قرية التراث·· سِفْرُ الذاكرة
تستريح على مساحة 16800 متر مربع في منطقة كاسر الأمواج المطل على كورنيش أبوظبي منذ عام ،1993 وهو العام الذي شهد تأسيسها· ومنذ إشهارها رسمياً في العام 1997وهي تفتح أبوابها يومياً للزائرين والسياح المعجبين بما تضمه حناياها من كنوز التراث، والذين يصل عددهم في أوقات الذروة إلى 500 شخص·
الدخول إليها مجاني، لأن الهدف وراء تأسيسها هو التعريف بتراث الدولة، وتقديمه للراغبين في التعرف إلى ماضي المنطقة وحضارتها، والاقتراب من مخزونها الثقافي والحضاري الضارب عميقاً في التاريخ·
اسمها قرية التراث، وتتبع نادي تراث الإمارات، وتحظى أنشطتها وفعالياتها بدعم ورعاية كريمة من سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس نادي التراث، وتستقطب إليها الزوار من كل أنحاء العالم·
أحضان واسعة
تضم ''القرية'' بين حناياها مختلف البيئات والظروف التي شكّلت حياة الأجداد، ففيها البيئة البرية والبحرية والزراعية والاجتماعية· تبدأ من البوابة الشاهقة التي تستقبل زوارها بمجسمات عملاقة لمباخر العود والدخون تعبيراً عن كرم الضيافة وحسن الاستقبال، وتنتهي بشاطئ البحر المطل على العاصمة·
وتحتضن جهاتها مجموعة من الأماكن التي تسرد حكاية ماضي الأجداد ووقائع أيامهم، فأينما جلت ببصرك تلتقط شواهد عن الأيام الخوالي، فهنا الخيام وبيوت الشعر واليواني والعريش وبيت البحر الذي يعلوه ''البرجيل'' المغطى بـ ''اليزايا'' وتستلقي القوارب الخشبية بأشرعتها القديمة عند قدميه، وقبالته يسمق النخيل وأشجار ونباتات أخرى تلقي الطيور عليها تحية الصباح، بينما الطوي -البئر- وأفلاج الري إلى جوار بركة ماء تسبح فيها أنواع البط والإوز· وعلى بقعة رملية تمضي ركائب الإبل جيئة وذهاباً أمام الزوار الذين يداعبونها ويلتقطون معها الصور التذكارية·
هناك، وجدنا السائح الهنغاري فريدريك الذي قال ''انه يرى الجمل لأول مرة، ولم يكن يتوقع أن يكون بهذا اللطف والتجاوب نسبة لحجمه الكبير، مؤكداً أنه سيعاود المجيء إلى القرية لأنه شعر فيها بسعادة غامرة''·
السوق الشعبي
في القرية سوق شعبي تصطف دكاكينه قبالة مجسم كبير لدلة قهوة، منها دكان الفخار لصناعة ''الخروص والبرام والجرار''، دكان الزجاج لصناعة القوارير والكؤوس، دكان النسيج لصناعة المنسوجات والسجاد، دكان الجلود لصناعة ''القرب والدلي والسقا والسعون والحقائب''، دكان الأخشاب لصناعة الأبواب والنوافذ التي تحفر عليها الزخارف والنقوش، ودكان النحاس لصناعة القدور والدِلال و''الملاس'' حيث توقفنا وسألنا صانع الدِلال عن مهنته فقال ''إنها من المهن القديمة التي أتقنها الأجداد، وهو يمارسها بسعادة لعدة أسباب من ضمنها أنها تروق للزوار والسياح الذين يقصدونه لرؤيته وهو ينجز عمله ويقتنونها للذكرى''· إلى جوار دكانه يقع دكان إصلاح الأسلحة، لصاحبه عبود بن نخيرة الذي أكد ''أن الأسلحة التراثية كالسيوف الصغيرة والخناجر تستهوي السياح الأجانب الذين يقتنونها لتزيين جدران وزوايا بيوتهم بها''·
ويتاخم دكانه دكان الأعشاب حيث تباع مواد العطارة، ويتوافر فيه، حسب ما ذكر صاحبه حسن عياد، أكثر من 30 صنفاً من بينها صابون برائحة دهن العود و الخزامى، وأضاف عياد: إن الأعشاب الشعبية تستقطب السياح الأجانب والعرب على حد سواء، لأنها مفيدة ورائحتها ذكية· كما يقع إلى جوار السوق معرض السوق الشعبي، وبالقرب منه معرض النماذج الخشبية للقوارب، وآخر لصناعة ''البشوت'' الموشاة بالخيوط الذهبية والفضية·
المشغل النسائي
تتمثل النسوة في المشغل النسائي جداتنا اللواتي أنجزن أجمل الأشغال اليدوية، كصناعة الغزل والنسيج والحياكة والتلي والزري، إضافة إلى صناعات يدوية أخرى تعتمد على سعف النخيل ''السرود والمهف والزنبيل'' إذ تقول أم محمد وهي تحيك التلي: ''تعتمد الأزياء الشعبية للمرأة الإماراتية على التطريز والتلي والزري، ونحن نحيكها ونعرضها هنا ليتعرف زوار القرية إلى أزياء جداتنا التي لا تزال فتياتنا يرتدينها اليوم مع إضافات عصرية''·
وتعرض القرية للجمهور والسياح مختلف منتجات الحرفيين التي ينتجونها في دكاكين السوق والمشغل النسائي، بأسعار تتناسب مع مختلف القدرات الشرائية، فثمة قطع تبدأ أسعارها من 5 دراهم·
تقول مونيكا من ألمانيا إن ''روائح الصابون المحلي لفتت انتباهها، وعرفت من البائع أنه يتكون من نبات الخزامى، فاقتنت عدة قطع كهدايا لأهلها في ألمانيا''· بينما يقول زميلها ''إنه اختار مجموعة من مجسمات الصقور والقوارب الخشبية لأنها - برأيه- أفضل تذكارات يمكن تقديمها للأصدقاء''·
كما تتيح القرية التراثية لزوارها مزيداً من الخيارات الشرائية، لذا يجد الزوار في طريق خروجهم منها، محالاً جميلة الشكل مبنية على الطريقة التقليدية ''العريش''، تباع فيها منتجات تراثية إماراتية·
تقول كارين من ألمانيا ''إنها اختارت مجموعة من بطاقات كرتونية لقرية التراث وأخرى تحمل رموزاً تراثية لتزين بها مكتبها، واقتنت جرارا فخارية صغيرة ومشغولات من سعف النخيل لتصحبها إلى بلادها''·
المتحف
لابد للزائر أن يعرج إلى المتحف، ففي جنباته تلوذ مفردات تراثية تشير إلى حقبة الأجداد وتروي سيرتهم عبر العديد من المعروضات، سواء الكتب أو الأزياء أو الحلي أو الفخاريات أو الأسلحة·
وهناك يجد أن ''نادي تراث الإمارات'' يوفر للزوار كل سبل المعرفة والاطلاع إن عبر الموظفين، أو الكتب والمنشورات الإرشادية التي تسرد حكايا الماضي ولا تغفل النهضة الشاملة التي تحققت للدولة·
في المتحف يتجسد الماضي بأبهى صوره، ويحرص الأدلاء السياحيون على اصطحاب أفواج السياح إلى المتحف لأنه يختصر كل ما سبق أن رأوه في القرية، يقول المرشد السياحي ''مالين'' ''إنه على الرغم من كونه سيريلانكي الجنسية لكنه شغوف بالقرية وبات يحفظ أجنحتها وردهاتها وجنباتها، وحين يسأله السياح عن أفضل مكان يتعرفون من خلاله إلى ماضي المنطقة وحاضرها، يصحبهم فوراً إلى القرية التراثية''· أما السائح جيلالو من إيران فعبر عن إعجابه بالقرية ككل بقوله: ''لابد من شكر القائمين على القرية لأنهم يقدمون جهداً كبيراً لخدمة بلادهم وتراثها، حيث يصعب اختزال هذه الحضارة الجميلة في مكان واحد، لكنهم نجحوا في أن يعرّفوا السياح والزوار على تفاصيل تراثهم''·
غداً نلتقي
تضم القرية أيضاً منصات للجمهور الذي يتابع السباقات البحرية والتراثية التي تنظمها القرية برعاية نادي التراث في المناسبات الوطنية والرسمية، وإلى جانبها مصنع الحلوى ومطعم المأكولات الشعبية التي يحلو للزوار أن يتذوقوها، بينما الأطفال يمارسون الألعاب الشعبية ''القفز بالحبل وسباق الركض والمشابكة'' في جو آمن· هناك استوقفتُ الزائرة آمرو من الصين، فقالت تعبر عن سعادتها بما رأته: ''لم أكن أتوقع أن أصادف كل هذا الجمال والمتعة والترفيه هنا، إنها مدينة متكاملة، غداً سآتي مجدداً''·
على مقربة من باب الخروج يشمخ المسجد بجمالياته الفنية، وتتجلى لمسات الإبداع في بنائه، والزخارف التي حفرت على الأبواب والنوافذ، واستوقفت بعض السياح الأجانب يتأملونها بإعجاب، من بينهم ريباش من هنغاريا الذي قال ''إنه زار القرية أكثر من مرة، واستوقفه بناء المسجد على الطراز المعماري القديم، كذلك استوقفته بيوت العريش وسعف النخيل وبئر الماء''· وأنت تخرج من القرية، قد تمر بمجموعة سياحية يتفق أفرادها مع مجموعة أخرى: ''تعالوا غداً وستجدوننا هنا، لقد أحببنا المكان''·