أبوظبي (الاتحاد)

أكد عدد من قادة الأديان المشاركين في مؤتمر «تحالف الأديان لأمن المجتمعات: كرامة الطفل في العالم الرقمي»، أن ثورات التقنيات الرقمية، قد ربطت بعض الأطفال بعوالم متجددة من الفرص التنموية، إلا أنها جعلت بعضهم أكثر عرضة لمخاطر الجانب المظلم للإنترنت والتقنية الرقمية، لاسيما الأطفال المحرومين بسبب الفقر والصراعات والأزمات الأخرى، مما يتطلب تكاتف كل الجهود التي من شأنها منع المخاطر المترتبة علي استخدام الأطفال للإنترنت، من خلال وعي جمعي شامل مسلح بكل الأدوات الأخلاقية والتشريعية والتقنية لمنع المزيد من استغلال الأطفال، من خلال التأثير السلبي لعمليات التحول الرقمي على الطفولة، مما يتطلب وضعها في موقع متقدم من خريطة الاهتمامات العالمية. وأشاد المشاركون بدولة الإمارات وجهودها الراسخة في تعزيز قيم التسامح والسلام والتعايش، باعتبارها نموذجاً ملهماً بوجود ملايين المقيمين من 200 جنسية حول العالم فيها، مؤكدين أن الإمارات أصبحت رائدة السلام عالمياً بحرصها على توحيد مختلف الجهود للتوصل إلى الحلول الناجحة في مواجهة التحديات العالمية المعاصرة.

توعية القيادات الدينية
وقال الفقيه إبراهيم لثوم عثمان، من كينيا، إن رؤية الملتقى تركز على توعية القيادات الدينية بالمخاطر التي يتعرض لها الأطفال من قبل المتنمرين، ومرتكبي الجرائم الجنسية، ومن يؤذون الأطفال بشكل عام، وذلك من خلال مخاطر المحتوى، فيعرض الطفل لمحتوى غير مرحب به أو غير لائق، كالصور الجنسية والإباحية والعنيفة، وبعض أشكال الدعاية، والمواد العنصرية والتمييزية، وخطاب الكراهية، ومواقع الإنترنت التي تروج لسلوكيات غير صحيحة أو خطيرة مثل إيذاء النفس والانتحار، وكذلك مخاطر الاتصال وتشمل جميع الحالات التي يتواصل فيها الأطفال مع آخرين في اتصالات محفوفة بالمخاطر، كاتصال الطفل مع شخص بالغ يسعى لتواصل غير لائق معه أو لإغوائه لأغراض جنسية، أو مع أفراد يحاولون دفعه إلى التطرف، أو إقناعه بالمشاركة في سلوكيات غير صحيحة أو خطرة، بالإضافة إلى مخاطر السلوك التي تتضمن تصرفات الطفل بطريقة تسهم في إنتاج الطفل لمحتوى سيئ كالقيام بكتابة أو إنشاء مواد تحض على كراهية أطفال آخرين، أو التحريض على العنصرية، أو نشر صور ومواد جنسية، بما في ذلك الصور والمواد التي أنتجوها بأنفسهم، والتي يمكن أن يتم استغلالهم عن طريقها.
وأشار إلى أن رجال الدين انشغلوا بمخاطر التطرف والإرهاب والأزمات، وأغفلوا مخاطر أكبر منها يتعرض لها الأطفال والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، فالثورة الإلكترونية فيها مفاسد لا يمكن الهروب منها، بل لا بد من الاستعداد لها ومجابهتها، وعليه فلابد لرجال الدين من تزويد أنفسهم بالمعلومات التي تساعد الطفل وذويه على استخدام «الإنترنت» بشكل صحيح، لا يعرضه لمخاطر الاستغلال.
وأضاف، رجال الدين عليهم مسؤولية كبيرة لأنهم يرشدون المجتمع الذي يجعلهم أئمة له من أجل إرشاده، ويحوزون على ثقته، وهذه ميزة لا تتاح لأي كان، مشدداً على ضرورة أن يتعاون علماء الدين مع «جوجل» و«مايكروسفت» والجهات المصنعة والشركات والأهل والحي من أجل التوعية بأهمية التحكم في المحتويات، بحيث لا تسمح للمجرمين بالتحكم في عقول الأطفال وتشكيل عقول منحرفة منهم أو استغلالهم وابتزازهم.

التأثير على مستخدمي «الإنترنت»
وقال أبوبكر أحمد، الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بالهند، إن الدين الإسلامي دين وسطي يمتاز بالانفتاح على كل ما من شأنه خدمة البشرية، وهو في ذلك لا يعادي منجزات العصر وأدواته، بل ويمكنه الحد من كل المخاطر التي ترافق أي منتج، ومن شأن هذا الملتقى أن يزود الفقهاء والعلماء وقادة الأديان بالمعارف اللازمة بحيث يمكنهم التأثير على مستخدمي «الإنترنت» من الأطفال والأهالي وتوعيتهم بالاستخدام الصحيح للإنترنت.
وأضاف أنه لا يمكن أن نضمن إيجابية التدخل ما لم نكن على دراية ومعرفة كاملة بالواقع المعيش، وبالآليات التي ينبغي أن نملكها لنجنب أطفال العالم الاستغلال البشع الذي يتعرضون له من قبل مجرمي الإنترنت.
من جهته، قال الأب جوسيف ويلدا تويم، من رومانيا: إن قادة الأديان عليهم مسؤولية أخلاقية في حماية الفئات الأكثر هشاشة من الاستغلال والتوعية بالآليات المتاحة الكابحة لهذا الجنوح المسرف في الإجرام لاستغلال براءة الأطفال .
وشدد على أهمية حماية خصوصيات الأطفال وهوياتهم على الإنترنت، ووضع كافة الضمانات اللازمة لحماية معلوماتهم الشخصية، وضبط إعدادات الخصوصية الخاصة بالأطفال، والعمل على عدم استغلال البيانات الشخصية للأطفال.
وأضاف: لن نتمكن من ذلك ما لم تتكاتف جهودنا مع كافة المهتمين من حكومات ومنظمات وأفراد عبر إبقاء الأطفال مطلعين ومشاركين وآمنين على الإنترنت، وتزويد الأطفال بفرص تعلم مهارات تقنيات المعلومات والاتصالات ودعم تنمية المهارات الرقمية ونشر القيم والمهارات التي تعمل في اتجاه تشكيل ثقافة رقمية بين الأطفال، تكون قادرة على تمكينهم من الحفاظ على سلامتهم على «الإنترنت»، واحترام حقوق المستخدمين الآخرين.
ونبه إلى أهمية الاستفادة من قوة القطاع الخاص في النهوض بالمعايير والممارسات الأخلاقية التي تحمي الأطفال وتفيدهم على «الإنترنت»، وعلينا العمل مع الشركات وواضعي السياسات والمدافعين عن حقوق الطفل، لوضع حد أدنى من المعايير الأخلاقية لخدمتهم.

صوت التسامح والسلام
وقال كاميلي بيرلين، النائب الرسولي لشبه الجزيرة العربية: يعد الملتقى فرصة لإكمال الجهود العالمية التي تحمي الطفولة وتقديم كافة الاقتراحات التي من شأنها أن تحافظ على جوهر الطفولة وجمالها لدى الأجيال الناشئة، حيث تسهم مختلف الجلسات في تقديم صوت التسامح والسلام والحكمة إلى العالم بتواجد العدد الكبير من قادة الأديان المختلفة.
وأضاف: إن دور رجل الدين قد يكون إيجابياً أو سلبياً وفقاً لخطابه وأفكاره ومعتقداته، فقد يكون إيجابياً بالعمل والتنسيق المشترك مع مختلف الأديان الأخرى لنقل صورة واحدة حول التحديات العالمية وبحث أوجه التشابه عوضاً عن التطرق للاختلافات، وافتعالها بإعلاء التطرف والكراهية، واليوم يحتاج العالم إلى منظومة موحدة يتشارك فيها الجميع للتغلب على القضايا الراهنة.
وأشار إلى أن الإمارات تمثل نقطة التقاء للجهود العالمية في إرساء القيم النبيلة والمبادئ المضيئة، حيث أصبحت حاضنة للتسامح باستضافتها مختلف المؤتمرات والملتقيات التي يشارك فيها نخبة من كبار المفكرين والخبراء، وتعد هذه الملتقيات خطوة أولى في مضمار الجهود الدولية المشتركة التي تعمل على تقوية التعاون الدولي حول مختلف الأمور.

خطاب محفز
من ناحيته، قال إيمانوال بادجيو، الأسقف الكاثوليكي في أويو: إن الأطفال هم مستقبل المجتمعات، ويجب النظر إليهم باعتبارهم القاعدة الرئيسة لأي مشروع تنموي مستقبلي، فأطفال اليوم هم شباب الغد، والقوة المنتجة في الخطط المستقبلية المختلفة، وبدون حمايتهم لن ننجح في إطلاق المشاريع والمبادرات والبرامج التي لها الأثر على البلدان والمجتمعات.
وأضاف: إن حماية الطفل في المجتمع، هي أحد واجبات رجل الدين، حيث يستطيع أن يقدم خطاباً محفزاً نحو مواجهة كافة أشكال التمييز والتنمر والإساءة، كما لديه مهمة عبر تشجيع الطفل على تمييز المحتوى الجيد من المسيء، وأن يكون قادراً على فهم أفكاره والتقرب منه، واحتواء ما قد يتعرض له من مخاوف أو مواقف في فضاءات العالم المفتوح.
وأشار إلى أن الخطاب الديني لا يتعلق فقط بالتشريعات والنصوص والأحكام، بل يشمل الجانب التثقيفي، حيث من متطلبات العصر أن يكون رجل الدين صاحب معرفة باستخدام التقنيات الحديثة والتعرف على تطوراتها المتسارعة، بحيث يكون قريباً من مختلف الأجيال، ويعرف الجوانب والقضايا التي يركز عليها المجتمع وأبرز النقاط التي تلقى انتشاراً من عدمها، بحيث لا يصبح منفصلاً عن الواقع الذي يعيشه.
وأشار إلى أن دولة الإمارات تتوسع في جهودها العالمية لنشر ثقافة التسامح والإخاء، انطلاقاً من إيمانها العميق بضرورة التوحد العالمي في مواجهة كافة الظواهر السلبية، حيث يعد الملتقى حفلاً عالمياً للتسامح والإخاء، حيث يحتاج العالم اليوم إلى نماذج مثل الإمارات، التي تشكل مصدراً عالمياً نفخر بإسهاماته الكبيرة في ميادين التسامح والتعايش.

تصاعد خطاب التحريض
من ناحيته، قال فريدريك جورج، من كنيسة الأورثوذكس في الهند: نعيش في عالم مليء بالصراعات المختلفة، خاصة مع تصاعد خطاب التحريض والكراهية والطائفية في عدد من بلدان العالم، حيث يمثل خطاب التسامح والتعايش ضرورة في مواجهة كافة الأشكال التي تفتت المجتمعات وتدمر الجهود وتفتك بالأوطان والشباب.
وأضاف أن أهمية الملتقى تكمن في أنه فرصة للتعارف، وتشارك الأفكار بين قادة مختلف الأديان للتباحث حول سبل الحماية لأطفالنا وأجيالنا الناشئة من كافة صور التمييز والكراهية التي قد تتعرض لها في الفضاء الافتراضي، وأهمية توحيد الخطاب العالمي تجاه هذه القضية، بحيث يكون خطاباً أخلاقياً يوضح أهمية الحفاظ على الطاقات الشابة من خطر المحتوى المسيء.
وأشار إلى أن رجل الدين يواجه تحدي الوصول إلى المتلقي من الفئات الأصغر عمراً، وهو ما يفرض أهمية البعد المعرفي لرجل الدين بكافة الجوانب المحيطة به، إضافة لأهمية ترسيخ النصوص التي تدعو إلى الأخلاق الحميدة والسلوكيات القويمة، والتي لها الأثر في غرس أفضل السلوكيات للمجتمع، بحيث يكون منتجاً وقادراً على العطاء والمواصلة.
وأكد أن دولة الإمارات تقود الجهود العالمية اليوم نحو تعزيز التعايش العالمي، حيث تقدم الدولة صورة حقيقية من صور التسامح العالمي، وهو ما تعكسه المبادرات التي يتم الإعلان عنها، وما تقدمه القيادة في الإمارات من حرص كبير على تنمية القيم النبيلة التي يحتاج إليها العالم اليوم لتجاوز قضاياه.

دانا حميد: إطلاق مشاريع ومبادرات تستمر خلال 2019
أعلنت دانا حميد، عضو الفريق المنظم لمؤتمر «تحالف الأديان لأمن المجتمعات: كرامة الطفل في العالم الرقمي»، مدير مكتب المشاريع والخدمات المشتركة بوزارة الداخلية، عن إطلاق الملتقى لمجموعة عمل رسمية ستستمر في العمل على إيجاد الحلول ورفع التحديات المتعلقة بحماية الطفل من مخاطر استخدام الإنترنت، مشددة أن الملتقى يعمل على أجندة طويلة المدى لتحقيق أهدافه. كما سيطلق الملتقى مشاريع ومبادرات تستمر خلال 2019، استناداً إلى مخرجات ورش عمل متخصصة يشارك فيها الجميع.
وأوضحت، أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت ارتفاعاً كبيراً في نسبة الجرائم المرتكبة ضد الطفل في العالم الرقمي، وقد قامت الإمارات بتبني الدعوة التي أطلقها البابا فرنسيس لمشاركة القيادات الدينية في حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت وعلى مدار عام كامل قامت الإمارات بجمع كل قادة الأديان السماوية والمعتقدات الأكثر شيوعاً في العالم، لأن 80% من العالم يدينون بدين، فركزنا عليهم وعقدنا 6 ورش عمل بمشاركة 17 دولة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وبمشاركة 270 قائداً دينياً، فحصرنا المشاكل والتحديات ووضعنا المقترحات والحلول التي يمكن تحقيقها.

جمال أبو السرور: نعيش عنفاً جديداً في عصر العالم الرقمي
أكد جمال إبراهيم أبو السرور، مدير المركز الإسلامي الدولي للدراسات والبحوث السكنية، في تصريحات لـ«الاتحاد» على هامش ملتقى تحالف الأديان لأمن المجتمعات، أننا نعيش اليوم تحدياً جديداً من العنف في عصر العالم الرقمي، مما يفرض أهمية توحيد الجهود العالمية في مواجهة الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال بالعالم.
وتابع: إن العنف ضد الأطفال يبدأ من المنزل، ويمتد إلى المدرسة والشارع، وأماكن العمل المبكر خاصة للأطفال الذين يعملون ويمتهنون مهناً بخلاف القوانين والمواثيق الدولية المنظمة التي تمنع عمل الأطفال، وما يتعرضون له اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي يؤكد الأهمية والمسؤولية الكبيرة الملقاة على الأسرة لمراقبة أطفالها.
ولفت إلى أهمية تزويد الوعاظ والأئمة ورجال الدين بالمعلومات الموثوقة والمؤكدة المبنية على الدليل، خاصة أن بعض الوعاظ بالقرى والمدن الصغيرة، لا يبنون مواقفهم إلا عبر معلومات غير مؤكدة، مما يبرز ضرورة مصداقية المعلومات التي تفتح لرجال الدين مسارات الفضاء الإلكتروني لكي يكون داعماً للاستفادة المرشدة، وليس عقبة في تناول ما يستجد من تقنيات. وأشاد بجهود الإمارات في دعم ثقافة التسامح من خلال دعوة مختلف رجال الدين للمشاركة بالملتقى.

اقرأ آيضاً.. ابن بيه: حضارة ومستقبل الإنسان منوطة بـ«طفل اليوم»
الملتقى وسيلة للاحتفاء بالتعدد الثقافي والاحترام الإنساني