عبدالله النقبي: المحبة خففت من صعوبة الحياة في الماضي
راشد بن سالم النقبي أحد رجالات مدينة خورفكان نشأ في بيئة صالحة متدينة وتربى على القيم الإسلامية من حيث حفظ القرآن الكريم والمحافظة على الصلاة في وقتها، ترك دراسته بعد الحصول على الابتدائية لكنه عاد ليلتحق بصفوف تعليم الكبار ويكمل تعليمه، تنقل في العمل بعدة وظائف حتى حط به الرحال في بلدية خورفكان.
راشد بن سالم النقبي الذي يلقب بالمطوع، لا يزال يعيش في مدينة خورفكان وسط احترام شديد له من قبل السلطة والأهالي، فهو رجل دين وتقي ومحضر خير، وهو أحد أبناء الجد الذي أطلق اسمه من قبل حكومة الشارقة ممثلة بإدارة الأوقاف، على أحد المساجد الأثرية في منطقة النقبيين، لأنه ذلك الرجل قضى معظم أيام حياته كشيخ علم رغم أن وظيفته كانت العمل في الغوص، كما أن لديه عدة مزارع كان يعينه في العمل فيها عدة أبناء توفي منهم ثلاثة وبقي راشد بن سالم وشقيق ثان هو عم شخصية اليوم عبدالله بن راشد المطوع.
أسرة كريمة
عندما كبر عبدالله سمع الكثير من الحكايات عن الجد من والده، ومنها أن له نفسا طويلا حين كان يغوص تحت الماء بحثا عن اللؤلؤ، كما أنه من الأشخاص القلة الذين كانوا يرقون المرضى بالقرآن وكان مجاب الدعوة، والجميع كانوا يتذكرون أنه لم يغب عن صلاة الجماعة حتى بلغ التسعين من العمر، أما عم عبدالله فقد عمل طواشا يطوف على التجار لبيع وشراء اللؤلؤ، أما الجد فقد منحه الله القوة ليزور أصدقاء له سيرا على الأقدام من خورفكان وحتى منطقة الوليه.
بالنسبة لمنطقة خورفكان التي تقع في الغرب تعرف عند الكثيرين بأكثر المناطق التي تجمع أفراد قبيلة النقبيين، وقد ضمت الأسر التي قامت ببناء المنازل حجرا فوق حجر وتشارك الأهالي في تلك العملية، وربطت الجيرة بين الجيران والأقارب علاقات نسب ومصاهرة، والحياة فيها تعتمد على كد الرجال، ومثل بقية الرجال في مناطق الدولة المختلفة، كان الكثيرون يعملون في صيد الأسماك، وهناك عدد يذهب في سفن الغوص لصيد اللؤلؤ كما عمل البعض في بيع وتجارة اللؤلؤ أو صناعة السفن، وبقي الكثيرون أيضا ليعملوا في البيع والشراء والزراعة البسيطة.
ويقول عبدالله إن البعض أصبح يزرع النخيل والليمون واللوز والتين، وحتى البرتقال كان يزرع منذ القدم في خورفكان ومنه ما يسمى الحامض حلو، ومن أجمل العادات التي لا تزال باقية إلى اليوم وهي قوية، أن كل الأهالي باختلاف أسماء القبائل يؤمنون أنهم أهل، ولذلك يتعاون الرجال في بناء مساكنهم، بجمع الأحجار الصخرية من الجبال القريبة جدا من المساكن التي تم بناؤها، ولم يكن هناك من يتقاضى أجرا على العمل، فكل الأعمال تدار تقريبا بالتكافل وليس عن طريق الأجر.
ويشرح عبدالله عمليات البناء قائلا إنها كانت تستغرق وقتاً طويلاً لكسر الصخور وتنسيق حجمها، حسب المكان المناسب لموضع الحجر، والخشب كان إما من جذوع النخل أو من أخشاب أشجار أخرى كانت تستورد عبر السفن التجارية، ولم يكن الأهالي يرغبون في مساكن تجعل بينهم حواجز، ولذلك كانت تلك البيوت متقاربة جداً، وبينها دروب صغيرة وضيقة تصل بعضها ببعض، أما الأسرة الواحدة الكبيرة فكانت تفضل أن يكون بين البيت والآخر فرجة صغيرة وهي «الفرية» بالمحلي وكان الناس كالكتاب المفتوح لبعضهم البعض.
حلاوة الحياة
يقول عبدالله الحياة كانت حلوة رغم صعوبة الأعمال بحثاً عن الرزق، وذلك بسبب المحبة التي تعمر القلوب، وهي تخفف من صعوبة وقسوة الحياة، فلم تكن هناك أعمال سهلة وكل مهنة فيها من المخاطر الكثير، خاصة صيد الأسماك وصيد اللؤلؤ، ولكن عند عودة الرجال إلى بيوتهم يتواصلون خلال الصلوات الخمس في المساجد، وكان الوقت الذي يلي الصلاة مناسباً لشيء من المحادثة.
ويوضح عبدالله أن أفضل وقت للحديث الطويل والأخذ والعطاء مع بعضهم هو في الغالب بعد صلاة العصر وحتى أذان المغرب، ثم بعد صلاة المغرب يتفرق الأهالي ليذهب كل إلى بيته ويتم تناول وجبة العشاء، وفي الغالب يعودون للتسامر بعد صلاة العشاء لبرهة قصيرة، وينام الأهالي باكرا لأنهم يستيقظون باكراً عند أذان الفجر.
وتدب الحياة في المدينة حيث يتوجه الناس إلى شؤونهم من أجل الرزق، والبعض منهم يكون مسافراً للتجارة التي كانت إما لأجل شراء المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، أو من أجل شراء مواد البناء التي تستخدم مع بعض المواد المحلية البسيطة.
راشد أخبر ولده عبدالله أن الجد عندما حضرت منيته نادى على ولده وقال له دعني أستقبل القبلة، فعمل على أن يحركه وهو على فراش الموت حتى واجه القبلة، فقال لولده إن ساعته قد حانت وأن لديه ثلاث وصايا وهي ألا يؤخر جنازة ميت، وأن يحافظ على الصلاة، وأن يزوج بناته عند البلوغ، ثم نطق الشهادة ثلاث مرات وخرجت روحه في يسر. واستطاع راشد أن يكمل مسيرة والده في انتظار الصلاة وتلاوة القرآن، وكان يصطحب عبدالله إلى المزارع وهو في عمر السادسة ويخبره عن الجد الذي بلغ المائة من العمر، وقد عمل راشد على تسجيل والده في مدرسة الخليل بن أحمد عند بداية الاتحاد وكانت المدرسة تضم جميع المراحل الدراسية.
ومن الذكريات التي لا ينساها ويحب أن يتذكرها تلك الحياة الحلوة كما يصفها، ومن أجمل ما كان فيها السباحة في المزارع في الصيف حيث المياه الوفيرة الباردة، والفواكه مثل الرطب والهمبا أو المنجة واللوز، ولا ينسى الجد المنصوري من طرف الأم الذي كان يأخذ بيده ويذهب به إلى البحر ليتعلم السباحة، والذهاب للعب مع الأطفال أمام البيوت الألعاب الشعبية، وصنع بعض الدمى البسيطة مثل السيارات والعجلات.
المشوار المهني
عبدالله ترك الدراسة بعد الحصول على الابتدائية كي يتوظف في وزارة العدل، وفي عام 1984 سجل في مراكز تعليم الكبار كي يكمل تعليمه، وبعد الحصول على الإعدادية ترك العدل ليقدم للعمل في هيئة المواصلات، حيث شغل مدير التسجيل البحري ولكنه لم يكتف بذلك لأنه محب للعمل التطوعي ولذلك كان يهب لمعاونة أي أحد من الجيران أو الأهل.
ويذكر أن لوالده قدراً كبيراً عنذ الشيخ صقر القاسمي رحمه الله عليه عندما كان يدير مدينة خورفكان، ولتواضع الشيخ الشديد عندما يرى والد عبدالله كان يتوقف وينزل منها ليذهب للسلام عليه، ومثلما كان الأهالي يذهبون للجد كي يرقيهم عند المرض، استمروا في الذهاب لراشد ليس لأن رقياه ستكون سببا في الشفاء ولكن لأنه يحفظ الرقية كما كان والده ولا يتقاضى أجرا على الرقية.
تزوج عبدالله في الرابعة والعشرين، وبقي مع والده في ذات المنزل بعد الزواج، خاصة أنه الأكبر بين إخوته وكان يعتمد عليه في كل شيء، ومنها أن يتاجر له في الرطب بعد موسم الجني وأيضا في التمور، وكان ينوب عن والده عند غيابه لاستقبال الضيوف، أو يرسله برسالة لأحد من الأقارب عندما يكون مريضا أو منهكا من العمل، وفي الوقت ذاته لم ينس عبدالله أن يتحدث عن والدته، فهي تلك المرأة الإماراتية التقليدية التي تخدم البيت ومن فيه، وتربي أجيالا ورجالا.
ويقول عبدالله إن والدته حرصت على أن تجلس بشكل يومي خلف البيت لتناول قهوة الضحى مع النسوة، وخلال ذلك كن ينجزن بعض الأعمال اليدوية المهمة، وفي المنزل كانت نعم المربي والموجه ومن الأمهات الفاضلات اللاتي لا يمر يوم دون أن يؤكدن لأبنائهن أن الصلاة في وقتها تجلب البركة والخير، وبجانب مهام تحقيق احتياجات الأبناء كانت تفرح لقدوم الضيوف الذين يأتون للبحث عن والده من أجل الرقية، فقد كانت تؤمن أن كل عمل يقدمه الإنسان في حب الله يكون الأجر عليه في حفظ الأبناء والرزق والصحة.
وخلال أدائه لمهامه الوظيفية كان عبدالله يفكر دوما في الذهاب إلى فرنسا لكثرة ما سمع عن جمالها وروعة باريس، ولذلك حقق لنفسه تلك الأمنية بعد أن توظف، حيث سافر برفقة أحد أصدقائه في عام 1985، وقام بزيارة برج أيفل وشارع الشانزليزيه ومتحف اللوفر، وفي الوقت ذاته أراد أن يكون رجلا له مكانة علمية فواصل تعليمه المسائي ليكمل الثانوية، ثم سجل في جامعة الشارقة لأنه كان يحلم بالحصول على شهادة جامعية في إدارة الأعمال، ولكن ظروف خارجة عن إرادته وقفت عائقا دون أن يكمل، وبقي المطوع ست سنوات في المواصلات ثم عمل في وزارة الزراعة طامحا في أن يترقى، ثم استقال وقدم في بلدية خورفكان ويعمل حاليا مسؤولاً عن سكن العمال.
المصدر: خورفكان