عصام أبو القاسم (الشارقة)
يخلص الباحث المغربي عزيز أزغاي، في بحثه «جاذبية الفراغ في التصوير العربي المعاصر» الفائز بالمركز الأول في مسابقة الشارقة للبحث التشكيلي في دورتها العاشرة، إلى أن الحراك الديني والعلمي والفلسفي في آسيا وأوروبا، على مدى حقب عديدة سابقة، أثر في فهم وتمثل الرسامين والتشكليين بالمنطقتين لمفهوم «الفراغ» وتجسيدهم له.
وهو يؤكد، منذ البداية، أن هناك اختلافات مفهوميّة ظلت مرتبطة بمصطلح «الفراغ» على مدار تاريخ الفن، إلا أن الباحث اختار أن يركز على ثلاثة مفاهيم لمعنى الفراغ، وتحديداً في اللوحة المسندية. أولها اعتبر الفراغ سطحاً محايداً لا يحمل أي شكل محدد، وثانيها اعتبره حالة وجدانية أو نفسية على علاقة مباشرة بالطاقة الحسية لدى الفنان وتتجلى بهيمنة الفراغ على منجزه الفني، أما ثالثها فنظر إلى الفراغ بوصفه نقيضاً للاحتشاد والامتلاء.
وجاء الكتاب في فصلين عرض في الأول لمفهوم الفراغ في الثقافات الصينية والأوروبية والعربية، وخصص الثاني لقراءة تجليات الفراغ في التصوير الصباغي العربي المعاصر انطلاقاً من خمسة نماذج لفنانين من العراق والمغرب وسوريا.
وتبنى المؤلف، في الفصل الأول من بحثه، ووسع رأي رافائيل بيتروتشي (1872 - 1971) الذي يفيد بأن الاختلافات في المقاربات الفنية للفراغ والطبيعة، في الشرق وفي الغرب، ترجع بالأساس إلى كون الطبيعة ليست لها نفس المعاني والدلالات في عيون الغربيين والشرقيين، سواء على المستوى العاطفي أو الديني أو الفلسفي.. فالإنسان الغربي لم يتم تلقينه مشاهدة الطبيعة ومحاولة الإنصات لها وفهمها، في حين قامت العقيدة «التاوية» باعتبارها أساس الجمالية الصينية بربط الفراغ مباشرة بالطبيعة والجمال.
ويرى الباحث أن «الفراغ» لم يكن غائباً في الممارسات التصويرية الأوروبية ولكنه لم يحز مكانته التعبيرية باعتباره مفردة تشكيلية مستقلة تضفي قيمة وجود فعلي على عناصر النقطة والخط والحركة، إلا بعد تخلي الفنانين الغربيين، نهاية القرن التاسع عشر، عن المبادئ الأكاديمية التي تحكمت في إدراكهم البصري الجمعي. من هنا، راح التصوير الغربي يبرز أفضلية المساحات الممتلئة عبر إخفاء المساحات البيضاء/ الفارغة بما يجعل عنصر الامتلاء هو الحامل الأساس لمعنى العمل الفني. بالمقابل، عمد التصوير الصيني إلى جعل الفراغ فكرة مركزية على المستوى التقني، تجذب إليها عناصر اللوحة الأخرى.
وفي المبحث الذي خصصه للنماذج الفنية العربية التي اختارها لاستقصاء تجليات الفراغ، لا يفصل الباحث المنظور العربي لمفهوم الفراغ مقارنة بالمنظورين الغربي والشرقي، إنما يدرجه في الإطار المفهومي الصيني.