محمد المنصور: الدراسة في الخارج لها إيجابيات تفوق السلبيات
كان إحساساً مختلفاً شعر به المبتعث الإماراتي محمد أحمد المنصور عند وصوله إلى الولايات المتحدة الأميركية بقصد الدراسة، حيث شعر أنه في عالم جديد غير الذي اعتاد عليه، وغالبه الشعور أنه يعيش أحد أفلام هوليوود، فهو لأول مرة في حياته يقف أمام أماكن اعتاد مشاهدتها على شاشة السينما فقط وليس مباشرة أمام عينيه. الأمر الذي أصابه بالدهشة، والخوف أيضا من الآتي.
لحظة التوجه إلى الطائرة التي ستقلع إلى الولايات المتحدة، شعر المبتعث محمد المنصور بأنه مقبل على حياة جديدة، وأن رحلة المسؤولية الكبيرة قد بدأت من هذه اللحظة، علماً بأن التردد لازمه حتى اللحظات الأخيرة من السفر، ولكن حسبما يقول “أحسست أن مسؤوليتي أكبر من مشاعري، ويجب أن أنجزها بالحصول على الشهادة ومن ثم العودة”.
صبر ودعم نفسي
في تلك اللحظات التي شعر بها وكأنها دهر، شريط من الذكريات مر سريعاً بذاكرة محمد، منها الصعوبات التي واجهها قبل السفر، خاصة إجراءات الحصول على التأشيرة، التي تأخرت سنة كاملة، ولمع في ذاكرته عندما قرر عدم السفر إلى أميركا، والبحث عن أي مكان آخر من العالم، إلا أن الصبر كان له خير رفيق، فيوضح “كنت سألغي دراستي في أميركا، من كثرة العقبات التي واجهتني، ولكن بالصبر، انتهت إجراءات إصدار التأشيرة، وكان صبراً جميلاً”.
ويدرس محمد حاليا الإدارة المالية وهو في السنة الرابعة، في جامعة “فال برايسو” بولاية إنديانا الأميركية،Valparaiso, Indiana USA. Valparaiso university، علماً بأنه كان ينوي دراسة الهندسة الكيميائية متأثراً بأخيه الأكبر، ولكن كما يقول فقد حالت الظروف بينه وبين حلمه الدراسي الذي ترعرع عليه، وشجعه في ذلك أهله الذين لم يبخلوا عليه بالنصيحة، والدعم النفسي الذي اعتبره خير زاد له في غربته، ولا يزال ينهل منه لغاية الآن.
وقرار المبتعث محمد بالدراسة في الخارج، وجده فرصة لن تعوض ويجب استغلالها لما فيها من إيجابيات ستغلب بالتأكيد على أية سلبيات قد تواجهه في الغربة، ومع أنه سافر وحيداً، وصدم كثيراً ببعض الأمور التي لم يتوقعها مثل طبيعة البلد وطبيعة الجو والطقس الشديد البرودة إلا أن ذلك سيكون سهلاً مقارنة بالإنجاز الذي سيحققه عند إكمال دراسته والحصول على الشهادة التي ستكون له عوناً في المستقبل وتحمل أعباء الحياة.
مشاكل اللغة
لم تكن مهارة محمد في التحدث باللغة الانجليزية كافية للبدء بالدراسة، لذلك انتسب إلى معهد لتعلم اللغة في نفس المدينة، وهذه إحدى التحديات التي يشير إليها المبتعث محمد، لأن تجاوزها حسبما يقول سيسهل مهمة أي طالب، كما أن التعرف إلى المنطقة التي سيعيش فيها والتكيف فيها، هما عاملان مهمان يجب على المغترب التهيؤ لهما، لعدم الوقوع في شرك اليأس، خاصة أن الطالب سيكون وحيداً وعليه الاعتماد على نفسه كلياً في هذا الأمر، لأن هناك بعض المسائل والقضايا، تستوجب من الطالب الاهتمام بها، مثل كيفية فتح الحساب المصرفي، والحصول على السكن المناسب والتعود على آلية عمل المواصلات خصوصا في منطقة لا توجد فيها باصات أو سيارات أجرة.
ومع ذلك تجاوز محمد هذه الصعوبات، لأنه حدد الهدف مسبقاً، وبدأ بتكوين علاقات جيدة مع طلبة مغتربين ومن جنسيات مختلفة، كما أنه يتعامل مع الجميع من حوله بنفس الطريقة التي يتعاملون بها معه موضحاً “أعاملهم بالطريقة التي يعاملوني بها، ولم أواجه أي موقف ينم عن عنصرية، وأنتهج مبدأ عدم التدخل فيما لايعنيني كي لا ألقى مالا يرضيني”.
افتقاد رمضان
وعن كيفية قضاء شهر رمضان في الغربة، يقول: أيام رمضان تمر وتمضي كسابقاتها من الأيام العادية، ويشير إلى أن معظم الناس في المنطقة ليس لديهم خلفية عن رمضان ويجهلون قدسيته، ولكنه مع أصحابه وزملائه المسلمين يحاولون استحضار الأجواء الرمضانية قدر الإمكان قائلا “يمر علينا رمضان الكريم كسائر الأيام، ولكننا نجتمع مع الأصحاب في أيام العطلات التي قد تصادف وجوده، أو في عطلات آخر الأسبوع، ونحاول أن نعيش الأجواء الرمضانية نفسها التي كنا نقضيها في البلاد، قد نعاني بعض الشيء خاصة أن رمضان صادف شهرا من أطول الشهور هنا لغاية الآن”، ويضيف “كثيراً ما يصادف وجود محاضرات، في وقت المغرب ويفصلها عن أذان الإفطار دقائق قليلة، ونفطر على التمر والماء، وكل رمضان قضيته في أميركا يصادف وجود محاضرات وقت الأذان”.
ويعيش محمد في الغربة بعيداً عن حياة الرفاهية التي اعتادها من حيث الاعتماد على الآخرين في تصريف الأمور اليومية من طبخ وغسيل، ولذلك كان يقوم بالمشاركة مع أصحابه بتجهيز الإفطار في رمضان، في شقة أحدهم بالتناوب مؤكدا “في نهاية الأسبوع نذهب إلى أي مطعم حلال ونفطر هناك، ولكن نفتقد أجمل ما في رمضان وهو تجمعات الأهل حول مائدة الإفطار، وكثيراً ما يوجه البعض لنا الأسئلة عن رمضان، ويشاركوننا الإفطار، ونخبرهم عن أهمية رمضان وما يعنيه لنا كمسلمين”.
ويؤدي محمد صلاة العيد مع أصحابه في مصلى الجامعة، حيث لا يتواجد مسجد قريب في المنطقة.
فيلم أميركي
في حادثة لن ينساها محمد، يروي أنه عندما أراد الذهاب لزيارة بعض الأصدقاء، تهيأ لمغادرة الشقة وأقفل الباب من الداخل ثم غادر وكان يسكن بمفرده، كما أغلق باب المبنى الذي يسكن فيه، وتوجه الى السيارة ليفاجأ بأنه نسي مفاتيح السيارة والشقة في الداخل.
وكان الجو شديد البرودة والثلوج تهطل بغزارة، ولم يكن قد ارتدى من الملابس ما يشعره بالدفء ويحميه من هذا البرد.. بحث عن هاتفه المتحرك ولم يجده، ولا يتذكر رقم أي من أصحابه، وكان أقرب منزل له يبعد عنه حوالي خمس عشرة دقيقة بالسيارة، وبعد حوالي النصف ساعة لمح شخصاً يخرج من المبنى.
يقول محمد: “طلبت منه الاتصال بإدارة المبنى لفتح الباب، ووعدوني بالحضور خلال دقائق، واستمرت هذه الدقائق إلى ساعة كاملة من البرد والتعب، شاهدت امرأة تركن سيارتها، اقتربت منها راكضاً لطلب مساعدتها والاتصال من هاتفها، وقبل الوصول إليها، تزلجت قدماي من كثرة الثلوج، وسقطت أرضاً، فما كان منها إلا أن ركضت هي الأخرى خوفاً مني وظنت أني قد أسرقها، وقد تبلل جسمي بالكامل، وتجمدت وأحسست للحظات أن الحياة قد تقف هنا.
وفجأة تذكرت أنني أعرف زميلاً لي في المبنى المقابل، فطرقت الباب، وأيقظته من نومه، وعند رؤيتي وبدلاً أن يتحسر علي، انقلب ضاحكاً على منظري آنذاك، اتصلت بالمكتب ثانية وأكدوا لي أنهم أرسلوا شخصاً ولم يجدني، وعند وصوله للمرة الثانية أخذت نسختين من المفتاح، واحدة لي والأخرى أعطيتها لزميلي في المبنى المقابل، فيما لو حصل أمر مشابه مستقبلا، ولكن لن أنسى الصقيع الذي نزل علي آنذاك، حيث تيبس جسدي بالكامل، وفقدت الشعور بأطرافي”.
نباح الكلب
وفي حادثة أخرى عند وصول محمد إلى أميركا في المرة الأولى، يتذكر أنه عندما اتخذ سكناً له مع عائلة أميركية، وفي أثناء عودته من زيارة بعض الأصدقاء في ولاية أخرى في إحدى العطلات، سمع صوت نباح كلب عند الباب، يقول محمد “تفاجأت بهذا الكلب، لأن العائلة ليس لديها حيوانات في المنزل وأحسست من صوت النباح أنه كلب كبير وضخم، وسمعت خربشاته على الباب، فلم أجرؤ وقتها على الدخول، خاصة اني لا أحب الكلاب.
وكان الوقت متأخراً بعض الشيء، فذهبت الى بيت أحد الأصدقاء، وعدت في صباح اليوم التالي، ودخلت وأنا أشعر بالخوف، ولم أتحدث مع أحد، لأن عيوني وحواسي كلها كانت تبحث عن الكلب خوفاً ورعبا منه، وقلت لهم إنني وصلت متأخراً، ولم أجرؤ على الدخول بسبب سماعي لنباح كلب في الداخل، وإذ بهم يضحكون وكأني قلت لهم فكاهة، وبعد قليل ظهر الكلب الضخم الذي أخافني، “الصراحة انقهرت كثيراً عند رؤيته وشاركتهم الضحك على نفسي، لأن حجم الكلب لا يتجاوز حجم كف اليد، لقد كان صوته أكبر بكثير من حجمه”.
يوم إماراتي
ويقول محمد، تعبيراً عن الفرق بين الحياة في الدولة وبين أميركا، “المنطقة التي أعيش فيها تعتبر صغيرة جداً، وعدد المطاعم والمحلات التي توجد بها لا يتجاوز أصابع اليد بالإضافة إلى أن المواصلات إلى الجامعة صعبة، ونحاول مع اصدقائي الترفيه عن أنفسنا في المنزل، نطبخ أو نلعب بعض الألعاب، أو نذهب إلى السينما، ومؤخراً طرحنا فكرة سوياً في ان ننظم يوما إماراتيا في الجامعة في شهر فبراير القادم، وأن نفتتح مجلسا لطلبة الإمارات في المدينة بعد أن يزيد عدد الطلاب الإماراتيين.
وحاليا نتواصل مع بعضنا البعض، ونحل أمورنا ومشاكلنا.
كما قمنا بزيارة بعض المدارس والحدائق في منطقة فالبريسو، ونظمنا يوما تعريفيا عن الإمارات، بالتنسيق مع إدارة المدارس والحدائق”.
طبخ ومطالعة
ومن أكثر الأعمال التي يعتبرها محمد مفاجأة له في الغربة، أنه تعلم القيام بالواجبات المنزلية بنفسه، من طبخ وتنظيف الشقة وغسل الصحون وكي الملابس، بل ان الطبخ تحول من مهمة إلى هواية كما يقول، فأصبح يطبخ بشكل شبه يومي، وله العديد من الهوايات ولكنه حالياً يمارس رياضة الكرة الطائرة، والمطالعة، ولا يشارك في الكثير من الأنشطة.
كما يتواصل مع جميع الطلاب الاماراتيين في المدينة التي يدرس بها، خاصة أن عددهم لا يتجاوز السبعة طلاب حالياً في حين كانوا خمسة فقط العام الماضي.
طموحات العودة
يطمح محمد بعد التخرج أن يكمل مشواره التعليمي ويحصل على الماجستير، والعودة إلى الوطن، خاصة أنه عانى الكثير، وعن ذلك يقول: أشعر بالحنين للوطن، كما أن اختلاف المجتمع والثقافات وتفكير الناس لم يناسبني، حتى أن الفكرة الجميلة التي كانت في مخيلتي عن الولايات المتحدة، اختلفت كثيراً بعد الوصول إليها، والعيش فيها”.
المصدر: دبي