دبا الحصن المدينة الجميلة التي تقف على سلم التاريخ تطل بنور حضارتها، وينعش هواؤها روادها الذين لا يسأمون من إطلالتها على الشاطئ الغربي من خليج عُمان، حيث كانت ميناء للحركة التجارية ونقطة التقاء السفن القادمة والمغادرة ما بين آسيا وأوروبا، ولذلك طمع الأوروبيون في دبا الحصن, حين دخل البرتغاليون المنطقة وجعلوها قاعدة عسكرية، وتعرضت لثورات وأريقت دماء طاهرة في سبيل الذود عنها، وقد قسم الاستعمار دبا الواقعة داخل الإمارات، إمعاناً في زيادة الفتنة إلا أن محبة الحكام للأمن وحقنا للدماء تجاوزوا كل المحن، وضيفنا اليوم من مواليد هذه المدينة التاريخية. اتصال دبا الحصن بالبحر كان مثيراً للمطامع بسبب أهمية موقعها، حيث يسهل دخول الزاد والذخيرة عند الأزمات، وزادت أهميتها عندما دخلها التعليم عام 1965، حين وضع الشيخ صقر بن سلطان القاسمي أول حجر أساس لأول مدرسة، وفق ما قاله سليمان بن محمد أحمد بن جمعوه اليحيائي. وأضاف أنه ولد في ذات العام حسب العمر المسجل في جواز السفر، وكان رجال دبا الحصن يعملون في صيد السمك، لأن بحرها من أغنى البحار بأنواع مختلفة من الأسماك عبر القرون البعيدة. من أكثر الشخصيات التي اتخذها سليمان قدوة كان والده، وكانت حياتهم تعتمد على التنقل في رحلتي الشتاء والصيف، حيث الشتاء عند البحر والصيف قرب النخيل، وتبنى العرشان في الصيف ويتوافد الأهل ليتعاونوا على بنائها، وفي الوقت ذاته يعملون على تجهيز بعض البيوت للزوار الذين يفدون كل صيف من الشارقة أو من دبي أو من مناطق مختلفة، ويبدو أن سليمان كان طفلاً مسالماً ومطيعاً للأهل ولذلك لم يكن يحب اللعب العنيف، وكان يهوى مرافقة الأهل إلى منطقة النخل لجني الرطب وجمع الأعلاف وإطعام المواشي على اللعب بشقاوة. في بعض الأحيان كان الأطفال يتجمعون ثم يتجه الجميع للبحر للسباحة، ودائما ما يكون برفقتهم رجل بالغ كي لا يتعرض أحد لأية مخاطر، وعندما تم فتح المدرسة كان سليمان أصغر طفل فيها، ودائما ما يخرج إلى المدرسة برفقة اثنين من الأقارب، وأطلق على المدرسة اسم «الخالدية» نسبة للشيخ الراحل خالد بن محمد القاسمي رحمة الله عليه، الذي حكم الشارقة بعد صقر بن سلطان القاسمي إثر رحيل الإنجليز، ويتذكر سليمان أن المدرسة بأكملها تضم غرفتين فقط. ودرس في «الخالدية» جميع أبناء دبا الحصن ودبا الفجيرة ودبا البيعة من سلطنة عمان، ولأجل تشجيع الأهل على تسجيل أبنائهم قامت دائرة المعارف الكويتية التي كان لها مقر في إمارة دبي، والتي تدير التعليم والمدرسة، بإرسال فرق تمر على المساكن والبيوت ليتم تسجيل كل طفل في المنطقة في عمر الدخول للمدرسة، ويسير الطلبة إلى المدرسة حوالي كيلومتر مربع، ولكنه أصعب كيلومتر بالنسبة للأطفال لأن متعرج ووعر ويمر عبر البيوت ومزارع النخيل. وبعد فترة من الزمن تم إحضار سيارة لتقل الطلبة والبعض منهم كان يفضل الذهاب على دراجته الهوائية، وقد أحب سليمان التعليم وكان يمثل الأمل الكبير عند الكبار الذين فاتهم قطار التعليم، فكانوا ينتظرون من أبنائهم أن يحققوا ما لم يتح لهم الزمان تحقيقه، ومن خلال المدرسة بدا يحقق النجاح والتفوق، ويشعر في ذات الوقت بهيبة المعلم التي كان لها أثر في تلك النجاحات. يقول سليمان إن كل طالب كان يتحاشى أن يراه المعلم خارج البيت إلا لحاجة للأهل، لأنه في حال شاهده يلعب وجاء في اليوم التالي وهو لم يكمل الواجب أو يحفظ قطعة النصوص أو الآيات، فإن عقابه يكون شديداً لأنه أهمل من أجل اللعب، ولكن الجميع ينسون العقاب وكانوا يسعدون في الفسحة، حيث تقدم لهم وجبة ساخنة عبارة عن طبق من الحساء، كما تصرف لهم كسوة وجميع المستلزمات والقرطاسية، وكل طالب له كوب خاص للشرب. ويتذكر سليمان ذلك العامل الذي كان يقدم لهم الحساء، واسمه محمد شريف وقد كان من الجنسيات التي دخلت دبا الحصن وذابت في المجتمع، وتعاقدت معه إدارة المدرسة لإعداد الحساء للطلبة، ولاحظ سليمان أن الطلبة كانوا يتسربون من المدرسة من الصف العاشر كي ينضموا للعمل في القوات المسلحة أو للشرطة، ولكن والده أصر على أن يتحمل كل تكاليف الحياة من أجل أن يستمر في تعليمه. والده محمد كان قد ترك التفرغ التام للبحر وانضم للعمل في المدرسة حيث عين حارسا عليها، وكان والدا لجميع الطلبة وحريصا على سلامتهم ومقوما لسلوكهم، ولذلك كان يحلم أن يرى والده معلما داخل نفس المدرسة، وعندما يعود الجميع إلى المنزل يحرص على ألا يفعل ولده أي شيء بعد الصلاة والغداء إلا بعد أن ينهي جميع فروضه، وبعدها يمكنه الذهاب للعب أو مرافقته للعمل في مزرعته حتى قرب الغروب، لأن الليل في المنطقة مظلم حيث لم تصل الخدمات كإضاءة الشوارع في منطقة النخيل وبعد صلاة العشاء ينام الجميع. عندما جاء العام الذي يجب أن يدخل فيه للصف الأول الثانوي، لم تكن في دبا الحصن مدرسة للثانوية، فذهب ليدرس في مدينة الشارقة لمدة عام وأقام في السكن الداخلي، ولكن في العام التالي سجل في مدرسة عقبة أبن نافع في دبا الفجيرة، وتم توفير حافلات لنقل الطلبة من وإلى المدرسة، ولا يزال يذكر كيف كانت والدته تحثه على الالتزام بالصلاة والدراسة، ولتلك الوالدة هيبة ومحبة في قلب سليمان. لقب بسليمان الحكيم لأنه كان يلقي كل يوم في المدرسة الحكم والمواعظ، وكان يتأثر بما يلقي ويتعلم منه، ويتذكر أنه انتسب في الإعدادية بكشافة الإمارات ثم بعشائر الجوالة عندما أصبح في الجامعة، وبقي ضمن أسرة الكشافة حتى بعدما تخرج وتوظف في المدرسة معلماً للتربية الإسلامية، وقد حقق حلم والده بأن يراه خريجاً ومعلماً، وبعد التحاقه بالجامعة أقام في سكن الطلبة في منطقة المقام بالعين، وتستغرق الرحلة بالحافلات مدة أربع ساعات من دبا إلى مدينة العين ومثلها عند العودة. عام 1985 عين في ذات المدرسة وبقى معلماً لمدة أربع سنوات، ثم وكيلا مساعدا أو مساعد مدير لمدة عامين، وفي عام 1991 كان قائما بعمل المدير وفي عام 2011 تقاعد بعد أن شغل منصب مدير، وبقي لمدة عشرين عاما مديرا في ذات المدرسة التي تعلم فيها. وبالنسبة لما يتعلق بحياته الخاصة فقد تزوج بعد أن توظف بعام واحد، وانضم للمجلس الاستشاري في الشارقة عام 2000 وحتى نهاية الدورة عام 2004، ويعمل منذ عامين نائباً لرئيس المجلس البلدي في دبا الحصن. خطيب بالصدفة بالعودة إلى لقب سليمان الحكيم ذكر أن من ذكرياته حضور خطبة الجمعة، وذات يوم تغيب الخطيب وكان ذلك الرجل يأتي من خورفكان ليخطب في دبا الحصن، فالتفت أحد الرجال وقال «أين أبناء دبا الحصن الخريجون من الجامعة؟ فليتقدم أحدهم ليخطب في المصلين». فتقدم سليمان وخطب خطبة ارتجالية، ولكنها أثرت في المصلين من الأهالي بشكل كبير، فما كان من وجهاء دبا إلا نقل الخبر إلى مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية، وطالبوا بأن يحل سليمان بشكل دائم ورسمي خطيباً للجامع. تلك المهمة التي لم تكن تخطر على بال سليمان استمرت عشرين عاماً، حيث بدأ من عام 1984 وحتى 2004، عندما أصيب بالديسك نتيجة الذهاب إلى البحر على ظهر زورقهم الخاص، وقد نصحه الأطباء بعدم الوقوف طويلاً أو الخروج إلى البحر، فآثر أن ينصاع لأجل أسرته وكي يستمر في عطائه لهم، ولكنه استمر في العمل ضمن المجلس البلدي، ولا يزال يشارك أيضا في بعض الأعمال التطوعية، مثل لجنة تيسير الزواج والإصلاح الأسري، وفي مكافحة الغلاء وحل المشاكل الأسرية في المنطقة، ويسافر مع الأهل لدول مختلفة حول العالم لأنه محب للسفر والترحال.