نشرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي أمس معظم أجزاء عن القرار الاتهامي ضد ناشطي “حزب الله” اللبناني الأربعة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري يوم 14 فبراير عام 2005، بعدما صادق عليه قاضي الإجراءات التمهيدية فيها دانيال فرانسين، مؤكدة توافر أدلة كافية لبدء محاكمتهم. وعلى الفور، طالب رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري وفريق المعارضة اللبنانية “حزب الله” بتسليم المتهمين إلى المحكمة. فيما رأى زعيم الحزب حسن نصر الله أنه لا يوجد دليل اتهام في القرار. وقالت المحكمة في بيان نشرته وكالة الإعلام اللبانية إن فرانسين أصدر قراراً يطلب فيه إعلان التصديق على قرار الاتهام في قضية الحريري وإعلان قرار التهام نفسه. وقال فرانسين في قراره بتصديق قرار الاتهام “إن المدعي العام قد قدم أدلة كافية بصورة أولية للانتقال إلى مرحلة المحاكمة”. لكنه أضاف “ذلك لا يعني أن المتهمين مسؤولون (عن الجريمة)، بل يوضح فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم، وعلى المدعي العام أن يثبت أثناء المحاكمة أن المتهمين مسؤولون دون أدنى شك معقول”. وشرح فرانسين أسباب الإبقاء على سرية قرار الاتهام حتى الآن وهي “الحفاظ على سلامة الإجراءات القضائية، ولا سيما فاعلية البحث عن المتهمين واستدعائهم إلى الاستجواب، عند الاقتضاء”. وأضاف أن السرية أبقيت على أجزاء صغيرة من قرار التصديق ومن قرار الاتهام وعلى أجزاء من ملحقيه نظراً لارتباطها بمسائل يمكن أن تؤثر في تحقيقات المدعي العام الجارية، وكذلك في خصوصية وأمن المتضررين والشهود. وقال فرانسين “إن قرار الاتهام يلبي شرطي التعليل والدقة اللذين يفرضهما الاجتهاد القضائي الدولي، والنظام، والقواعد قواعد الإجراءات والإثبات”. وعرض القرار تفاصيل عملية اغتيال الحريري. وأوضح أن الأدلة المجموعة طوال فترة التحقيقات، بما فيها إفادات الشهود والأدلة الوثائقية للهواتف المحمولة في لبنان، أدت إلى تحديد هويات بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الحريري”. وأوضح أن تحليل سجلات الاتصالات أظهرت “وجود عدد من شبكات الهواتف المحمولة المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكون كل شبكة من مجموعة من الهواتف، سجلت عادةً بأسماء مستعارة، كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة”. ووجه القرار الاتهام إلى المتهمين الأربعة كافة 9 تهم تشمل “الاشتراك في مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي عمداً باستعمال مواد متفجرة “. وأوجز دور كل منهم في العملية بما يلي: مصطفى بدر الدين: المشرف العام على العملية. سليم جميل عياش: تنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي للاعتداء. حسن عنيسي وأسد صبرا: إعداد إعلان المسؤولية زوراً باسم “جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام”، بهدف توجيه التحقيق إلى أشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء وذلك حماية للمتآمرين من الملاحقة القضائية. أوضح أنهم “مناصرون لحزب الله الذي “تورط جناحه العسكري في الماضي في عمليات إرهابية”. وجاء فيه “أن الأشخاص الذين دربهم الجناح العسكري لديهم القدرة على تنفيذ اعتداء إرهابي بغض النظر عما إذا كان هذا الاعتداء لحسابه أم لا”. والمتهمون هم قائد العمليات الخارجية في حزب الله مصطفى أمين بدر الدين وناشطو الحزب سليم جميل عياش ومصطفى وحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا. وقال الحريري في بيان أصدره في بيروت “أتطلع إلى موقف تاريخي من حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله بالذات، لوضع حد لسياسة الهروب إلى الأمام والتعاون مع المحكمة الدولية. وما هو مطلوب من حزب الله يعني الإعلان عن فك الارتباط بينه وبين المتهمين الأربعة. وأضاف “هذا موقف سيسجله التاريخ والعرب وكل اللبنانيين للحزب وقيادته، بمثل ما يمكن أن يسجل خلاف ذلك إذا أرادوا الذهاب بعيداً في المجاهرة بحماية المتهمين”. وتابع مخاطباً الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي “إن لغة التذاكي على الرأي العام وسياسة توزيع الأدوار بين رئيس الحكومة وحلفائه لن تجدي نفعا”. وحذر حكومة ميقاتي من “محاولات التهرب من تحمل المسؤولية تجاه ملاحقة المتهمين وتحديد الجهات التي تعطل عملية الملاحقة وإلقاء القبض عليهم والامتناع عن تسليمهم إلى المحكمة الدولية”. وقال “إن ذلك “يحمل الحكومة مسؤولية الاشتراك في عدم التعاون والتخلي عن التزامات لبنان تجاه متابعة قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه”. ورأى الحريري أن رفع السرية عن القرار الاتهامي “خطوة متقدمة ومفصلية على طريق كشف العدالة والحقيقة”. وقال “بمقدار ما نشعر في هذا اليوم بالاطمئنان لا نستطيع أن نخفي حجم الألم تجاه التهم التي طاولت أسماء مواطنين من بلدنا”. وتساءل “أي عقل شيطاني يمكن أن يكون قد خطط وأعطى الأوامر لهؤلاء ليرتكبوا هذه الجريمة”. واعتبر أن “شمس الحرية والعدالة تشرق على لبنان وما من شيء يمكن ان يعطل هذا الفجر الجديد مهما بلغ حجم التهديد”. ورأت الأمانة العامة لفريق “قوى 14 مارس” اللبناني المعارض في بيان مماثل أن نشر القرار الاتهامي “حدث استثنائي واستكمال لكشف الحقيقة”. وحملت “حزب الله” مسؤولية “الخلل الأمني الذي يسود في البلاد جراء التفجيرات الأخيرة”. وطالبت الحزب بتسليم المتهمين، والحكومة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها في التعاون مع المحكمة. في المقابل، قال نصر الله خلال خطاب متلفز في حفل إفطار للهيئات النسائية في حزبه “عندما نقرأ النص كله، لا نجد فيه أي دليل مباشر”. وأضاف “ما يشغل عليه الآن، تخريب العلاقة بين الطوائف اللبنانية والوصول بها إلى أبعد مدى ممكن من البغضاء والأحقاد وسوء الظن، لكي لا يبقى مجال للتعاون أو الحوار ولمواجهة التحديات الإقليمية، وصولا إلى مرحلة تفجير البلد وبالتالي إنهاء هذا البلد، والمحكمة الدولية تتحرك في هذا السياق”. وقال مدعي عام المحكمة دانيال بلمار في بيان أصدره في لاهاي “أرحب بقرار قاضي الإجراءات التمهيدية رفع السرية عن قرار الاتهام. هذا القرار سيطلع، أخيراً، الرأي العام والمتضررين على الوقائع المزعومة في قرار الاتهام بشأن ارتكاب الجريمة التي أدت إلى توجيه الاتهام إلى المتهمين الأربعة. وأضاف “رفع السرية عن قرار الاتهام يجيب على أسئلة عديدة بشأن اعتداء 14 فبراير عام 2005، غير أن الستار لن يرفع عن القصة الكاملة الا في قاعة المحكمة حيث تعقد محاكمة مفتوحة وعلنية وعادلة وشفافة تصدر حكما نهائياً”. وأكد أن تحقيقاته ما زالت جارية وأن أعمال التحضير للمحاكمة مستمرة”.