صيدا (أ ف ب)
تحولت خيم الاعتصام ضد الطبقة السياسية في مدينة صيدا إلى مطاعم ومتاجر وعيادات تقدم خدماتها بالمجان لكل محتاج، معمّمة مع غيرها من المناطق اللبنانية تصميماً لدى المتظاهرين على تقديم نموذج تضامن ومقومات صمود في بلد يعاني من انهيار اقتصادي يهدد المواطنين في لقمة عيشهم.
وتحت شعار «ممنوع حدا يكون جوعان»، أقام متظاهرون مرابطون في ساحة إيليا بصيدا الجنوبية منذ أكثر من شهرين، مطبخاً جاهزاً يحضّرون فيه وجبات للفقراء بحسب ما يتوفر لديهم من المواد الغذائية.
ويقول أحد منظمي المطبخ وائل قصب: «يتبرع أصدقاء بالمواد الغذائية وتطوعت نساء للطبخ»، مضيفاً: «هدفنا خلق حالة من التكافل الاجتماعي بين شرائح المجتمع».
وبعد سنوات من نمو متباطئ في ظلّ عجز السلطات عن إجراء إصلاحات بنيوية، يزداد الوضع المعيشي تأزماً في لبنان، الذي يشهد راهناً أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية خلال الفترة من 1975 إلى 1990.
وإزاء الانهيار الاقتصادي المتسارع وبالتزامن مع احتجاجات شعبية بدأت في 17 أكتوبر ضد سياسة الدولة الاقتصادية والطبقة الحاكمة المتهمة بالفساد، تكررت المبادرات الإنسانية في مناطق عدة من صيدا وصور جنوباً، إلى بيروت، وطرابلس شمالاً ومناطق أخرى.
وفي ساحة التظاهر في صيدا، التي باتت مقصداً لمواطنين ضاقت بهم سبل العيش، يكفي أن يُبثّ نداء عبر مكبر للصوت عند منصة الاعتصام المفتوح عن الحاجة إلى متبرع لوحدة دم، حتى يتطوع العشرات. ويمكن للمرضى أيضاً أن يتوجهوا إلى ساحة التظاهر لتسجيل أسمائهم لدى أشخاص يقومون على تنظيم المبادرة، ويحولونهم إلى مستوصفات لتلقي العلاج مجاناً.
نوفوتيه الثورة
إلى جانب مطبخ ساحة التظاهر، خُصصت خيمة لتوزيع الثياب المستعملة على المحتاجين أطلق عليها المتظاهرون تسمية «نوفوتيه الثورة». وقالت المشرفة على خيمة الملابس المجانية زينب نجم: «بدأت الفكرة بعشر قطع ثياب وتحولت إلى ما يشبه المتجر».
وتضيف: «تزور نساء فقيرات الخيمة ويبحثن عما يناسبهنّ»، وأكثر ما يُسعدها الأطفال الذين يفرحون حين يجدون بعض الدمى.
وعلى بعد أمتار من ساحة الاعتصام، فتحت جمعيات أهلية «مطعم الخير» لتوزيع الطعام للفقراء على مدى خمسة أيام أسبوعياً.
وقال أبو أحمد، البالغ من العمر 83 عاماً والذي يرتاد المطعم يومياً: «لا قدرة لي على شراء الطعام أو تحضيره»، مضيفاً: «لقد شبعت اليوم، لكنني أخاف من الأيام المقبلة».
ومنذ أشهر، تتفاقم أزمة السيولة مع فرض المصارف قيوداً مشددة على حركة الأموال، بحيث لا تسمح بعض المصارف بسحب أكثر من ألف دولار شهرياً.
وباتت قطاعات عدة تواجه صعوبات في استيراد مواد أساسية. ولاحظ اللبنانيون انقطاع عدد من الأدوية وارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية، مقابل تقلّص كبير في قدرتهم الشرائية. ويجد الآلاف منهم أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، فيما يتمّ اقتطاع نسب كبيرة من رواتب أخرى.
وفي بداية الشهر الحالي، دفع تراكم الديون لبنانياً إلى الانتحار بعدما وجد نفسه عاجزاً عن تسديدها وتوفير احتياجات أسرته، الأمر الذي أثار أكثر سخط المتظاهرين من السلطة الحاكمة، في وقت حذر البنك الدولي من ارتفاع معدل الفقر، الذي يعاني منه ثلث اللبنانيين إلى خمسين في المئة.
وأمام مصرف لبنان المركزي في بيروت، نصب متظاهرون أطلقوا على نفسهم اسم «مجموعة شباب الثورة» الشهر الحالي خيمة تلقوا فيها تبرعات من ثياب وفرش ومواد غذائية لتوزيعها على محتجي، وإلى جانب الخيمة، علّقت شعارات جاء فيها: «أنتمي إلى الجياع».
وأكدت الشابة سارة عاصي، التي تشارك في المبادرة: «تحركنا من واجب وطني وإنساني لنساعد بعضنا البعض برغم قلة قدراتنا»، مضيفة: «جمعنا التبرعات من بعضنا، ومن جيراننا وأهلنا وأصحابنا».
وفي بيروت، أطلقت حملة «مش دافعين»، رفضاً لدفع الضرائب والرسوم المترتبة على المواطنين، فضلاً عن القروض المصرفية بسبب الإجراءات المتشددة التي تفرضها المصارف على سحب الأموال.
إنقاذ المتاجر
في طرابلس في شمال لبنان، المدينة التي يعاني 26 في المئة من سكانها من فقر مدقع ويعيش 57 في المئة عند خط الفقر أو دونه، برزت مبادرات إنسانية عدة اتخذت من ساحة النور، مقر التظاهر الرئيس، مقراً لها.
وأنشئ في إحدى الخيم مطبخ يهدف إلى تحضير 2500 وجبة يومياً لتوزيعها على الفقراء، الذين يتهافتون عليها من كل مناطق طرابلس.
وبرزت مبادرات أخرى في المدينة تهدف إحداها إلى ضمان إبقاء بعض المتاجر المتواضعة مفتوحة وخصوصاً في الأحياء الفقيرة.
وبادرت سارة الشريف، البالغة 34 عاماً، لجمع تبرعات بقيمة سبعة ملايين ليرة اشترت بها مواد أساسية من 30 متجراً صغيراً بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة من أجل مساعدتها على الاستمرار.