دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الخميس الماضي الرئيس السوري بشار الأسد إلى الاستقالة بسبب استمرار القمع الوحشي لشعبه، معتبرا أن الدعوة إلى الحوار التي أطلقها الأسد لا تبدو صادقة في وقت يواصل فيه إطلاق الدبابات والمروحيات الهجومية على المحتجين السلميين في حماة ودير الزور ومدن سورية أخرى. وقال الرئيس الأميركي في بيان له: "لقد قلنا باستمرار إن على الرئيس الأسد أن يقود انتقالاً سلمياً أو يتنحى عن الطريق. ولكنه لم يقم بالقيادة. ومن أجل الشعب السوري، فإن الوقت قد حان لكي يتنحى الرئيس الأسد جانباً". وتعتبر هذه الخطوة الأكثر صرامة التي تتخذها الإدارة الأميركية ضد نظام الأسد حتى الآن. وقد كانت مشفوعة بعقوبات جديدة تجمد كل الممتلكات الحكومية السورية داخل الولايات المتحدة وتحظر على الشركات الأميركية التعامل مع قطاع النفط السوري. وإضافة إلى ذلك، فإن الخطوة كانت جزءاً من هجوم قانوني وشفهي منسق بين عدد من الدول، حيث أصدر كل من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إضافة إلى رئاسة الاتحاد الأوروبي، بيانات تقول إن على الأسد أن يتنحى عن السلطة الآن. غير أن الخطوة التي أقدم عليها أوباما يوم الخميس ربما تأخرت شيئاً ما، على اعتبار أن ما تبدو نية الأسد في التمسك في السلطة بأي ثمن كانت ظاهرة للعيان منذ أسابيع، في وقت زادت فيه قوات الأمن السورية عنف قمعها. وعلى سبيل المقارنة، فإن إدارة أوباما دعت إلى استقالة الرئيس حسني مبارك بعد وقت قصير نسبيا على اندلاع الاحتجاجات في مصر. فلماذا استغرقت وقتاً أطول نسبياً في حالة سوريا؟ أحد الأسباب يكمـن في حقيقيـة أن الولايات المتحـدة كانـت حريصـة على التحرك بتنسيق مع الحلفاء، كما يقول مسؤول رفيع في الإدارة، وذلك على اعتبار أن دعوة للأسد للاستقالة موجهة من قبل عدة عواصم في وقت واحد لديها تأثير أكبر بكثير مقارنة مع دعوة صادرة عن دولة واحدة، حتى وإن كانت تلك الدولة هي الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، قال المسؤول في إدارة أوباما: "لقد كنا نريد التأكد من أننا لا نصدر بيانات فحسب بمفردنا، وإنما نقوم بذلك بطريقة منسقة دوليا". وعلاوة على ذلك، يضيف المسؤول الأميركي، فإن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على سوريا منذ بداية القمع. وبهذا المعنى، يمكن لقول إن الولايات المتحدة كانت أكثر صرامة تجاه الأسد مقارنة مع مبارك، الذي كان حليفاً لأميركا. وقال أيضاً: "خلافا لما حدث في مصر، اتبعنا في سوريا إجراءات عقابية من البداية". وعندما ضاعف النظام السوري جهوده الرامية إلى قمع المظاهرات بالقوة في بداية شهر رمضان، كان من الواضح أن وقت اتخاذ الخطوة الأخيرة والدعوة إلى استقالته بدأ يقترب، يقول المسؤول ذاته. وفي هذه المرحلة أدركت الإدارة أنه لا توجد فرصة لكي يستعيد الأسد ما يكفي من الشرعية حتى يقود سوريا في السلم. وفي هذا السياق، قال مسؤول ثانٍ في إدارة أوباما: "لقد بدأنا نشعر على نحو متزايد بالحاجة إلى تنسيق رد أقوى بالنظر إلى استمرار العنف ضد الشعب السوري". فهل سيستقيل الأسد في الواقع كنتيجة للضغط الدولي؟ يبدو ذلك مستبعداً. ولاسيما أن نموذج مبارك، الذي تنحى طواعية ولكنه يواجه اليوم محاكمة قضائية في مصر، لا يمكن أن يكون نموذجاً مطمئنا للأسد. ففي هذه اللحظة، يوجد الأسد في "مأزق الدكتاتور"، حسب تعبير آندرو تابلر، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وذلك لأنه أطلق كماً كبيراً جداً من العنف لدرجة أنه سيكون من الصعوبة عليه بمكان أن ينسحب. ومع ذلك، يلفت "تابلر"، في حوار معه على الإنترنت نشر على الموقع الإلكتروني لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إلى أن الضغط الدولي المنسق على سوريا كان ناجحاً وفعالًا في الماضي. وهو ما حمل سوريا على الخروج من لبنان في أبريل 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وفي هذا الإطار، يقول تابلر: "إن الشيء الثاني الذي يتميز بالفعالية مع السوريين هو العقوبات التي أثرت على اقتصادهم بشكل كبير". ومن جانبه، تساءل "دانييل دريزنر"، أستاذ العلاقات الدولية بكلية القانون والدبلوماسية بجامعة "تافتس"، في مدونته الشعبية بالموقع الإلكتروني لدورية "فورين بوليسي"، حول ما إن كانت الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة حاليا ستحقق شيئاً جوهرياً وذا بال. غير أن ذلك لا يعني أن دعوة الأسد علانية إلى الاستقالة شيء سيء، يقول دريزنر. ذلك أن مثل هذا الخطاب يمكن أن يؤدي إلى تخلص صناع السياسات من الضغط الذي قد يدفع الولايات المتحدة نحو خيارات سياسية أكثر خطورة. ويقول دريزنر: "عندما يتم استنفاد بقية الخيارات السياسات، فلماذا لا يدعى الأسد إلى الرحيل؟ في الواقع، لا أرى سبباً كيلا تعبر الولايات المتحدة عن تفضيلاتها الحالية، بدلا من الاختباء وراء الخطابات الدبلوماسية". بيتر جرير محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»