«النقد العربي»: 4% النمو المتوقع لاقتصاد المنطقة خلال 2012
بسام عبد السميع (أبوظبي)- يحقق الاقتصاد العربي نمواً اقتصادياً قدره 4% العام الحالي مع استقرار أسعار النفط فوق مستوى 100 دولار للبرميل، بحسب توقعات الدكتور جاسم المناعي، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لصندوق النقد العربي، في مستويات قريبة من النمو المقدر للعام الماضي.
وقال الدكتور المناعي إن الصندوق اعتمد مؤخراً مؤشر “النمو الشامل” معياراً للنمو الاقتصادي بدلاً من مؤشر معدل النمو السابق، والذي اعتمد على مفهوم الزيادة في كمية السلع والخدمات.
وأضاف لـ”الاتحاد” أمس على هامش افتتاح دورة ينظمها الصندوق بأبوظبي أن النمو الشامل يحدث من خلال خلق الفرص الاقتصادية مع ضمان المساواة في الوصول إليها وإدماج جميع فئات المجتمع بتطوير الاقتصاد بطريقة حديثة لضمان وصول النمو للجميع، وذلك من خلال حل مشكلات الأفراد في مختلف البيئات، ومنها مشاكل البطالة وتوزيع عادل للدخل وإيصال الخدمات المصرفية للسكان خارج المدن، وتوفير التمويل للصناعات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من المشكلات القائمة في النموذج الاقتصادي السابق والقائم على أساس تحقيق معدل نمو مرتفع دون النظر لتلك المشكلات.
وأشار المناعي إلى أن مصطلح النمو الشامل جاء ليعالج الثغرات التي نجمت عن سياسات النمو السابقة في البلدان العربية والتي كانت متبعة قبل حدوث ثورات الربيع العربي، موضحاً أن الحكومات العربية تواجه في الوقت الراهن عدداً من التحديات الكبري لدعم البرامج التنموية، ومنها العجز الدائم في ميزان المدفوعات، نتيجة فقدان عدد من البلدان العربية إيرادات مالية كبيرة ممثلة في الإيرادات النفطية، كما هو الحال في ليبيا بشكل خاص، فضلاً عن تقلص حصيلة الضرائب وخسائر قطاعات السياحة والاستثمار.
وعانت مؤسسات اقتصادية عربية بعدما تأثرت بتراجع الأوضاع الاقتصادية في العالم العربي نتيجة أحداث الثورات العربية، بعدما تضررت أعمالها لدرجة تعثر قدرتها علي تسديد إلتزاماتها المالية تجاه المصارف التي بدروها اضطرت إلي تحمل المزيد من المخصصات في مقابل بعض القروض المتعثرة، الأمر الذي انعكس في انكماش قدرة تلك المصارف علي الاستمرار في منح المزيد من الائتمان، بحسب المناعي.
ونبه إلى أن الصندوق وبالتعاون مع البنك الدولي أطلق مبادرتين للمساهمة في تحقيق النمو الشامل وذلك من خلال مبادرة تطوير تشريعات نظم الاستعلام الائتماني لتسهيل إقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وقال “إن مبادرات المشاريع الصغيرة والمتوسطة تهدف إلى دعمها خصوصاً فيما يتعلق بسبل التمويل وتوافر البيئة التشريعية والقانونية لعمل مشاريع الشباب”، مؤكداً أن المبادرة الأولى تتعلق بتوافر نظم الاستعلام الائتماني المتجه إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، في حين تعمل المبادرة الثانية على تطوير التشريعات القانونية الخاصة بالاقراض المضمون.
ولفت إلى أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البلدان العربية لاتزال تعاني قصوراً واضحاً في البيئة التشريعية المنظمة لها، فضلاً عن الصعوبات التي تواجه تلك المشاريع في الحصول على التمويل اللازم، مؤكداً أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة توفر ما نسبته 90% من فرص العمل الجديدة في البلدان المتقدمة، بينما لا تتعدى تلك النسبة الـ 50%، في بلدان العالم العربي.
وحول تصنيفات مؤسسات الائتمان الدولية عربياً وعالمياً، وتأثيراتها السلبية، أفاد المناعي بأن تلك الجهات رغم بعض السلبيات الناجمة عن تصنيفاتها، إلا أنها تشكل محفزاً للدول والمؤسسات المالية على الاستمرار في الطريق الصحيح.
وأشار إلى أن تأثيرات أزمة الديون الأوروبية على الدول العربية محدودة للغاية.
وافتتح المناعي أمس بمقر الصندوق في أبوظبي دورة “سياسات النمو الشامل في منطقة الشرق الأوسط” والتي ينظمها معهد السياسات الاقتصادية بالصندوق بالتعاون مع البنك الدولي وتستمر حتى 26 من الشهر الحالي.
وقال المناعي “يُجمع معظم صناع السياسات على أن النمو عنصر أساسي وجوهري في أي استراتيجية تهدف إلى معالجة مشكلتي الفقر والبطالة خاصة نسب النمو المرتفعة التي تعمل بالنهاية على رفع مستوى المعيشة لدى الناس”، كما أن العلاقة بين نسب النمو المرتفعة والتقليل من حدة الفقر والبطالة تعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة وهيكل ومكونات النمو.
وأضاف “لكي تتحقق الأهداف المنشودة، يجب أن يكون هذا النمو شاملاً بحيث يأخذ منظوراً طويل الأمد وأن يتم التركيز على العمالة المنتجة، وخلق وظائف جديدة للطبقات الفقيرة، ما سيؤدي إلى زيادة الدخل القومي وتحسين توزيعه بين طبقات المجتمع المختلفة.
وأشار إلى أن النمو سيكون شاملاً عندما يتم خلق الفرص الاقتصادية جنباً إلى جنب مع ضمان المساواة في الوصول إليها.
وقال المناعي “العديد من دولنا العربية تشهد اضطرابات اجتماعية مبعثها الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها شرائح كبيرة إذ أن نسب النمو الجيدة التي كانت تشهدها اقتصادات الدول العربية في الغالب لم تلمس ثمارها جميع شرائح المجتمع”.
وأشار إلى أن بعض الدول قامت باتباع سياسات قصيرة الأمد مثل زيادة الدعم والأجور من أجل تخفيف المشقة على المواطن العادي، ورغم أن هذه السياسات تعمل على التحفيف من حدة المشكلة في المدى القصير، إلا أن سياسة النمو الشامل تتطلب أن تتصف بالاستدامة لرفع مستوى المعيشة للمجتمع وللأجيال المقبلة.
وتابع “وعلى ذلك، يتطلب الأمر بأن تبدأ هذه الدول في التحرك نحو سياسات مالية أفضل وأكثر استدامة مثل الإنفاق على البنية التحتية والتعليم والصحة التي ستؤدي بالنهاية إلى إرساء قواعد النمو الشامل بدلاً من الاستمرار بسياسات الدعم التي تحتاج إلى كثير من الترشيد والتي لا تميز بين من يستحق الدعم ومن لا يستحقه”.
وأفاد بأن سياسة النمو الشامل لن يكتب لها النجاح، إذا لم يكن هناك نظام مالي شامل حيث أن وجود النظام المالي أصبح واجبا وضرورة، نظراً للأهمية التي يلعبها القطاع المالي في تحقيق النمو الشامل.
وأوضح المناعي أن وجود قطاع مالي ديناميكي سيسهم في المساعدة على تحقيق نتائج اقتصادية أفضل، فالوظائف العديدة للقطاع المالي التي تتمثل، على سبيل المثال لا الحصر، في تجميع المدخرات وتقييم أفضل الاستثمار وإدارة المخاطر وتسعيرها وتخفيض تكلفة المعاملات وإجراء عملية المقاصة وتسوية المدفوعات والآلية لانتقال أثر السياسة النقدية، كل هذه الوظائف لا بد أن تعود بالنفع على الاقتصاد ووتيرة نموه.
وأكد أنه لتحقيق هذه الأهداف يجب على الحكومات العمل على توفير بيئة ملائمة مثل تحسين الأطر القانونية التي تحمي حقوق الدائنين والمساهمين، والعمل على تفعيل مبدأ الشفافية لتتيح المساءلة والحوكمة السليمة وضمان قواعد عمل تقوم على الشفافية، كذلك السعي إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي ودعم المنافسة في السوق المصرفي.
وتركز الدورة على عدد من محاور النمو والحد من الفقر والبطالة، القطاع الخاص ودوره كمحرك للنمو، واقتصاد المعرفة والنمو الاقتصادي، الاستثمار الأجنبي والقطاع المالي ودوره في التنمية.
من جهتها، قالت إلينا ياشو ممثلة البنك الدولي خلال الدورة “إن مفهوم النمو الشامل يتضمن مصالح مختلف فئات المجتمع ويركز على كيفية أن يكون الاقتصاد قادراً على توظيف السكان وبشكل منتج، لافتة إلى أن البنك الدولي يعمل على إنجاز ذلك المفهوم منذ أكثر من 3 سنوات”.
وقالت “تتنوع مستويات الدخول والموارد ومعدلات النمو بالمنطقة العربية نتيجة اختلاف البيئات الجغرافية والسياسات الاقتصادية في تلك الدول”، مشيرة إلى أن المنطقة بحاجة لفرص أفضل وبيئة محفزة للأعمال لتحقيق فرص المساواة بين الجميع.