محمد إبراهيم (الجزائر)

استيقظ الجزائريون أمس على خبر وفاة الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس الأركان الجزائري، عن عمر ناهز 80 عاماً، إثر إصابته بسكتة قلبية في منزله، ليغادر الرجل القوي المشهد السياسي بعد أن تصدره لمدة 10 أشهر.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية، في بيان لها، أن الفريق قايد صالح أصيب بسكتة قلبية ألمت به في بيته في السادسة والنصف صباحاً، ونُقل على إثرها إلى المستشفى المركزي للجيش بعين النعجة (بالجزائر العاصمة)، قبل أن تفيض روحه إلى بارئها.
ونعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في بيان للرئاسة رئيس الأركان الراحل، معدداً مآثره، مؤكداً أن ما قام به سيكتب في تاريخ الجزائر بحروف من ذهب.
وقرر الرئيس تبون، بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، بموجب الدستور الجزائري، تعيين اللواء سعيد شنقريحة (74 عاما) قائد القوات البرية رئيساً للأركان بالنيابة خلفاً لقايد صالح.
وفيما لم يعلن بعد عن موعد تشييع جنازة رئيس الأركان الراحل، قالت مصادر سياسية جزائرية مطلعة لـ«الاتحاد»، إن الجنازة ستكون على يومين، حيث سيوضع الجثمان مغطى بالعلم الجزائري في مقام الشهيد (النصب التذكاري للجندي المجهول) اليوم للسماح بإلقاء النظرة الأخيرة عليه من قبل كبار المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين بالجزائر، فيما ستقام للفقيد الراحل جنازة عسكرية يوم غدٍ الأربعاء، حيث سيوارى الثرى بمقبرة «العالية» بالجزائر العاصمة.
وأعلن الرئيس تبون الحداد الوطني لمدة 3 أيام في الدولة، و7 أيام في مؤسسة الجيش.
وانتشرت قوات الشرطة والدرك الوطني في الجزائر العاصمة منذ صباح أمس، ولم تتوقف الدوريات والمواكب طوال يوم أمس على الطريق الدائري الرئيس بالجزائر العاصمة.
وشهدت الأشهر الماضية بزوغ نجم الفريق قايد صالح، بقراره دعم الشعب والحراك الشعبي الذي بدأ في 22 فبراير الماضي، حيث كان أول من طالب بتطبيق المادة 102 من الدستور الخاصة بالعجز الصحي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يستقيل بوتفليقة في 2 أبريل الماضي.
وعقب استقالة بوتفليقة بات قايد صالح هو الرجل القوي في الجزائري، ووسط مطالب البعض على الدخول في مرحلة انتقالية يديرها مجلس توافقي، رفض الفريق قايد صالح ذلك الطرح، وأصر على أن الحل في المخرج الدستوري المتمثل في الانتخابات الرئاسية التي تأتي برئيس منتخب له كافة الصلاحيات.
وطوال 10 أشهر من الحراك، حرص الفريق قايد صالح على التأكيد على أنه لا طموحات سياسية لمؤسسة الجيش الجزائري، وأن الجيش ملتزم بأداء مهامه الدستورية، وسيعمل على دعم الانتقال الديمقراطي للسلطة عبر الانتخابات.
وأكد قايد صالح أكثر من مرة على أن الجيش ملتزم بتأمين الحراك من أي مؤامرات تحاك ضده، كما أنه كان أول من أطلق مصطلح «العصابة» على الدائرة المقربة من الرئيس السابق بوتفليقة، وأكد أنه سيتم محاسبة كافة المسؤولين الفاسدين من النظام السابق، متعهداً بتخليص قطاع العدالة من كل الضغوط التي كانت عليه وهو ما تم بالفعل.
وكان آخر ظهور علني لرئيس الأركان الجزائري الراحل يوم الخميس الماضي، في جلسة تنصيب الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، حيث تم تقليده وسام الاستحقاق الوطني من درجة «صدر»، وقوبل الفريق قايد صالح يومها بتصفيق حاد وترحاب شديد من الحضور تقديراً لدوره في الأشهر الماضية.
وبحسب مراسل «الاتحاد»، فإن الفريق قايد صالح غادر قاعة الاحتفال يوم الخميس خلال إلقاء الرئيس تبون كلمته عقب التنصيب، لبضع دقائق قبل أن يعود لمقعده في الصف الأول، وبدا مرهقا ويمشي بصعوبة.
ويوحي توقيت وفاة رئيس الأركان الجزائري بأن الرجل كان مصمماً على إتمام مهمته والوصول بالبلاد إلى الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس جديد قبل أن يرحل.
ولا يتوقع أن تحدث وفاة الفريق قايد صالح تغييراً في المشهد السياسي الداخلي بالجزائر، فالرجل وصل بالبلاد إلى انتخاب رئيس جديد له كافة الصلاحيات،
وجاء تعيين اللواء شنقريحة رئيساً للأركان بالنيابة في إطار التسلسل الطبيعي للجيش الجزائري، إذ يعتبر قائد القوات البرية هو الثاني في الأقدمية بعد رئيس الأركان.

رئيس الأركان الراحل في سطور
ولد الفريق قايد صالح في 13 يناير 1940 بولاية باتنة (شمال شرق)، والتحق مبكراً بالثورة التحريرية الجزائري ليتدرج بعد الاستقلال عام 1962 في عدة مناصب بالجيش الوطني الشعبي. ودرس رئيس الأركان الراحل بالجزائر والاتحاد السوفييتي، حيث حصل على شهادة من أكاديمية فيستريل بموسكو.
وشارك الفريق قايد صالح في حرب أكتوبر 1973 ضمن صفوف القوات الجزائرية التي شاركت إلى جانب الجيش المصري لاستعادة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي. وتقلد الفريق أحمد قايد صالح عدة مناصب، من بينها قائد كتيبة مدفعية، ثم قائد للواء وقائد للقطاع العملياتي الأوسط ببرج لطفي وقائد لمدرسة ضباط الاحتياط بالبليدة، كما تقلد كذلك منصب قائد للقطاع العملياتي الجنوبي لتندوف فنائب لقائد الناحية العسكرية الخامسة، وقائد للناحية العسكرية الثالثة، وبعدها قائد للناحية العسكرية الثانية. وحصل الفريق قايد صالح على رتبة لواء في عام 1993 وفي عام 1994 عين قائدا للقوات البرية، ليتم تعيينه في 2004، رئيساً لأركان الجيش الجزائري ورقي إلى رتبة الفريق سنة 2006، وفي 2013 تم تعيينه نائباً لوزير الدفاع. وحصل الفقيد على عدة أوسمة، منها وسام جيش التحرير الوطني ووسام الجيش الوطني الشعبي من الشارة الثالثة ووسام مشاركة الجيش الوطني الشعبي في حروب الشرق الأوسط 1967 و1973 ووسام الشجاعة ووسام الاستحقاق العسكري وكذا وسام الشرف، وكان آخر وسام حصل عليه هو وسام برتبة صدر من مصف الاستحقاق الوطني، من الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، نظير جهوده الجبارة والدور الكبير الذي اضطلع به في هذه المرحلة الحساسة لأجل إثبات سمو الدستور وضمان سلامة المواطنين وأمن البلاد ومؤسساتها.