تعيش فاطمة عبيد زايد المغني النقبي بمنزلها بمنطقة المديفي في خورفكان. قالت إن جدها ذهب إلى مدينة كلباء في الزمن البعيد، وتزوج هناك من عائلة اليماحي وعندما بدأت فاطمة في التعرف الى البيئة المحيطة بها، وجدت أنهم يعيشون بالقرب من المحطة وقصر الحاكم والمضيف، وكانت المنطقة ملتقى الساسة والشعراء والمثقفين، وارتبطت بروابط أخوة وصداقة منذ طفولتها مع بنات الشيخ. لغة إكرام الضيف تقول فاطمة، إن أول مدرسة تأسست هناك كانت مدرسة “جميلة بوحريد” للبنات، ومدرسة “سيف اليعربي” للبنين، وكان الذهاب إلى المدارسة سيرا على الأقدام، ووجدت فاطمة في جدتها تلك الشخصية المعلمة، حيث كانت تزرع فيهم معايير القيادة والعيش من أجل الآخرين، وأن اللقمة لا تصنع لواحد وإنما يجب أن ينتظر الإنسان أحدا قادما ليتقاسمها معه، والضيف مقامات وكانت هناك لغة تخاطب بالإشارة عندما يكون هناك ضيوف، حيث تتذكر فاطمة أن أشارة بأصبعين تعني أن يتم ذبح الدجاج للضيف، وأن إشارة بأربعة أصابع فذلك يعني أن تقدم ذبيحة، وعدد الأصابع هو عدد أرجل الدجاج أو قوائم الغنم أو الماعز. وتذهب فاطمة بذاكرتها إلى المصيف وأيام المقيض وتغيير مكان المعيشة من البيئة الشتوية إلى البيئة الصيفية، حيث يصبح المصيف مكانا ثقافيا عاما يلتقي من خلاله القادمون مع المقيمين وأيضا العائدون من السفر في الخارج، ليتم تبادل الأخبار وما يحدث خارج المنطقة، ويتابع الأهالي والمصطافون أحوال الأمة العربية وأحوال الحروب، ومن ذهبوا في سفرات للتجارة أو العلاج أو لزيارة صديق أو قريب. وأهم ما كان في ذلك الزمن هو التواصل المباشر، حيث لم يكن بين الأقارب والصديقات أو الأصدقاء مع بعضهم اتصالات هاتفية، وإنما كان الجميع ينتظرون الصيف لأجل لقاء الأحبة من كل مكان، وقد حظيت فاطمة بملكة خاصة بها وهي حب الآخرين الذين يصبحون أقرب إليها من قلبها، ولذلك أصبح لها في كل منطقة مجموعة من الصديقات كأنهن أخوات، وبعدما تم تسجيلها للدراسة وجدت لها متسع لمزيد من الأخوات. وتصف تلك المرحلة قائلة، إن المدرسة كانت واحدة للبنين وأخرى للبنات، ولكنها كانت مقسمة بالتساوي بحاجز بين الطلاب والطالبات؛ لأن الدين كان الأهم والعمود الأول في أساس بناء الأخلاق والعادات الأصيلة حصن لحفظ الكرامة وفي الوقت ذاته يتيح الحرية، وبعد عام تم فتح مدرسة خاصة للفتيات، وكانت فاطمة قد وصلت للمرحلة الإعدادية، وشهدت هناك مع زميلاتها ولادة الاتحاد وشاهدت علما جديدا يرتفع على السارية للمرة الأولى هو علم اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة. في تلك المرحلة، كانت براعم العروبة والقومية العربية قد نمت عند من كانوا قبلها في العمر، وبدأت في عمرها تنبت البراعم الجديدة في كيان كل من كن في عمرها؛ فالطالبات يحملن الراديو معهن إلى المدرسة، وفي أوقات الفراغ يستمعن للإذاعة من القاهرة وينصتن إلى خطب جمال عبدالناصر. في مرحلة حرب أكتوبر لا تنسى فاطمة عندما سمعن خبر سقوط خط بارليف فهتفت الطالبات مكبرات “الله اكبر الله أكبر” داخل الفصول وفي ساحة المدرسة، وقد أصبحت تدرك بعد عدة سنوات أنها كانت ضمن جيل رغم عدد السنوات العمرية القليلة، إلا أنه جيل مدرك لما يدور حوله، حيث تعمل كل فتاة لجمع الأخبار ليلا لتستمع إليها جميع الطالبات والمعلمات صباحا في الإذاعة المدرسية. لم تنس فاطمة الأيام التي شهدت فيها الإمارات مسيرات غاضبة، ضد احتلال الجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى العربية، وكانت الرسائل الخطية الورقية الوسيلة المتوافرة لنقل المعلومات وتبادل المشاعر، ووسيلة التعبير عن كل ما يجول في الخواطر. وفي عام 1977- 1978 كانت فاطمة تتخرج ضمن الدفعة الأولى من الثانوية العامة، وقد بلغ عدد طالبات العلمي واحدة وثلاث طالبات من الأدبي، ومنهن طالبات مدرسة باحثة البادية في مدينة خورفكان، وكن الدفعة الأولى التي تدخل إلى جامعة الإمارات. وتكمل قائلة، إن والدها رحمة الله عليه، قال لها إنها قد تمت خطبتها، وعليه أن يبرئ ذمته، وأن عليها أن تتفاهم مع زوجها حول موضوع تعليمها إن كانت ترغب في إكماله، وقد قررت فاطمة الزواج؛ لأن الفتاة بإمكانها أن تكمل تعليمها في أي وقت، لكنها لا تستطيع أن تتزوج في أي وقت، وقد كانت فتاة تربت على العيش وسط أسرة كبيرة مترابطة، وكانت تحلم بتكوين أسرة خاصة بها فتزوجت وانجبت باسم وهدى ومروة. المشوار المهني تقول فاطمة إنها عندما كانت في الصف الأول الثانوية، وفي عام 1973 سمعت أن جمعية نسائية سيتم تأسيسها في إمارة الشارقة، وطلبت من بعض المعلمات عنوان الجمعية، وقد ساعدتها مريم عبيد مفتاح، وهي من أوائل المعلمات وذهبت لطلب فتح فرع للجمعية في كلباء، وقامت بمقابلة الشيخة نورة بنت سلطان القاسمي، رحمة الله عليها، وكانت آنذاك رئيسة جمعية الاتحاد النسائية التي تتبع للاتحاد النسائي العام للدولة. بعد ذلك تم فتح مراكز انتساب لجامعة الإمارات، وتلك المراكز كانت الخطوة الذكية للحكومة الرشيدة للدولة، التي كانت بحاجة لكوادر متعلمة وفي ذات الوقت كانت هناك ظروف تعوق تحقيق تلك الرؤى، ومنها أن الجامعة كانت في مدينة العين، والراغبون في إكمال تعليمهم إما موظفون أو ربات بيوت أو معلمات في مناطق مختلفة من إمارات الدولة، ولذلك كان الانتساب مثل زوارق النجاة التي قامت بالتقاط كل روح تتوق إلى العلم لتضعها في المكان الصحيح. الذي زف الخبر الخاص بفتح مراكز الانتساب هو زوجها، ورغم ذلك أبت تلك الزوجة إلا أن تشاور والدها الذي ضحى بالكثير لأجل أن يكون لها شأن، وقد أرادت أن تقول لوالدها بطريقة غير مباشرة، رغم أنها زوجة، إلا أن له شأنا كبيرا عندها وعند أسرتها الصغيرة، وأنه سيبقى كبير العائلة ورأيه يعتد به، وقد شجعها على التسجيل، ودخلت وتميزت وكانت خلال دراستها الجامعية قد تطوعت للعمل في مركز دبا الحصن لتحفيظ القرآن، وتقبل على أعمال تطوعية من ذاتها، ومن ذلك تطوير قدرات الفتيات وحث الكبيرات منهن على التعليم في المراكز المسائية لتعليم الكبار وللانخراط في العمل. وعملت أيضا في مركز حليمة السعدية، كما كان زوجها هو أيضا ممن عملوا في مركز لتحفيظ القرآن، وعند بداية زواجها لم تكن تعمل في الشتاء، ولكنها تتطوع في الصيف للعمل، وقد جاء لهم ذات يوم رجل ليخبرهم أن هناك طلبا من ديوان الحاكم بالشارقة، يشملها مع بعض المعلمات لإجراء مقابلة، وتمت المقابلة وتم تعيينها في 27 يناير من 1979 مديرا لمركز التنمية الاجتماعية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية. حب العمل التطوعي نشأت فاطمة عبيد زايد المغني النقبي على حب العمل التطوعي الذي كبر معها عاما بعد عام منذ كانت طالبة، ومن خلاله أصبحت تلقى محاضراتها لمعالجة الظواهر والمشاكل الاجتماعية، وأهمية العمل التطوعي، وأيضا تقدم دورات لتعليم الإتيكيت والبروتوكول؛ لأن كل ذلك من ضمن باقة الأخلاق الإسلامية. وحولت مجلسها إلى صالون اجتماعي تقيم من خلاله استقبالات للسيدات والأمهات والفتيات، وتستضيف المناسبات التي تحث على التقارب، وذلك بالتعاون مع الجهات المختصة، وحين تأتي الشخصيات التي تدير شؤون خورفكان ودبا الحصن، فإن هناك مجلسا للنساء وآخر للرجال يتم من خلالهما تنفيذ الفعالية أو البرنامج.