يصل حجم الإنفاق على التسويق في وسائل الإعلام الاجتماعي إلى 3 مليارات دولار (11 مليار درهم) بحلول عام 2013 – 2014، بحسب توقعات أندرو ستيفن، الأستاذ المساعد في التسويق لدى كلية إنسياد لإدارة الأعمال. وأشار ستيفن إلى أن الجهات العاملة في قطاع مبيعات التجزئة من أفراد ومؤسسات باتت تركز على التفاعل مع المشترين. وازدادت أهمية استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي لنشر العلامة التجارية خلال الفترة الأخيرة، بحسب روبن بورتون، المدير المؤسس لشركة آي ويف، وهي شركة متخصصة في التسويق الالكتروني ومقرها لندن، ويضيف “يستطيع جمهور المستهلكين أن يؤثر بفعالية على أي علامة تجارية وفي وقت قصير”، لكن التأثير قد لا يكون إيجابياً بالضرورة وفقاً لفريدريك ونكلر، رئيس فرع وكالة التسويق العالمية “جي دبليو تي” في باريس، الذي يشير إلى النفوذ الذي بات الأفراد العاديون يتمتعون به الآن، وهو تغير لم تخطط العديد من الشركات لمواجهته بعد، لكنه ينبه إلى ضرورة استخدام هذا النفوذ لتحقيق أهداف الشركة خاصة التسويقية منها. ومن جانبه، قال باتو نيوتمانس، رئيس العمليات الالكترونية لدى مجموعة أوغلفي في أوروبا وافريقيا والشرق الأوسط، إن المستهلكين يستطيعون مساعدة الشركة على تحديد هوية علامتها التجارية، أما سيبستيان بادلو، رئيس المبيعات في شركة غوغل فرنسا فيقول “لم تعد الشركات تثق بعلامتها التجارية بقدر ما باتت تثق بالناس وآرائهم، حيث يتمتع مستخدمو موقع “تويتر” مثلاً بنفوذ مؤثر على من حولهم”. وقد ترك هذه التوجه آثاراً واضحة على إنفاق المستهلكين، حيث تشير الدراسة التي قام بها ستيفن حول العادات الاستهلاكية في قطاع المنتجات الفاخرة إلى أن مواقع الإعلام الاجتماعي باتت تتمحور حول تثقيف المستهلك الذي أصبح يستخدم شبكة الانترنت للبحث عن الأسعار والخيارات المتاحة أمامه وغيرها من الأمور المرتبطة بقرار شراء المنتج. بدأت وسائل الإعلام الاجتماعي بالدخول إلى قطاع المنتجات الفاخرة، على الرغم من أن نمط المستهلكين عموماً في هذا القطاع عادة ما يتكون من فئة أكبر عمراً من أن تستخدم الـ “تويتر” مثلاً، لكن العديد من الماركات الفاخر على غرار “هرمس” و”ريتشموند” قد بدأت بتطوير استراتيجيتها لمواكبة هذه المستجدات، لكن متوسط المبلغ الذي قد تدفعه أغلبية المستهلكين لشراء منتجات فاخرة على شبكة الانترنت يصل إلى 5 الاف دولار كحد أقصى. المنتجات الفاخرة من جانبه، يقول فريدريك غودهارت، الباحث لدى كلية إنسياد والمتخصص في قطاع المنتجات الفاخرة إن الشركات العاملة في هذا القطاع باتت تتبنى مزيجاً من وسائل الإعلام الاجتماعي لعرض منتجاتها، لكن لم يكن الوصول إلى هذه الاستراتيجية أمراً سهلاً، فعلى سبيل المثال، أطلقت مجموعة LVMH الشهيرة في عالم المنتجات الفاخرة موقعاً الكترونياً منذ عشر سنوات بعنوان E-luxury، لكن تم إغلاقه مؤخراً ولجأت الشركة إلى إعادة توزيع كل ماركة لديها على حدا بعيداً عن استراتيجية البيع على نطاق منتجات المجموعة ككل، حيث أثبتت التجربة أن المستهلكين قد تجذبهم حقيبة تحمل علامة “لوي فيتون” أو”ديور” أكثر من اهتمامهم بما تعرضه الشركة من مجموعات لمنتجاتها. وبالرغم من جميع هذه المعطيات، إلا أن وسائل الإعلام التقليدية لا تزال تحتفظ بأهميتها، فالتلفزيون على سبيل المثال يوفر إمكانية إيصال الرسالة الإعلانية إلى شريحة واسعة من المشاهدين في مناطق مختلفة في نفس الوقت وفقاً لبادلو، لكن الأهم أن يكون المزج بين الوسائل التسويقية بالشكل المناسب. بدوره يؤكد كريستوف دوهمل، مدير التسويق في موقع auFeminin.com، المخصص للنساء أن التسويق على شبكة الانترنت باستخدام وسائل الاتصال الاجتماعي قد بدأ بتشكيل نموذج جديد في عالم التسويق. وفي عالم المال والأعمال، وإلى جانب كونها منصة للبيع المباشر، أثبتت وسائل الإعلام الاجتماعي مكانتها كوسيلة سريعة وفورية من خلال تحولها إلى دليل مشتريات للمستهلكين، لكن تبقى المشكلة في أن المعلومات المنشورة قد لا تكون صحيحة أو غير موثوقة دائماً مما يظهر خطورة انتشار معلومات مغلوطة أو حتى الآراء السلبية، وهنا يقول لوتز فنغر، رئيس ومؤسس شركة فيشي أنالاتكس” أصبح كل شخص صحفياً بحد ذاته”، مشيراً إلى أن التعامل مع انتشار الشائعات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي قد بات أكثر صعوبة مما مضى، حين كانت الشائعات تنتشر عبر المكالمات الشفوية أو الهاتفية فقط. دروس وعبر تواجه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية مجموعة من التحديات التي يمكن رصدها من خلال استعراض تجربة المواقع العالمية الأبرز، ومنها موقع التعارف الاجتماعي بيو “BEBO”، الذي كان في صدارة مواقع الانترنت الاجتماعية خلال عام 2008، حتى أنه تفوق على المواقع الأخرى على غرار “فيسبوك” و”ماي سبيس” آنذاك، وبناء على موقعه المتقدم في السوق، قامت شركة AOL العالمية المتخصصة في خدمات الانترنت بالاستحواذ على الموقع مقابل 850 مليون دولار، وذلك بهدف تعزيز موقعها في أسواق الانترنت، لكن وبعد أقل من عامين، برز تغير جذري في عالم الانترنت وتدهورت مكانة موقع “بيبو” بين المواقع المنافسة الأخرى، مما دفع بالشركة إلى التخلص منه ببيعه بأقل من 10 ملايين دولار إلى شركة استثمارية صغيرة وهي كريتريون كبيتال بارتنرز. وشكلت تلك التجربة درساً قاسياً ومكلفاً، حيث كان الوقت مبكراً لتحديد سعر موقع الكتروني للتواصل الاجتماعي حينها وفقاً لأنيت آريس، أستاذ مساعد في الإستراتيجية لدى كلية إنسياد لإدارة الأعمال، حيث يدرك الجميع قيمة المعلومات والخدمات التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت على غرار موقع فيسبوك، إلى جانب الإقبال المتواصل من قبل المستخدمين، لذا بات التركيز على بلورة مصادر للعوائد المالية اعتماداً على هذه المعطيات. وقامت آريس بالتعاون مع كلية وارتون لإدارة الأعمال بدراسة لتحيل آلية تقييم الشركات الماثلة لـ “فيسبوك”، ورصدت عوامل نجاحها التي تتجسد في توفير خدمة محددة تلبي حاجة المستخدمين وتلقى استحسانهم وولءهم، ليتم إثرها توفير المزيد من الخدمات والمنتجات خطوة خطوة. فعلى غرار ما حققه محرك البحث غوغل، الذي كان في المرتبة الرابعة أو الخامسة مقارنة مع باقي المنافسين في بداياته، ليتقدم إلى الصدارة فيما بعد، تشير آريس إلى أن موقع فيسبوك قد سار على نفس الطريق أيضاً، حيث كانت الصدارة في البداية لمواقع أخرى مثل “سيكس دغريز” وفريندستر”، واعتبر الجميع أن تلك المواقع ستتصدر عالم الانترنت. استراتيجية الصدارة نجح موقع فيسبوك في تجاوز منافسيه من المواقع الاجتماعية الأخرى عبر استيعاب حاجة المستخدمين وتلبيتها، واستطاع تعزيز موقعه في المقدمة، فيما بقيت المواقع الأخرى مثل “فريندستر” معقدة أكثر من اللازم ومتخمة بالخدمات والمعلومات. وتقدر قيمة فيسبوك حالياً بما يقارب 15 مليار دولار، واستطاع أن يثبت صدارته التي لا يمكن أن ينافسه عليها أحد، لكن ذلك السيناريو من الصعب أن يتغير، إذ بعد أن تستحوذ شركة ما على شريحة واسعة من المستخدمين، فمن الصعب بمكان منافستها، خاصة مع ازدياد قيمتها بشكل متواصل بحسب آريس، التي تشير إلى أن موقع فيسبوك قد نجح في تلبية احتياجات مستخدميه الأساسية، لذا فليس هناك حاجة أو مكان لمنافس آخر في نفس المجال، ومع أن هذه الحالة قد تتغير بعد بضعة سنوات، لكنها لا ترى حاجة لنموذج مشابه آخر في السوق على المدى المنظور، وحتى في حال نجاح موقع آخر في تحقيق أداء أفضل من فيسبوك في المستقبل، فمن الصعب بمكان أن تتغير خريطة الانترنت الحالية خاصة مع وجود “غوغل” الذي يستحوذ على شبكة واسعة من المعلنين إلى جانب “فيسبوك”، الذي يستحوذ على شبكة واسعة من المستخدمين حول العالم.