الوقت من ذهب
للوقت في حياة الأفراد والمجموعات قيمة كبيرة لا تساويها ثروة، ونحن نعبر عن هذا المعنى بقولنا: «الوقت من ذهب»، لذلك يتعين علينا حسن استغلال الوقت واستثماره فيما ينفع ويفيد، ذلك أن عجلة الزمن تدور من دون توقف ولا تنتظر أحداً، فمن الحكمة أن لا يضيع الإنسان ساعة من عمره من دون أن يفيد.
وها هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يوجهنا إلى تعمير أوقاتنا بالعمل الصالح المتعددة أبوابه الفسيحة مجالاته، فلا نفرط في لحظة من وقتنا، حيث نبهنا إلى أننا سنسأل عن ذلك فقال: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وما عمل فيما علم».
ومن الحكمة في الاستفادة من الوقت أن نأخذ القدر اللازم فقط من الراحة، ويقابل ذلك التبكير إلى العمل، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا (الترمذي).
فالجدوى من الوقت واستغلاله في المصالح هو من ميزات الأمم والشعوب التي حازت التقدم في العلوم، وبلغت بذلك الرقي الشامل وعكس ذلك هي ظاهرة اللامبالاة بالوقت وإضاعته.
فعلينا أن نكون واعين بمسألة الوقت لأننا مسؤولون عن حالنا إذ على عاتقنا جميعاً مسؤولية تنمية أنفسنا ولا يتأتى ذلك إلا إذا شمر كل واحد منا عن ساعد الجد للعمل بإخلاص ودون كلل مع يقظة الضمير المستمرة، وحرص كل منا على المحافظة على الوقت وحسن استغلاله فيما ينفع البلاد والعباد.
فلو نظرنا إلى الذين تركوا في الدنيا آثاراً صالحة ولو تفحصنا قائمة رجالات التاريخ الذين استطاعوا الخلود بمبادئهم وتفكيرهم لوجدناهم أناساً عرفوا للزمن قيمته وللوقت حقه، ولو قدرنا الحضارة الإنسانية اليوم وضبطنا ميزاتها وما وقفت عليه لوجدنا أنها قامت على تقديس الوقت، وما سر قوة حضارة الغرب اليوم إلا في تحدي الزمن والسباق مع الساعة والعمل المتواصل بلا هوادة، هذا كله جاء نتيجة الوعي بقيمة الوقت، ونجد في مقابل ذلك استهانة بالزمن وتضييعاً للوقت وهدراً له حتى أصبح من الكلمات المعبرة عن هذه العقلية قتل الوقت، وهي تعبير عن عقلية كاملة وتسجيل لواقع، فلا بد أن تذوب هذه الكلمة وتمحى من قاموس الاستعمال وأن نفهم شرف الزمن وقيمة الوقت وأن يكون صديقاً لنا نستثمر كل جزء منه فيما يعود بالخير على الفرد والمجتمع.
وخلاصة القول: إن الدقائق والثواني من حياة كل واحد منا لها وزن وحساب إذا أقبلنا عليها انتفعنا بها واستفدنا منها، وإن غفلنا عنها حتى تمر فإنها لن تعود، ويروى عن الحسن البصري قوله: ما من يوم ينشق فجره وتشرق شمسه إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد فاغتنمني وتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.