حسونة الطيب (أبوظبي)
مُني إنتاج السيارات بنسبة كبيرة من الانخفاض للمرة الأولى في غضون عقد، ليشكل ما يزيد على 25% من تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي في الفترة بين 2017 و2018.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي، من أكبر وتيرة تراجع منذ الأزمة المالية العالمية، يواجه قطاع السيارات تهمة الجاني والضحية، بحسب صحيفة فاينانشيال تايمز.
ويؤثر قطاع السيارات العالمي، سلباً على صحة الاقتصاد العالمي وبدرجة تفوق حصته في إجمالي الإنتاج، حيث تملك شركات صناعة السيارات، سلاسل توريد ضخمة للتعهيد بقطع الغيار، كما أنها من أكبر المستهلكين للمواد الخام والكيماويات والالكترونيات، وتؤثر ثرواتها على ملايين وظائف قطاع الخدمات في المبيعات والصيانة وعمليات الإصلاح.
وربما يعتبر القطاع، مسؤولاً عن أكثر من 33% من حالة البطء التي سادت نمو التجارة العالمية بين 2017 و2018 وفقاً لصندوق النقد الدولي، بعد الوضع في الاعتبار، الأثار التي لحقت بتجارة قطع الغيار والسلع الوسيطة الأخرى.
ويتوقع الصندوق، تعافي نسبي في التجارة العالمية خلال العام المقبل، بفضل انتعاش منتظر في قطاع السيارات.
ويؤكد تحليل الصندوق، احتمال حدوث المزيد من التدهور، إذا وقع القطاع، الضحية التالية للصراع التجاري الدائر بين أميركا وأوروبا، في الوقت الذي يخطط فيه البيت الأبيض لفرض رسوم قدرها 25% على واردات السيارات.
ويلقي العديد من خبراء قطاع السيارات، باللوم على سياسة أميركا التجارية لتسببها في جزء كبير من حالة الركود التي يمر بها القطاع، خاصة الكساد الشديد في السوق الصينية، التي تسهم في دفع عجلة نمو المبيعات العالمية.
وقال هيربيرت ديس، المدير التنفيذي لشركة فولكس فاجن: «تؤثر هذه الحرب التجارية بالفعل على مزاج العملاء، ويمكن أن ينجم عنها اضطراب في الاقتصاد العالمي. ونظراً لهذه الحرب، تمر سوق السيارات الصينية بفترة كساد حقيقي». لكن وفي حين، تعاني شركات صناعة السيارات، مثل الشركات الصناعية الأخرى، جراء عدم اليقين حول السياسة التجارية، لم تتحول لهدف مباشر للتجارة الأميركية حتى الآن. وعزا صندوق النقد الدولي، ركود قطاع السيارات، للتغيير في سياسات الصين، بما في ذلك سحب الإعفاءات الضريبية، التي تشجع على اقتناء السيارات والقيود المفروضة على عمليات الاقراض، بجانب الاضطرابات الناجمة عن بدء الاختبارات الجديدة لانبعاثات الكربون في أوروبا.
ويشير الصندوق إلى عزوف العديد من العملاء عن الشراء، نتيجة للتغيير السريع الذي يطرأ على المعايير، في الوقت الذي تنتعش فيه خيارات مشاركة السيارات.
وفي غضون ذلك، انخفضت مبيعات السيارات في الهند، نظراً لمشاكل في قطاع صيرفة الظل، الذي يقدم نصف عمليات تمويل شراء السيارات الجديدة، في حين أدى الركود في تركيا وعدم اليقين المتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى عرقلة مسيرة المبيعات في أسواق أخرى رئيسية.
وانخفضت مبيعات السيارات، بنسبة قدرها 3% خلال 2018، في حين تراجع الإنتاج بنحو 2,4%، بعد إجراء التعديل اللازم للفروقات في متوسط الأسعار بين البلدان، بحسب صندوق النقد الدولي.
وربما تسوء الأمور، في حالة وقع قطاع السيارات، ضحية للرسوم الجمركية التي تتبادل الدول في فرضها.
وفي ظل طبيعة سلاسل التوريد بعبورها للحدود وإتمام عمليات التصنيع في وقتها المطلوب، ربما تعترض القطاع، عقبات في طريقه التجارية.
وألمح وزير التجارة الأميركي ويلبر روس، لميل واشنطن للمواصلة في الحوار مع الاتحاد الأوروبي، بدلاً من فرض الرسوم الجمركية على السيارات الواردة.
لكن لا يزال تهديد هذه الرسوم قائماً، حيث توصل تقرير نشره معهد بيترسون للاقتصادات العالمية، إلى أنه وفي حال اصرار أميركا على فرض هذه الرسوم على السيارات الواردة من جميع الدول الأخرى، سيتراجع إنتاجها من السيارات، بنحو 1.5%، بجانب تسريح القطاع لوظائف بنسبة 2% من قوته العاملة، وبطالة نحو 195 ألف عامل على نطاق البلاد، نتيجة لصدمة الاقتصاد الكلي.
وعند مقابلة هذه الدول للضريبة الأميركية، بضريبة مماثلة، يتراجع إنتاج أميركا من السيارات بنسبة تصل لنحو 3%، مع فقدان 624 ألفا لوظائفهم وتسريح 5% من العاملين في القطاع.
وحتى الآن، تعتبر أميركا الدولة الوحيدة الكبيرة التي تشكل مبيعات السيارات فيها، نمواً نسبياً.
ويبدو الركود في العديد من الدول الأخرى، دورياً، حيث أعقب سنوات عدة من انتعاش المبيعات وتزامن مع الزام العديد من شركات صناعة السيارات، بتخصيص استثمارات كبيرة لتطوير السيارات الكهربائية، التي ربما تكون مصدر خسائر على المدى القريب على أقل تقدير. لكن وفي ظل انتشار عدم اليقين حول التجارة، والقلق بشأن النمو العالمي، تبرز عوامل تقف عقبات تحول دون انتعاش قطاع السيارات واقتناء الناس لمركبات جديدة.