حسونة الطيب (أبوظبي)

سيل من أموال مؤسسات السلع الفاخرة الأوروبية، بدأ يتدفق في الصين خلال موسم الخريف الحالي، حيث أعلنت على سبيل المثال ريتشموند السويسرية نهاية أكتوبر الماضي، عن عقد شراكة مع علي بابا، في محاولة للدخول في السوق الإلكترونية، في بلاد تستحوذ على ما يقارب نصف مبيعات السلع الفاخرة في قطاع من المرجح أن يبلغ نحو 281 مليار يورو هذا العام، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وخلال آخر مؤتمر لها أعلنت فيه نتائجها المالية، أكدت رالف لورين الأميركية للملابس والإكسسوارات والعطور الفاخرة، عن فتح 10 متاجر إضافية في الصين خلال الربع الأخير، لتمضي في طريق فتح 50 متجراً أخرى بنهاية العام المقبل.
ويبدو أن قطاع السلع الفاخرة الصيني، قد أسر كبرى الشركات العالمية بسحر أمواله الضخمة. لكن سماء هذا القطاع، لا تخلو مما يعكر صفوها، خاصة في ظل الحرب التجارية التي تدور رحاها بين أميركا والصين، بالإضافة إلى ضعف اليوان وتذبذب نمو الاقتصاد الصيني في الآونة الأخيرة. ولا تزال ذكرى كساد قطاع السلع الفاخرة بين 2013 إلى 2016، عندما أحجم الصينيون عن الشراء جراء الحملة التي قادتها الحكومة الصينية في محاربة الفساد وتأثير الهجمات الإرهابية على السوق الأوروبية، عالقة في الأذهان حتى اليوم. لكن يدور التساؤل في الوقت الحالي، حول ما إذا كان هذا السيناريو على وشك التكرار.
بدأ القطاع في الدخول في منعطف أول أكتوبر الماضي، عندما شنت الحكومة الصينية، حملة جمركية ضد ما يعرف بالـ«دايجو»، وهو شراء السياح الصينيين لسلع فاخرة من الخارج وبيعها عند العودة مقابل أرباح كبيرة. وعضد ذلك، التراجع الكبير لشهية الصينيين للسلع الفاخرة في الداخل، ما عرض بعض الشركات مثل، لويس فويتون وأل في أم أتش وريتشمونت وبوربيري وغيرها، لمعاناة كبيرة. ولم تقتصر المعاناة على شركات الداخل، بل طالت شركات في أميركا أيضاً.
واعترفت، أل في أم أتش، أكبر شركة للسلع الفاخرة في العالم من حيث المبيعات، والتي تملك علامات تجارية كبيرة مثل، لويس فويتون وكريستيان ديور وجيفنشي، بالآثار السلبية التي نجمت عن الحملة الجمركية التي شنتها الحكومة الصينية ومخاطر العمل على الصعيد العالمي، في إشارة لمبيعات الشركة الضعيفة للصينيين في الربع الثالث.
وفي غضون ذلك، ورغم إعلان مجموعة كيرينج للسلع الفاخرة، عن ارتفاع في عائداتها بنحو 27% إلى 3,4 مليار يورو (3,8 مليار دولار)، وارتفاع في عائداتها الصينية بنسبة قدرها 30% خلال النصف الأول من العام الجاري، إلا أن سعر السهم تراجع فيها بنحو 20% منذ يونيو الماضي، نتيجة لتراجع معدل الاستهلاك الصيني.
لكن ما هي توقعات شركة باين آند كومباني لإدارة الاستشارات العالمية، لقطاع ربما يحقق نمواً ما بين 6 إلى 8% إلى 281 مليار يورو من واقع 276 مليار يورو خلال العام الجاري؟
يرى بعض خبراء القطاع أن حالة الركود الحالية هذه، ما هي إلا نوع من فترة التطبيع بعد عامين من النمو الاستثنائي. كما أعادت العديد من العلامات التجارية العالمية، استراتيجيات التوسع في الصين خلال السنوات القليلة الماضية، مع استهداف التسويق والتسعير الرقمي، من أجل حماية أعمالها في حالة حدوث دورة ركود أخرى.
ولا شك في أن الصين، كانت بمثابة المحرك القوي لنمو قطاع السلع الفاخرة في الآونة الأخيرة، إلا أن التساؤل مطروح بشأن ما إذا كانت محركات الطلب العالمية، ما زالت على عهدها لدعم مستوى المبيعات المنتعش ونمو الأرباح، على مدى الاثني عشر شهراً المقبلة في ظل هدوء وتيرة نمو الاقتصاد الصيني.
ويشكل الصينيون 32% من نسبة شراء السلع الفاخرة حول العالم، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى 40% بحلول 2024، والمساهمة بنحو 75% في نمو السوق العالمية.
وفي هذا السياق أكدت أنجيلا وانج، الشريكة في مجموعة بوسطن الاستشارية، أن متوسط أعمار متسوقي السلع الفاخرة 28 عاماً، ويحمل معظمهم شهادات عليا ويعيش أكثر من نصفهم في مدن من الدرجتين الثانية والثالثة، ما يدفعهم للتسوق الإلكتروني لعدم توفر مراكز تجارية كبيرة. وبصرف النظر عن السوق الصينية الضخمة للسلع الفاخرة، يتوجه عدد كبير من مستثمري هذا القطاع إلى أوروبا بحثاً عن عائدات أكبر.
ولا شك أن من الصعب القول إن قطاع السلع الفاخرة يدخل في مرحلة من الركود، لكن كلما شعر المستهلك بحالة من الضيق المالي أو التشاؤم بشأن السوق، غالباً ما تكون السلع الفاخرة أول الضحايا بالتخلي عن شرائها.