أحمد مرسي (الشارقة)
ما بين حجم حافلة مدرسية و«دبوس» الورق الصغير، تطوف أكثر من نصف مليون قطعة من الحطامات الفضائية في مدار كوكب الأرض، تشكلت نتيجة تعطل المركبات الفضائية أو من خلال أجزاء الدفع الصاروخي وإطلاق الأقمار الصناعية في بدايات مهامها وبعد إطلاقها.
ومع السرعة الكبيرة التي يتم رصدها لتلك الحطامات في الفضاء، والتي تتراوح بين 7 إلى 8 كيلومترات في الثانية الواحدة، تتضاعف أخطارها على أي أقمار صناعية تسبح في الفضاء لتؤدي مهامها المتنوعة، وبالتالي تتزايد الحاجة للرصد والمتابعة والتحذيرات من تغير المدارات وإزالة الخطر من تصادمات قد تتسبب في أعطال وإفشال للمهام التي أطلقت الأقمار الصناعية من أجلها.
لم تعد تلك الحطامات والنفايات الفضائية ببعيدة عن اهتمامات الإمارات العربية المتحدة، بل تنظر للأمر «بعين ثاقبة»، فقد وضعت التشريعات واللوائح والقوانين الشاملة، وانطلقت بمشاريعها الرائدة في هذا المجال بدخولها لعالم الفضاء وإنشائها لوكالة الإمارات للفضاء، ومركز محمد بن راشد لعلوم الفضاء والفلك، وإنشاء مركز الشارقة لعلوم الفضاء، وما قامت به من تأسيس «شبكة أبراج الإمارات لمراقبة الشهب والحطام الفضائي»، والتي تضم ثلاثة أبراج موزعة في الشارقة والعين وليوا، لتعمل على مراقبة أي شهاب محتمل أو حطام أقمار صناعية من صنع الإنسان يمر بسماء الدولة وتحدد المكان الذي سقط فيه.
كما لم يعد الاهتمام بالحطامات الفضائية ببعيد أيضاً عن اهتمامات الإمارات لكونها ستطلق أول مسبار عربي إسلامي إلى المريخ عام 2021، وأعلنت برنامج المريخ 2117 في مركز محمد بن راشد للفضاء و«برنامج تطوير الأقمار الاصطناعية» و«برنامج الإمارات لروّاد الفضاء» وتمتلك الدولة ثلاثة أقمار صناعية، «خليفة سات» و«دبي سات 1» و«دبي سات 2»، تتابع من قبل مركز محمد بن راشد لعلوم الفضاء والفلك ويتم رصد التحذيرات والتقارير الدولية من الجهات المعنية بالحطامات لضمان تحركها في مدارات آمنة.
محمد الأحبابي: دور إماراتي كبير للتخفيف من الحطامات الفضائية والحد من آثارها
أكد الدكتور المهندس محمد ناصر الأحبابي مدير عام وكالة الإمارات للفضاء، أن الحطام الفضائي تحدٍ ظهر على الواجهة خلال السنوات القليلة الماضية بفعل زيادة الأنشطة الفضائية بشكل عام ودخول العديد من الأطراف غير الحكومية بشكل خاص، مشيراً إلى أن كوكب الأرض يشهد سقوط العديد من القطع الفضائية وحطام الأقمار الاصطناعية وغيرها بشكل يومي وهي لا تشكل خطراً على الكوكب أو البشر في غالبية الأحيان إما بسبب حجمها الصغير أو احتراقها في الغلاف الجوي للأرض أو سقوطها بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان، إلا أنها من جانب آخر قد تكون مصدر قلق وتهديد بالنسبة لسلامة الأقمار والمركبات الفضائية في بيئة الفضاء.
وأشار إلى أهمية التعاون على المستوى الدولي بين مختلف الدول والأطراف المعنية الأخرى مثل شركات القطاع الخاص والهيئات الأكاديمية لوضع الآليات والتطبيقات المناسبة لمواجهة هذا التحدي بأسرع وقت ممكن قبل تفاقم المشكلة مع مرور الزمن إلى مستويات معقدة يصعب السيطرة عليها وتؤدي إلى مشاكل أو حوادث قد تؤدي إلى إضرار بالأقمار الصناعية أو الخدمات التي تقدمها، فضلاً عن التكلفة المالية التي ستعاني منها الدول أو الوكالات الفضائية أو الشركات المعنية بهذه الأضرار.
وقال: إن دولة الإمارات تلعب دوراً كبيراً في هذا الإطار، سواء من حيث تعزيز أواصر التعاون الدولي مع الأطراف المعنية للاستجابة لهذه المشكلة، أو من خلال دعم مشاريع الأبحاث العلمية التي تستهدف إيجاد آليات فعالة ومجدية لمواجهتها، أو عبر وضع السياسات والتشريعات والتوجيهات لمساعدة الجهات على اختلافها لضمان مراعاة أنشطتها للحطام الفضائي والحد من أثارها بشكل كبير، إلى جانب رفع مستوى الوعي بهذا الموضوع.
ونوه الأحبابي بالقدرات المتميزة التي تتمتع بها دولة الإمارات في مجال رصد الحطام الفضائي ومراقبته عند الدخول إلى الغلاف الجوي للأرض، والتي كان آخرها رصد سقوط مختبر «تيانجونج» الفضائي الصيني إلى الأرض العام الماضي بالتعاون مع مركز الفلك الدولي في أبوظبي، إلى جانب رصد دخول جسم من الفضاء الخارجي إلى الغلاف الجوي الأرضي خلال العام 2015 في إطار حملة مشتركة بالتعاون مع علماء من وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية وعلماء من عدد من المراصد العالمية، والذي يرجح أنه قطعة من النفايات الفضائية الاصطناعية تعود لصاروخ روسي قديم، فضلاً عن شبكة الإمارات لرصد الشهب والنيازك في مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك التي تغطي سماء الدولة بشكل كامل من خلال 3 محطات بها 51 كاميرا متخصصة.
ناصر الراشدي: نترجم القرارات الدولية لممارسات وطنية فاعلة وعملية لسلامة الفضاء
أوضح المهندس ناصر الراشدي مدير إدارة السياسات والتشريعات الفضائية في الوكالة أن وكالات الفضاء العالمية استطاعت رصد نحو 23 ألف جسم فضائي من صنع الإنسان يصل مجموع كتلتها إلى 7500 طن كجم ومعظمها في المدارات على ارتفاع 800-1400 كم عن سطح الأرض، مع العلم أن نسبة الأقمار الصناعية الفاعلة تشكل فقط 5% منها أي ما يعادل 1200 قمر صناعي فاعل، أما عن البقية فيمكن أن يطلق عليها ما يعرف بالحطام الفضائي. وأكد أن بيئة الفضاء اليوم تشهد زيادة كبيرة في عدد اللاعبين والمُشغلين الذي يطلقون مركبات إطلاق وأقماراً صناعية إلى الفضاء بمعدل 100 إطلاق سنوياً، سواء من الحكومات أو شركات القطاع الخاص أو مراكز الأبحاث أو الجامعات، يضاف إلى ذلك زيادة ظاهرة الأقمار المُصغرة التي يجري إطلاق أعداد كبيرة منها، مشيراً إلى أنه سيجري إطلاق مئات من هذه الأقمار خلال السنوات المقبلة، ما يعني زيادة العدد الحالي إلى أضعاف ما هو عليه في الوقت الراهن خلال العقد القادم. ونوه الراشدي إلى أنه قد سبق وقوع حادث تصادم بين قمرين صناعيين في 2009 بين القمر الأميركي أيريديوم-33 والقمر الروسي كوسوس-2251 والذي تولد عنه الكثير من الحطام الفضائي، ومع التزايد الكبير الذي تشهده وستشهده بيئة الفضاء خلال العقد القادم فإن ذلك سيؤدي إلى تضاعف التحديات واحتمالية وقوع الحوادث ما يحتم التعامل مع هذا الموضوع باحترازية وتحضير جيد وجدي، حيث أشار إلى أن هنالك جهوداً حالية على المستوى الدولي تتمثل في الأمم المتحدة والمنظمات الفرعية المعنية بالقطاع الفضائي للتخفيف من آثار الحطام الفضائي، إذ توجد قرارات دولية بهذا الشأن، كما جرى مؤخراً مناقشة المبادئ التوجيهية التي وضعتها الأمم المتحدة ذات الصلة باستقرار بيئة الفضاء بمشاركة فاعلة من دولة الإمارات ممثلة بوكالة الإمارات للفضاء والتي سعت إلى الوصول إلى متطلبات توازن بين تخفيف الحطام الفضائي والحد من انتشاره إلى جانب عدم وضع أي أعباء أو قيود غير مبررة على المُشغلين لا يمكن تحقيقها أو تنفيذها مع الحفاظ على سلامة بيئة الفضاء.
وكشف الراشدي أن وكالة الإمارات للفضاء تسعى إلى ترجمة هذه القرارات والتوجيهات الدولية إلى ممارسات وطنية فاعلة وعملية بالنسبة للمشغلين، وذلك عبر لوائح متخصصة في هذا الشأن لتكون عنصراً مساهماً في الحفاظ على سلامة واستدامة بيئة الفضاء الخارجي لا سيما تلك المتعلقة بمشاريع واستثمارات الدولة، وبما يحقق ما رمت إليه السياسة الوطنية لقطاع الفضاء في دولة الإمارات وغاياتها، حيث قامت الوكالة بتطوير مشروع لائحة تضم المبادئ التشغيلية والممارسات التي تحث المُشغلين على اتباعها بغية تعزيز مراعاة أنشطتهم لتخفيف الحطام الفضائي والحد من انتشاره، وهي بصدد إصدارها بعد الأخذ بالاعتبار أراء المشغلين والجهات العاملة في القطاع.
وأشار إلى أن اللائحة يجري تطويرها بناء على التوجيهات الدولية في هذا الإطار، وأخذت بعين الاعتبار أفضل الممارسات الدولية، إلى جانب آراء الخبراء والمتخصصين ومختلف الجهات المعنية ذات الصلة، حيث سيجري تنظيم مجموعة من ورش العمل للتعريف ببنود هذه اللائحة وتوجيهاتها تجمع جميع الأطراف المعنية، بالتعاون مع المُشغلين الذي سيكون عليهم مشاركة تفاصيل عملياتهم من حيث التحديات، ومن ثم مناقشة التوصيات الصادرة عن هذه الورش للوصول إلى أفضل آليات تنفيذ هذه اللوائح وتطويرها مع الوقت.
وأضاف الراشدي: إن اللائحة تتواءم مع أهداف وأحكام مشروع القانون الاتحادي في شأن تنظيم قطاع الفضاء الذي وافق عليه مجلس الوزراء والمجلس الوطني الاتحادي مؤخراً، ويمر بمراحل الإصدار النهائية، حيث تتضمن أحكامه قواعد للتعامل مع الحطام الفضائي والأحجار النيزكية الساقطة وإدارة المخاطر الفضائية عموماً، وسيكون فور صدوره الأول من نوعه على مستوى منطقة العربية والإسلامية متميزاً بأحكامه المواكبة للتطورات في القطاع والهادفة إلى خلق بيئة تشريعية وتنظيمية جاذبة للقطاع الفضائي وتراعي الاستدامة والاستقرار في الأنشطة الفضائية.
حميد النعيمي: 8 آلاف قطعة نيزكية أصغرها بحجم الدرهم ندرسها ونوثقها
قال الأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي، مدير مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك إن الحطام الفضائي هو بقايا الأقمار الصناعية التي تدخل الجو، والنفايات الفضائية هي بقايا الأقمار الصناعية والمسابر الفضائية التي تتحطم في الفضاء بعد إنجاز مهماتها و«تنتحر» لتتحول إلى أشلاء تسبح في الفضاء وتلف في مدارها، وقسم منها يسقط على الأرض «الصخور الفضائية»، وتأتي من المناطق بين المريخ والقمر والمشتري، ويحترق وميض قسم منها «الشهب» وجزء يسقط على الأرض وهو «النيازك».
وأكد أن الإمارات حققت السبق والريادة في هذا المجال في المنطقة وأنشأت «شبكة أبراج الإمارات لمراقبة الشهب والحطام الفضائي»، وأطلقها رسمياً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في شهر مايو الماضي، وتضم هذه الشبكة ثلاثة أبراج أحدها الشارقة، في أكاديمية الشارقة لعلوم الفضاء والفلك، والثاني في مدينة العين، والثالث في ليوا، لتتمكن من تحقيق تغطية شاملة لسماء الدولة، وتعمل حالياً طوال الأربعة والعشرون ساعة، لرصد ومراقبة الشهب والنيازك والحطام الفضائية، التي تدخل المجال الجوي في البلاد، بهدف دراستها وبحثها وتحديد عمرها الزمني، وكذلك خطورتها، ومقارنتها بالصخور الأرضية، والاستعانة بها في الأبحاث العلمية المتخصصة.
وأضاف أن كل برج من هذه الأبراج الثلاثة يضم 17 كاميرا تغطي سماء الدولة من شروق الشمس حتى غروبها، تعمل على مراقبة أي شهاب محتمل أو حطام أقمار صناعية من صنع الإنسان تمر بسماء الدولة وستحدد هذه الشبكة المكان الذي سقط فيه أي من هذه الشهب، وبالتالي يتم تجميعها ودراستها بصورة شاملة وفق مختبرات وأجهزة خاصة «في مختبر علوم وتكنولوجيا المواد المتقدمة» والاستفادة منها علمياً في الدراسات الفيزيائية التي تعرضت لها هذه الأحجار على مدى 4.6 مليار سنة.
قطع نيزكية فريدة
وتابع الأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي، أن هذه الأحجار والصخور، ومن خلال دراستها، يمكن معرفة موقعها ودرجة حرارتها التي مرت بها والضغوط المختلفة التي تعرضت لها، ويتم حالياً عرض مجموعة من النيازك الفريدة، وهي الأكبر من نوعها على المستوى العالمي من حيث العدد والنوع، في معرض شامل به نحو 8000 قطعة نيزكية مختلفة الأنواع، الحجري، القمري، المريخي، وغيرها من الأنواع، وبعضها يصل حجمه لحجم «الدرهم» وأكبرها صخرة طولها متر و20 سم ووزنها نحو 500 كيلو جرام، وهي صخور جمعت من كل دول العالم وموثقة.
وذكر أن هذا المشروع والمحطة الفريدة من نوعها على المستوى العالمي جزء من البرنامج الدولي للتوعية بالحالة الفضائية الذي يعنى بتوعية عامة الناس على فهم خطر الحطام الفضائي، وبالتعاون مع وكالة الإمارات للفضاء، ومرتبطة بالشبكة العالمية، حيث يتم التواصل فيما بينها للرصد والمتابعة والتحذير وتحديد المواقع.
وقال: إن هناك العديد من التجارب العالمية حالياً التي تعمل جاهدة لدراسة التخلص من الملوثات الفضائية حول الأرض من الحطامات والنفايات الفضائية، تبذل من قبل العديد من الدول من أميركا وروسيا وأوربا والصين واليابان، إلا أنها كلها جهود لم تصل إلى الحلول القاطعة في الأمر، كما وأن مساعي الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية والخطوات المتسارعة والمحسوبة والمدروسة في مجال الفضاء وما تحقق لها من منجزات، يجب أن توضع في الحسابان، مؤمنين بأن القادم سيكون أفضل.
وأفاد بأن الإمارات بمؤسساتها المعنية بالفضاء والفلك تتابع وترصد كل ما يحدث عالمياً حول النفايات أو الحطامات الفضائية، وتهتم بها وفق تحذيرات وإشارات مع الجهات المعنية، ولا تتوانى في تقديم أي معلومة أو جهد يعود بالفائدة في هذا الأمر.
وقال النعيمي: «لم تعد علوم الفلك والفضاء نوعاً من الترف العلمي بل باتت أساسية في أوجه النشاطات الحياتية المختلفة في العالم أجمع والمتعلقة بالنشاط العلمي والتقني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي وتطوير أساليب الأرصاد الفلكية الأرضية والفضائية والاتصالات اللاسلكية وتقنية المعلومات ودراسة موارد الأرض الطبيعية عن بعد باستخدام الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، فضلاً عن استكشاف الفضاء الخارجي من كواكب ونجوم ومجرات وبالتالي الكون، وغيرها من النشاطات الحياتية الأخرى».
عدنان الرّيس: مشروعاتنا مستدامة ونراعي في تصميها التقليل من النفايات الفضائية
وأكد المهندس عدنان الريس مدير إدارة الاستشعار عن بعد، مدير برنامج المريخ 2117 في مركز محمد بن راشد لعلوم الفضاء والفلك، أن الإمارات تتابع وباهتمام موضوع الحطامات الفضائية، وتتبع مدارتها وسرعتها وأماكن وجودها نظراً لما لذلك من ارتباط وثيق بالأقمار الاصطناعية التي أطلقتها خلال الفترة الماضية، «خليفة سات» و«دبي سات 1» و«دبي سات 2».
وتابع: إن دور مركز محمد بن راشد لعلوم الفضاء والفلك في هذا الأمر، يركز على التقليل من النفايات الفضائية في ما يتعلق بالأقمار الصناعية التي يتم إطلاقها وهو ما وضع في الحسبان عند تصميم الأقمار الصناعية الثلاث، حيث روعي التقليل من هذه النفايات والمخلفات الفضائية عند إطلاقها.
وقال: إن الحطامات الفضائية، متنوعة الأحجام والتصنيفات عالمياً وتقدر بالملايين وتوثق من قبل الجهات المعنية وفق خارطة محددة تتابعها وتحدد أماكنها ومداراتها وسرعتها والتي تصل ما بين 7 إلى 8 كم في الثانية الواحدة، وهي حطامات ناجمة عن حطام الأقمار الصناعية وبقايا الصواريخ التي يتم إطلاقها، وهي الأجزاء الأخيرة منها والتي تنفصل عنها عند الإطلاق، لتسبح في الغلاف.
وأكد الريس أن المركز يراعي أيضاً ووفق مشاورات ومباحثات تسبق كل مشروع في بناء الأقمار الصناعية، تحقيق «الاستدامة» في الفضاء واختيار المدارات الفضائية الآمنة لكل قمر صناعي جديد يتم إطلاقه، بحيث يكون بعيداً عن مدار هذه الحطامات الفضائية لكي لا تؤثر عليه لاحقاً.
وأشار إلى أن المركز يتابع وباهتمام بالغ، كما هو الحال مع المراكز الفضائية الأخرى، أي تحذيرات أو رسائل تصل من قبل الجهات العالمية الراصدة لحركة ومدارات الحطامات الفضائية، لتجنب تعرض الأقمار الصناعية التابعة لنا لأي حادث خلال إدارتها، لافتاً إلى أنه وخلال الفترات الماضية تلقى المركز عدداً من التحذيرات تعلقت بهذا الأمر من وجود حطامات فضائية قريبة من مدار قمري «دبي سات 1» و«دبي سات 2»، إلا أنها -والحمد لله- لم تؤثر عليهما، ولم تتعرض الأقمار لأي حادث من هذا النوع، وكذلك لم يتلق المركز أي إنذار يتعلق بالقمر الصناعي «خليفة سات». وبين أن مركز محمد بن راشد لعلوم الفضاء والفلك وفي تطور المنظومة الفضائية والمهمة إلى المريخ يعمل على تحقيق الاستدامة في الفضاء، ويراعي في المشروعات الحديثة ما يتعلق بالنفايات والحطامات والتقليل منها.
تاريخ المخلفات
منذ بداية عصر اكتشاف الفضاء عام 1957، أطلق حوالي 4600 مركبة فضائية لوضع 6000 قمر صناعي في المدار المخصص له ولعل أقدم هذه الأقمار هو القمر فانقارد 1 (بالإنجليزية: Vanguard I) الذي أطلق عام 1958، ويعتبر هذا القمر الصناعي أقدم المخلفات الفضائية حيث ما زال يقبع في مدارهِ حول الأرض، وتشكل هذه الأقمار نسبة بسيطة مقارنة بالمخلفات الأخرى كقشور الأصباغ وخزانات الوقود.
وتعتبر التصادمات بين الأقمار الفضائية مصدراً آخر للمخلفات، ففي تقرير لوكالة ناسا للفضاء عام 1991، حذر دونالد كسلر «بالإنجليزية: Donald Kessler» من خطر التصادم المتسلسل للأقمار الصناعية، حيث المخلفات -الناتجة عن تصادم جسمين فضائيين من بقايا الأقمار الصناعية- ستؤدي إلى تصادم أعداد أكبر من الأجسام الفضائية، وهو ما حصل في العاشر من فبراير عام 2009 حيث اصطدم القمران الأميركي والروسي ونتج عن هذا التصادم ما بين 500 و600 جسم لا يتعدى حجم بعضها 10 سنتيمترات.
«الصياد المدمر»
تعتبر ناسا أول وكالة فضاء تقوم بإصدار تقرير يتضمن قواعد للحد من المخلفات الفضائية وكان ذلك في عام 1995 وبعدها بعامين قامت حكومة الولايات المتحدة الأميركية بإصدار مذكرة بقواعد ممارسات التخفيف من المخلفات الفضائية واعتمدت المذكرة على تقرير ناسا.
كذلك أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية برنامج لدراسة المخلفات الفضائية ووضع قواعد لتقليل ومنع حدوث تصادمات للأقمار الصناعية والمركبات الفضائية في مدارات الأرض، وقد أطلق البرنامج في العاشر من فبراير سنة 2009 بتكلفة 50 مليون يورو.
وهناك العديد من الجهود الدولية حالياً بإرسال أقمار صناعية وابتكار طرق للتخلص من هذه النفايات كصيد هذه النفايات «الصياد المدمر» وقمر صناعي لالتقاط المخلفات الفضائية، وغيرها من الجهود العالمية الأخرى، لتحقيق فضاء نظيف آمن.
رصد وفهرسة أكثر من 21 ألف جسيم حطامي
من أجل الحفاظ على سلامة رواد ومركبات الفضاء، يستخدم العلماء أنظمة الرادار وأجهزة التلسكوب لرصد قطع الحطام التي تطوف في مدار الأرض ويزيد حجمها على 10 سم، بهدف التسجيل الدقيق للمعلومات المتعلقة بهذه القطع وإنشاء سجل يوضح مساراتها ومداراتها، وحتى اللحظة، يجري رصد وفهرسة أكثر من 21 ألف جسيم حطامي.
وتتناسب الفترة الزمنية المقدرة لبقاء الحطام الفضائي في مدار كوكب الأرض مع ارتفاعها عن سطح الأرض، فعادةً ما تسقط قطع الحطام التي تطوف على ارتفاعات أقل من 600 كيلو متر لتعود إلى الأرض مرةً أخرى، ويقاس وقت التهاوي المداري للجسيمات على ارتفاع 800 كيلو متر بعشرات السنوات.
سرعة كبيرة وأضرار فادحة
أخذت المخلفات الفضائية تلقى اهتماماً واسعاً من المؤسسات التي تعنى بالفضاء -كالإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء «ناسا» مثلاً- لقدرة هذه الفضلات على التسبب بأضرار فادحة في هيكل المركبات الفضائية والأقمار الصناعية، فمعظم هذه الفضلات تسير بسرعة 8 كم/ ثانية (ما يقارب 28800 كم/ساعة). وبهذه السرعة يمكن لهذه الفضلات -مهما صغر حجمها- أن تخترق هيكل المركبات الفضائية وأن تشكل خطراً على حياة رواد الفضاء.
كما أن أي جسم من المخلفات بحجم كرة التنس يسير بهذه السرعة يحمل قدرة تفجيرية توازي 25 إصبعاً من الديناميت، كما يقدر أن لجسم بحجم حبة البازلاء يسير بهذه السرعة قوة اصطدام تعادل قوة جسم وزنه 181 كيلوجراماً يسير بسرعة 100 كم/ ساعة.
نفايات تسبح حول الأرض
المخلفات الفضائية «Space debris أو Space junk»، هي عبارة عن مجموعة من النفايات الناتجة من مخترعات الإنسان ومن بقايا الأقمار الصناعية السابحة في مدارات حول كواكب النظام الشمسي، وبعضها ما زالت مخلفاته في مدار الأرض تسبح حولها، وتشمل هذه المخلفات أي شيء لم يعد له حاجة في الفضاء كقمر صناعي للاتصالات معطل أو أجزاء من الصواريخ الفضائية الخاصة برفع الأقمار، وقد تكون هذه المخلفات صغيرة الحجم كبقايا قشرية من الأصباغ التي تطلى بها المركبات الفضائية.