نظم المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل رئيس الدولة أمس الأول في مقر المركز بأبوظبي محاضرة نقدية قدمها الناقد السعودي سعيد السريحي تحت عنوان “الرواية ومأزق الهوية، قراءة للتجربة الروائية في الخليج العربي” بحضور نخبة من الشعراء والكتّاب والمهتمين بالشأن الروائي. وفي تقديمها للمحاضر سعيد السريحي قالت الإعلامية جنات بومنجل: “إن الدكتور الناقد سعيد السريحي من أبرز الأصوات المثقفة في المملكة العربية السعودية والعالم العربي، وهو صوت حداثي، يعمل حاليا مساعدا لرئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية، ومشرفا على الأقسام الثقافية المتخصصة، وهو عضو تحكيم جائزة بلند الحيدري التي يمنحها مهرجان أصيلة للمبدعين العرب، وقد شارك في عدد من المهرجانات الثقافية والندوات العلمية التي عقدت في الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في مختلف مدن السعودية. وأضافت “كما شارك بأبحاث وأوراق عمل في مؤتمرات وندوات علمية عقدت في عدد من العواصم العربية والأوروبية منها الكويت والمنامة وأبوظبي والشارقة ودمشق والقاهرة والاسكندرية وتونس والجزائر والرباط والدار البيضاء وفاس وأصيلة وباريس وزيورخ. وصدرت له خمسة مؤلفات حول الادب والشعر والقصة والرواية”. واستهل سعيد السريحي محاضرته بتوطئة أشار فيها إلى مجموعة من الأسئلة حول واقع الرواية الخليجية الآن، وتحديداً الرواية السعودية متمثلة بالروائي عبده خال وروايته “ترمي بشرر” التي فازت بجائزة البوكر عام 2010 كونه - بحسب السريحي - فوزاً مستحقاً. وأشار السريحي إلى برهان مهم - من وجهة نظره - “على أن الخليج العربي عبر فوز عبده خال قادر على المشاركة في صياغة الخطاب الإبداعي العربي الحديث وتجاوز مرحلة التبعية والتلمذة على يد عواصم ومراكز عربية عريقة مسبقة بعقود طويلة إلى هذا المضمار وكونت الواجهة الثقافية العربية التي تتقدم فيها المحافل العالمية باعتبارها ممثلة للأدب العربي الحديث”. وقال السريحي: “إن هذا الفوز له دلالته الخاصة من حيث كونه علامة على تبلور الطبقة الوسطى على نحو يجعلها قادرة على ترجمة آمالها وآلامها عبر فن قائم على تعدد الأصوات والاعتداد بالحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي كمنتج للفن من ناحية ومستهلك له من ناحية أخرى”. وربط السريحي إشكالية الرواية الخليجية في قضية التداخل بين الرواية والهوية وقال: “تتكشف أبعاد الجدل بين الرواية والهوية إذا ما تواطأنا على النظر إلى الرواية من حيث مضامينها وعوالمها على أنها سجل اجتماعي يرصد حركة التغيير التي تطرأ على المجتمع وتؤثر على سلوكه وهو ما يجعل العمل الروائي من حيث المبدأ متسماً بالصدمة لمفهوم الهوية في بعدها المعياري المحافظ الذي ينظر إلى هذه التغييرات التي تطرأ على المجتمع على أنها مجرد انحرافات عما ينبغي أن يكون عليه”. وأكد السريحي أن القلق من الرواية يبدأ عندما تصبح مدونة، ذلك أن التدوين تعبير عن الاعتراف، وأضاف: “وإذا ما انتهينا إلى أن الرواية تشكل تحدياً لمفهوم الهوية - كونها تمتلك تعددية صوتية - أمكن لنا أن نتفهم ذلك التوجس من الرواية وتلك النظرة المرتابة فيها والتي تبدأ من التقليل من شأنها كجنس أدبي وتنتهي على تحريمها باعتبارها ضرباً من الكذب”. وحاول السريحي الرجوع إلى تاريخ الرواية الخليجية عبر كتاب “المعرض” الصادر في الحجاز سنة 1925 باعتباره أول كتاب صدر في العهد السعودي وتضمن سلسلة من المقالات كتبها عدد من أدباء تلك الفترة إجابة على سؤال طرحه محمد سرور صبان يتعلق بمرتكزين أساسيين من مرتكزات الهوية هما العروبة والإسلام وقد تضمن ذلك الكتاب حملة عنيفة على الروايات التي بدأت تأخذ طريقها إلى القراء لمناقشة الشعر والخطابة والمقالة كونها - الأخيرة - فنوناً رفيعة”. وقال السريحي: “تبدو لنا الرواية موازية للتاريخ من وجهة نظر منتقديها ومناقضة له ومستلبة لدوره من حيث هم مصدر للعظة ونظام الحكم وتدبير الأمور”. وأضاف: “وأن التاريخ مصدر للهوية والرواية باعتبارها تهديداً للهوية فهي ضد التاريخ أصلاً على اعتبار سؤالنا هل الهوية مستمدة من التاريخ أو منبثقة من السياق الاجتماعي والثقافي الراهن”. وأضاف: لقد صدرت رواية “التوأمان” لعلي عبدالقدوس الأنصاري عام 1929 وقد قدم لها باعتذار شن فيه هجوماً على الرواية من أجل تكريس قيم الخير والفضيلة. ثم تحدث السريحي عن مفهوم الرواية ديوان العرب، والمقصود بالديوان استبدالاً عن المفهوم القديم بأن الشعر ديوان العرب باعتبار أن الرواية تمثل صوت الحاضر وأحقيته في إعادة صياغة الهوية، وأن الخلاف حول الشعر والرواية حين يتعلق الأمر بالهوية خلاف في تصور الهوية نفسها من حيث ماهيتها وطبيعة مكوناتها واتسامها بالثبات والتحول.