راشد الكتبي بدأ مشواره بتربية الإبل ويواصله بالعمل المكتبي
نشأ راشد عبدالله مبارك بن علي المحيان الكتبي على حب الإبل وتربيتها وحلبها والتنقل عليها بسبب مرافقته لوالده في طفولته المبكرة، ما أكسبه صفات حميدة كثيرة من بينها الصبر والجلد والقوة، ثم التحق بالعمل العام وظل يتنقل في مناصبه حتى تقاعد منه عام 2000 برتبة لواء.
أهالي المنطقة الوسطى كانوا البدو الرحل الذين ينتقلون من مكان إلى آخر خلف الماء والكلأ، فمنهم من يتوجه إلى السيوح والبعض إلى مزيرع، وبعضهم يذهب إلى طوي المطرق عند ضاحية مويلح، ومن بين رجال الذيد الوجهاء عاش في المنطقة الوسطى عبدالله مبارك المحيان الكتبي، وقد كانت له علاقة طيبة مع الشيوخ في إمارة دبي وإمارة الشارقة وكانت مهنته تربية الإبل والإتجار بها أو السفر عليها.
نشأة صالحة
في فترة من الزمن انتدب للعمل خارج منطقته، ولذلك قبل أن يغادر أسرته كلف نجله الأكبر ليدير شؤون الأسرة، وكان الأخوة الذكور أربعة والإناث اثنتين، ومن بين الأبناء كان راشد المحيان أحد وجهاء المنطقة الوسطى اليوم، ورئيس مجلس إدارة أولياء أمور الطلبة في المنطقة، والذي أطلق جائزة راشد المحيان للتفوق، كأحد المبادرات التي تشجع على التعليم والتميز.
عندما وعى راشد على الدنيا وجد أن أحد أخواته كانت متزوجة والأخ الأكبر محمد كان أحد رجال الحاكم، وكان محمد رجلا تقيا ومتسامحا ومحبوبا من الأهالي، وراشد يعده في مقام والده وكان طيب المعشر وفي الغالب كان هادئا، ولم يرفع على أحد من إخوته العصى للتأديب كما يفعل الكثير من الأخوة لأخوتهم الأصغر في العمر، وإنما كان يربيهم بالنصيحة، وعندما دخل أبناء المنطقة إلى الكتاتيب أو عند المطوع لتعلم القرآن لم يحصل راشد على تلك الفرصة، فقد كان يرافق والده طوال الوقت، حيث كان يردفه معه على ظهر البعير، وربما تستمر الرحلة الواحدة لوجهة ما حوالي يومين إلى أربعة أيام.
ومن المهارات التي اكتسبها من والده كيفية وضع العتاد على المطية وكيفية فرك الليف لصنع الحبال أو حلب البوش، ثم علمه الرماية حيث كان يحمل دائما بندقية للحماية الشخصية عند التنقل والسفر، كما علمه آداب الطعام وكيفية الاعتماد على النفس وطرق إدارة الذات، سواء بين الأهل والإخوة أو مع الآخرين، وكان والده لا يتكل على زوجته في متطلباته وكان يشدد على أن يتأخر الصغار عن تناول الطعام حتى يمد الكبار أكفهم للطبق من باب الاحترام.
تعلم راشد من والده كيف يصنع لنفسه حزاما وكيف يحمل العصى وكيف يقص العشب والنباتات دون أن يضر بها أو يؤذي نفسه منها، وفي مرحلة أخرى من مراحل طفولته انتقلت الأسرة ما بين طوي راشد والذيد، ثم تم الاستقرار في الأخير، وفي عام 1956 بدأ راشد يطرش مع القوافل أي يسافر معها إلى الشارقة أو عجمان وتستغرق المسافة ثلاثة أيام في الطريق عند الذهاب.
السفر والقنص
في عام 1959 سمع عن شركة تعمل في جمع الجص للبناء وتقدم للعمل معهم، وكان معه إخوته محمد ومهير، حيث كانوا يجمعون الجص ويتم تحميله في المركبات، ولكن عندما علم راشد أن هناك مشروع تكوين نواة للجيش ترك العمل مع الشركة، وذهب للتسجيل مع الجيش في المنامة عام 1963، وقد عرف عن مشروع الجيش من مجموعات كانت تجوب الإمارات للتفتيش عن رجال للعمل في الجيش، ونقل له تلك المعلومات مطر بن معيوف بن غاشم، الذي عرفه على نفسه وشجعه على أن يكون رجلا عسكريا، وفي البداية لم يكن راشد يرغب في ترك القنص والسفر على الإبل، ولكن بن غاشم استمر في تشجيعه حتى أقنعه.
ما أقنع راشد أن المبالغ التي يحصل عليها خلال رحلاته التجارية حوالي 60 درهما هي الحاصل من بيع الحطب والماعز والمنتجات الزراعية البسيطة. ويبيع رجال ضمن القافلة منتجات الألبان والمشغولات اليدوية، وفي مقابل ذلك يشترون من سوق الشارقة حبوب القهوة والسكر والدقيق والأرز، إلى جانب الأقمشة والبهارات من التوابل التي تستورد وتباع في الأسواق الشعبية، والمبلغ الذي سيحصل عليه 100 درهم راتبا عن العمل كعسكري، وقبل أن يذهب راشد إلى المعسكر اجتمعت الأسرة وكان من بينهم شقيقه محمد، ونصحه بالابتعاد عن تقليد عادات الغرب لأن الضباط من الإنجليز، ومن عاداتهم شرب الخمور وقد رفع في وجه راشد أصبعه مهددا إن سمع عنه ما يمس سمعة الأسرة فإنه سيدفنه في المعسكر.
عندما وصل إلى المعسكر كان يبلغ السادسة عشرة من عمره، وقد استقبله بعض الضباط كانوا يجلسون خلف طاولة، فسأله أحدهم عن عمره فرد عليه راشد أنه في الستين من عمره لأنه خشي أن يرفض بسبب صغر سنه، فضحكوا، وتم قبوله ضمن فريق أشبال الجيش.
كشافة الإمارات
وكانت البداية في معسكر القاسمية ثم انتقلت إلى معسكر المرقاب، ومن ثم تم فتح معسكر في المنامة لإمارة عجمان. منح راشد رتبة جندي عسكري في الأغرار، واستلم المعدات وبدء يتلقى التدريبات لمدة أربعة أشهر، وكان يعود لأسرته عند نهاية كل شهر، حيث يتم تحميل الجنود في مركبة بيدفورد تنقلهم لمختلف مناطقهم السكنية، واندمج راشد في الحياة العسكرية وانتقل إلى السرايا وكان ضمن السرية الرابعة، وتعرف على ضباط ومنهم خليفة بن حاسوم والحميدي بن سالم، وتنقل بين الوحدات ومنها لواء اليرموك، واستمر عسكريا يترقى في المناصب حتى وصل إلى رتبة لواء وتقاعد في 1 مارس 2000.
كان راشد مشجعا دائما للطلبة، ويحب أن يحث على التعليم ويشجع الأهالي على تمكين الأبناء من إكمال تعليمهم، ولحنكته وذكائه وهدوئه تم اختياره ليكون ضمن مجلس أولياء أمور الطلبة عام 1980، حتى أصبح رئيس المجلس، كما عين نائبا لرئيس المجلس البلدي في الشارقة بقرار من الحاكم، وهو حاصل على جائزة الشارقة للعمل التطوعي لما يقدمه من جهود للمنطقة وأبنائها.
إلى جانب ذلك فإن راشد لا يزال يحيي عادات رجال الذيد، حيث يستقبل رجال المنطقة في تل الزعفران بالذيد، ويتم خلال اللقاءات تداول شؤون واحتياجات الأهالي، ونقل وجهات النظر إلى المجلس البلدي فيما بعد بشكل رسمي، كما أنه يواصل العادة الأصيلة التي تربى عليها كل بدوي، وهي تربية الهجن لما فيها من خير كثير للمربي وللبيئة التي تعيش بها تلك الإبل.
المصدر: الذيد