه الصادرات حيث تبلغ نسبتها 70.5%، ويصدر المغرب نحو 20 مليون حذاء في السنة، يحمل أغلبها علامات عالمية معروفة. كما يساعد هذا القطاع في ارتفاع الناتج الداخلي الخام حيث يساهم في إعالة العائلة المغربية، ويعد أحد مجالات الإبداع المغربي دون منازع، حيث يقبل عليه السياح بشغف كبير. وتوجد أهم الشركات المغربية المتخصصة في دباغة وتصنيع الجلود وتصديرها في فاس والدار البيضاء.