الإنتاج الدرامي يسحب البساط من تحت أقدام القنوات الإخبارية
استطاعت الأحداث التي يشهدها العالم العربي منذ أشهر عدة استقطاب عيون وآذان المشاهدين، لمتابعة الفضائيات الإخبارية والتنقل بينها على مدار اليوم والليلة، مشدوهين لما يحدث في بلدان عربية من تغيرات متسارعة كانت أكبر من أن يتوقعها أحد، ولكن مع بداية الشهر الكريم وحدوث الزحف “المسلسلاتي” انفض كثير من الناس عن متابعة قنوات الأخبار، متحلقين حول ما تعرضه الشاشات من أعمال درامية.
للمسلسلات والبرامج الرمضانية نكهة خاصة قادرة على التغلب على ما عداها من عوامل الجذب التلفزيوني. يقول أمجد الحسيني (35 سنة) محاسب، إنه بالفعل ظل متابعاً لكل الأحداث والتقلبات الجارية في العالم العربي على مدار ثمانية أشهر، منذ واقعة إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي لنفسه وانطلاقة ما يعرف بـ“الربيع العربي”، وما تلاه من تغيرات، فقد ظل حريصاً على متابعة الفضائيات الإخبارية لمعرفة كل جديد، ولكن مع حلول الشهر الفضيل وعرض مجموعة من المسلسلات الدرامية ذات القيمة العالية تحول اهتمام الحسيني بشكل تدريجي إلى الأعمال الرمضانية، من أجل الاستمتاع بمستواها العالي، وفي الوقت نفسه الابتعاد عن الضغط العصبي والنفسي الذي يسببه التحديق المستمر في نشرات الأخبار.
طقوس خاصة
أوضح الحسيني أن شهر رمضان له طقوس خاصة، منها اجتماع أفراد الأسرة على اختلاف أذواقهم حول شاشات التلفزيون، بعكس الأيام العادية، التي لا تحدث فيها مثل تلك التجمعات، ولذلك ليس هناك أفضل من الدراما الرمضانية لجمع أفراد الأسرة كونها تقدم مستويات فنية جيدة، وموضوعات مهمة، قد تمثل اهتماماً مشتركاً لغالبية أفراد الأسرة.
من ناحيته، ذكر حمد المنصوري (28 سنة)، أن شهر رمضان يقدم وجبة دسمة من البرامج والمسلسلات الممتعة، وتتنافس فيه الفضائيات على تقديم أفضل ما لديها، ولذلك استطاعت الفضائيات الدرامية سحب البساط من القنوات الإخبارية مع حلول الشهر الكريم، مبيناً أنه يتابع بعضاً من هذه الأعمال مثل مسلسل “كريمة” الذي يعرضه تلفزيون أبوظبي، مفضلاً الابتعاد عن أخبار السياسة، على الأقل خلال هذا الشهر.
وأوضح أن القنوات الإخبارية غالباً ما تحمل توجهات معينة يفرضها أصحاب تلك القنوات، ولذلك يحرص حتى في الأيام العادية على عدم الإكثار من مشاهدتها، ويكتفي بمعرفة ما يحدث من خلال مشاهدة بعض نشرات الأخبار فقط، وليس متابعة البرامج الحوارية فيها والتي تقوم على التشهير، والهجوم على الطرف الآخر لتحقيق فرقعة إعلامية، ونجاح شخصي لمقدمي تلك البرامج.
أما صديقه عبيد حمدان (32 سنة)، فقد أكد أنه يكاد يقاطع التلفزيون بالإجمال في رمضان، ويرى أنه شهر للعبادة وذكر الله، وتبادل الزيارات مع الأهل والأصدقاء، ومع ذلك أشار حمدان إلى أن شهر رمضان يأتي دائماً ببرامج وبعض المسلسلات الجيدة التي تستطيع أن تجذب الكثيرين، وتجبرهم على متابعة بعض أحداثها، خاصة المسلسلات التي تعرض لشخصيات تاريخية، وهي نوعية محترمة من الدراما تتوافر بغزارة فقط خلال شهر رمضان، وقال إنه قرر عدم متابعة أي مسلسل وتأجيل ذلك إلى بعد انقضاء الشهر الكريم، لأنه من المؤكد أنه ستتم إعادة كل المسلسلات على أي من القنوات الفضائية.
وفيما يتعلق بالقنوات الإخبارية، أكد حمدان أن كثيراً من المشاهدين لا يزالون يتابعونها ويحرصون على معرفة آخر الأخبار عما يدور في البلدان العربية، ولكن ليس بالقدر نفسه الذي كان يحدث قبل رمضان، فضلاً عن أن معظم هذه الفضائيات تعيد الحدث نفسه تقريباً على مدار اليوم ولكن عبر رؤى مختلفة، وهو ما قد يصيب المشاهدين بالملل، فينصرفون عنها إلى متابعة الأعمال الرمضانية.
مسلسلات ناجحة
ذكرت سناء عبدالحميد (25 سنة) أن هناك مجموعة مسلسلات ناجحة تعرض خلال شهر رمضان، ومنها الكوميدي والدرامي والتاريخي، ولذلك من الطبيعي أن تحقق نسبة مشاهدة أعلى من القنوات الإخبارية على الرغم من سخونة الأحداث في العالم العربي حالياً والتي جعلت الجميع خلال الأشهر الماضية يتابع بشغف كل ما تذيعه الفضائيات الإخبارية.
وقالت إنها تحرص حالياً على متابعة عدد من هذه المسلسلات الناجحة مثل “الكبير”، مؤكدة أنها تشاهد المسلسلات التي تحمل قيمة عالية سواء كوميدية أو تاريخية.
من ناحيته، أوضح عدنان خيرالله، صاحب عمل خاص (31 سنة)، أن شهر رمضان يشهد تقديم مجموعة من المسلسلات والبرامج جيدة المستوى خاصة المسلسلات الكوميدية، ما يجعلها قادرة على جذب المشاهدين لمتابعة ما تعرضه، والاكتفاء بأقل القليل من مشاهدة الفضائيات الإخبارية.
وذكر خير الله أنه حدثت تخمة إخبارية له خلال الفترة الماضية، وأن شهر رمضان يعد فرصة له لإراحة أعصابه من الضغط الذي تسببه مشاهدة تلك القنوات باستمرار بما تذيعه من أخبار صراعات وقلاقل على مدار الساعة، لافتاً إلى أن متابعة الأعمال الرمضانية سواء مسلسلات أو غيرها، باتت من الطقوس الرمضانية في مختلف البيوت، وهو ما يجعلها بلا شك صاحبة النصيب الأعلى من المشاهدة في معظم البيوت العربية.
في المقابل، قال سلطان المريخي (28 سنة) إن رمضان هو شهر القرآن والقرب من الله، ولذلك يحرص على التقليل من وقت المشاهدة التلفزيونية سواء لقنوات الأخبار أو العادية، ومع ذلك فهو لا يستطيع التوقف عن متابعة ما تبثه الفضائيات الإخبارية، كونها فعلاً أحداثاً مثيرة، أما عن المسلسلات الرمضانية وغيرها من برامج المسابقات، والتي تنشط الفضائيات في عرضها خلال هذا الشهر، فأكد المريخي أنه لا يهتم بمتابعتها، كون اليوم يكون مقسماً بين العمل وقراءة القرآن حتى وقت الإفطار، وبعد ذلك ينصرف لصلاة التراويح، والتزاور مع بعض الأهل أو الأصدقاء.
وأوضح المريخي أن القنوات الإخبارية استطاعت خلال السنوات الماضية تكوين مشاهد خاص بها، وأنه يعتبر نفسه واحد من هؤلاء المتابعين بشغف لها، غير أنه قال “شهر رمضان يفرض علينا جميعاً أن نصرف جل وقتنا للعبادة وذكر الله، وليس لمتابعة الفضائيات، خاصة ما تبثه من مسلسلات قد لا تتناسب مع قدسية الشهر الكريم”.
أساليب الترويج
قال منصور عبدالله (34 سنة) إنه في الأيام العادية لا يشاهد التلفزيون تقريباً بسبب ظروف العمل وضيق الوقت، ولذلك كان يكتفي بمتابعة بعض عناوين الأحداث أحياناً لمتابعة التغيرات في العالم العربي.
وأكد أنه لا يزال على الحال نفسها ويشاهد بعض الأخبار السريعة عن تلك التغيرات، موضحاً أنه لا يهتم كثيراً بالأعمال الدرامية أو البرامج التلفزيونية الرمضانية، كونها تضر أكثر ما تفيد، بحسب قوله، لأن شهر رمضان فرصة للجميع للتقرب من الله، سواء بالإكثار من الصلوات أو قراءة القرآن وغيرها من أعمال الخير، أما المسلسلات فهي موجودة على مدار العام، ويمكن لمن يريد أن يتابعها أن يفعل ذلك في أي وقت بعيداً عن الشهر الكريم، وما يتطلبه من تكريس الوقت للعبادة والذكر، وليس متابعة أعمال قد تفسد صيام الكثيرين، وتضيع عليهم حلاوة الشهر، بما تحتويه من مشاهد وموضوعات لا تليق بشهر رمضان.
من جهتها، أوضحت الاختصاصية النفسية فرح مرزا أن هناك عوامل عديدة تدفع الأفراد إلى العزوف عن متابعة القنوات الإخبارية خلال شهر رمضان، يأتي في مقدمتها ضيق الوقت، حيث ينشغل الناس في الفترة الصباحية بالعمل وقراءة القرآن والتعبد، أما في المساء فتكون صلاة التراويح وزيارات الأهل، أو الاجتماع مهم من أجل مشاهدة مسلسل ما، مؤكدة أن تنافس القنوات التلفزيونية العادية في تقديم أعمال متميزة خلال هذا الشهر تحديداً عن بقية أشهر السنة يجعل كثيراً من الأسر مترقبين لما يذاع من مسلسلات وبرامج جديدة. ولفتت ميرزا إلى دور أساليب الترويج التي تلاحق الناس سواء في الشوارع أو عبر شاشات التلفزيون في الـتأثير على ما يحبون مشاهدته خلال شهر رمضان، فتزداد عندهم الرغبة في مشاهدة تلك الأعمال.
وهناك عنصر بالغ الأهمية شددت عليه مرزا، يتمثل في كثرة الضغوط العصبية والنفسية التي تحدثها متابعة الأخبار السياسية للمشاهدين، ولذلك تعد برامج رمضان ومسلسلاته متنفساً ومهرباً لهم من الزخم الإخباري الذي عاشوه طوال الفترة السابقة، مبينة أن الناس في هذا الشهر يحاولون الابتعاد بقدر الإمكان عن مسببات الضغوط المختلفة، ويلجأون إلى برامج التلفزيون العادية، للاستمتاع بالأعمال الجيدة والمتنوعة المعروضة خلال هذا الشهر، وفي الوقت نفسه يكون اهتمامهم الأول التعبد وفعل الخيرات، واغتنام فرصة الشهر الكريم لتحصيل أكبر قدر من الحسنات، وإنجاز الطاعات لله رب العالمين، أما القنوات الإخبارية، فتمنح نفسها هدنة من أغلب ما تقدمه إلى حين انتهاء الشهر الكريم.
المصدر: أبوظبي