أطلَّ علينا شهر الصيام المبارك، شهر القرآن الكريم، شهر رمضان المعظم بأيامه ولياليه المفعمة بالروحانية بأجل معانيها وأسمى مقاصدها من صيام بالنهار، وقيام بالليل، وتلاوة للقرآن الكريم في تبتل وخشوع، يعظم الله فيه الأجر ويجزل الثواب، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات، حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين معه يحيون أيامه ولياليه، ويتّخذون منه مدرسة يتلقون فيها الدروس والتجارب. كيف لا؟! وهو الشهر الذي انتصر فيه المسلمون على أعدائهم، كما انتصروا على شهواتهم وأهوائهم. ففيه غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، ومعركة عين جالوت، والعاشر من رمضان، هذه الغزوات التي تذكر الأمة بأمجادها وبماضيها التليد، لعلَّها تستخلص منه العبر والعظات لحاضرها. وهو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتقيد الشياطين. يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين) (أخرجه مسلم). وهو الشهر الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (... وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) (أخرجه ابن خزيمة). وهو الشهر الذي يستجيب الله فيه دعاء الصائمين، كما في قوله تعالي: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (سورة البقرة، الآية (186)، وقال سبحانه: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (سورة غافر، الآية (60)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا تردُّ دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) (أخرجه الترمذي). فما أحوج المسلمين في شهر رمضان المبارك هذا أن يغتنموا هذه الأيام المباركة، ويشحذوا العزائم، ويخلصوا النيات، ويعقدوا العزم على الندم على ما فات، وفتح صفحة جديدة شعارها العمل الخالص من الرياء حتى يتداركهم الله بفضله، وينزل عليهم نصره. كان من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان أنه يتسحر ويمدح السحور لقوله - صلى الله عليه وسلم - “تسحروا فإن في السحور بركة” (أخرجه ابن ماجه). وسبب البركة أنه يقوي الصائم وينشطه ويهون عليه الصيام، ويتحقق بكثير الطعام وقليله ولو بجرعة ماء لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : “السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين” (أخرجه أحمد). وبركة السحور المراد بها البركة الشرعية والبركة البدنية، أما البركة الشرعية: فمنها امتثال أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله، كما ورد في الحديث السابق، وأما البركة البدنية فمنها تغذية البدن وتقويته على الصوم، وسبب البركة أن السحور يقوي الصائم وينشطه ويهون عليه الصيام، ويتحقق بكثير الطعام وقليله ولو بجرعة ماء، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: “السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين” (أخرجه أحمد). ويستحب تأخير السحور لما روي عن زيد بن ثابت قال: “تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قمنا إلى الصلاة، قال قلت: كم كان قدر ذلك؟ قال: قدر خمسين آية” (أخرجه الترمذي). يجب على الصائم التأكد من دخول الوقت عند الإمساك والإفطار، فإذا أكل أو شرب الصائم أو فعل ما يفطره ظاناً أن الشمس قد غربت أو أن الفجر لم يطلع بعد، ثم تبين له أن الأمر على خلاف ما ظن فإنه يجب عليه القضاء ويشهد لذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: “أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم غيم ثم طلعت الشمس، قيل لهشام: فَأُمِرُوا بالقضاء؟ قال: بُدٌّ من قضاء” (أخرجه البخاري)، وجمهور العلماء - ومنهم الأئمة الأربعة - على أن من ظن أن الشمس غربت فأخطأ أو ظن أن الفجر لم يطلع بعد، فأكل ثم تبين له أن الأمر على خلاف ما ظن، فإنه يجب عليه الإمساك بقية اليوم لحرمة الوقت، ويجب عليه القضاء لفساد صومه بتعاطيه ما يفطر. صلاة التراويح من أفضل العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى خالقه، ويؤديها المسلم في كل ليلة من ليالي رمضان بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر، ويمتد وقتها إلى قبيل صلاة الفجر وسميت بهذا الاسم لأن المصلين لها يستريحون بالجلوس عقب كل أربع ركعات منها، أو لأن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل أربع ركعات فينالون فضل الطواف ويستريحون، وتسمى أيضاً بصلاة القيام لأن المصلين يقومون لصلاتها عقب صلاة العشاء. وقد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصلاة وفيما يشبهها من صلاة الليل في أحاديث كثيرة، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، أي من غير أن يأمرهم أمراً مؤكداً كما يأمر بأداء الفرائض. الشيخ الدكتور / يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com مشاركة المرأة في صلاة الجمعة بالمسجد جائزة أجاز الإسلام للمرأة المشاركة في صلاة الجماعة بالمسجد إذا أنهت عملها في البيت، فلا مانع من حضور الجماعات لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) (أخرجه مسلم). وممّا يؤكّد ذلك أنَّ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - جعل أحد أبواب المسجد خاصاً بالنساء، وأنه أقامهن في الصفوف المؤخرة من المسجد لما روي عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم، قال: نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال) (أخرجه البخاري). كما أن الذي تطمئن له النفس أيضاً - أن صلاة التراويح من النفل المطلق الذي لا حدَّ لأكثره، حيث قال البعض بأنها ثماني ركعات، وقال آخرون بأنها عشرون ركعة، وقد تصلى أكثر من ذلك، فقد ثبت أن أهل المدينة كانوا يصلون التراويح في عهد عمر بن عبدالعزيز ستاً وثلاثين ركعة، والعبرة في صلاتها بالخشوع والإخلاص والاطمئنان وليس بعدد الركعات.