أسماء مخضرمة وشابة تتنافس على الجائزة لترسم ملامح المشهد الروائي
وسط توقعات بأن تسفر الاختيارات النهائية للجنة تحكيم جائزة “مان بوكر” البريطانية للرواية لعام 2012 عن نتائج مرضية، كشف النقاب مؤخراً عن القائمة الطويلة للجائزة الشهيرة الأكثر قيمة على المستوى المادي، حيث تضمنت قائمة العام الحالي عناوين اثنتي عشرة رواية رشحت لترسم ملامح المرحلة الراهنة من المشهد الأدبي الروائي، أو عام 2012 الذي أطلقت عليه صحيفة الجارديان البريطانية ضمن عناوينها الثقافية البارزة، تفاؤلاً، العام الأفضل للرواية.
والسؤال المتبقي بعد ذلك هو إلى أي مدى يصدق هذا الوصف، وهل تحقق جائزة بوكر للرواية لهذا العام إضافة نوعية على صعيد انتعاش الرواية الجديدة في بريطانيا ودول الكومونولث وربما في أماكن أخرى من العالم، كما تحقق بالنسبة لجوائز أخرى كجائزة “أورانج” 2012؟
جيلان
اللافت للانتباه في منافسات هذا العام هو ما يمكن أن يطلق عليه، استعار المنافسة بين جيلين من الكتاب الروائيين يُعرّف أحدهما على أنه الحرس القديم، وتأتي في مقدمته الروائية البريطانية الشهيرة “هيلاري مانتيل 60 عاماً، بينما يُعرّف الآخر باعتباره الحرس الجديد وكتابه إما من الواعدين أو من الأسماء التي تُعرض تجربتها الأولى أمام لجنة التحكيم، ومن هؤلاء “سام تومبسون” في رواية “مدينة اشتراكية”، “راكيل جويس” في رواية “رحلة الحج غير المتوقعة لهارولد فراي”، “جيت ثايل” في “ناركوبوليس” وتسلط روايته الضوء على جانب من حياة الناس في مدينة مومباي الهندية، حيث إدمان الحشيش جزء من المشهد الحياتي اليومي، “اليسون مور” في رواية “المنارة”، إلى جانب “نيد بيومان” 27 عاماً عن روايته الثانية “حادث التليبورتيشن” وهي رواية تاريخية مأساوية تقع أحداثها في ألمانيا في ثلاثينيات القرن المنصرم.
والطريف في مسابقة هذا العام أنها تستبعد أعمالاً لروائيين كبار مثل زادي سميث المرشحة روايتها “أن دبليو” للظهور في القائمة الطويلة على أقل تقدير، إلى جانب “إيان ماكوين”، “مارتن اميس” و”جون بانفيل” وغيرهم مما يراه البعض مثاراً للتعجب.
غير أنه في كلمته قال رئيس لجنة التحكيم، رئيس تحرير الملحق الأدبي لصحيفة التايمز البريطانية “بيتر ستوثرد”: “إننا كمحكمين لجائزة بوكر لا يهمنا كثيراً من ينشر أو يؤلف كتاباً. إن ما يهمنا هو العمل الروائي وليس مؤلفه، النص وليس شهرة الكاتب.
وفي مكان آخر أضاف “الواقع، أننا نبحث عن الكتب التي تعاد قراءتها مرات ومرات”.
موضوعية
وأياً كانت التصريحات التي أطلقت، فإن احتواء القائمة على أسماء كتاب كبار منهم مانتيل و”ويل سيلف” رواية “المظلة والكاتب والروائي والمسرحي” لـ “مايكل فراين” 78 عاماً يشكل في حد ذاته نوعاً من الموضوعية في الاختيار.
ومن جانب آخر، فإن المستوى الذي ظهرت عليه روايات هؤلاء المخضرمين ربما كان حافزاً لكسب المزيد من الدعم بالنسبة لتيار الحرس القديم، خاصة في أعقاب التوقعات الكثيرة بأن تكون رواية مانتيل “اجتذاب الأجساد” وهي الجزء الثاني من ثلاثية بدأت بـ”قصر الذئب”، الأكثر حظاً في الفوز بالجائزة لهذا العام. أما بالنسبة لهذه الكاتبة فهي في حال تحققت التوقعات، ستكون المرة الثانية التي تفوز فيها بالجائزة الشهيرة، بعد فوز رواية قصر الذئب في سنة 2009 ما يشكل استثناءً في تاريخ الجائزة. مانتيل (من مواليد ديربيشير، جلاسكو، حاصلة على شهادة في القانون من كلية لندن للاقتصاد.
عملت كموظفة في عدة أماكن منها أحد المستشفيات. وأقامت مع زوجها في بوتسوانا والمملكة العربية السعودية قبل عودتها إلى بريطانيا في الثمانينيات)، روائية وكاتبة وناقدة بريطانية رصينة، وهي تكتب الرواية التاريخية وتعتمد في كتابتها على الأعمال الوثائقية التي تفرغها في قالب روائي. وكما في “قصر الذئب” و”اجتذاب الأجساد”، فإن أعمالها عبارة عن دراما سوداء قاتمة إلى حد بعيد على الرغم من بعض ملامح الكوميديا السوداء الساخرة.
وبوجه عام فهي تبحث وتتأمل في أعماق شخصيات موثقة تاريخياً لكي تنتزع من داخلها هواجسها ويأسها ونزقها، ولاشيء سوى الفراسة تساعدها على قيادة هذه الرحلة السيكولوجية. هذه هي مهارة مانتيل التي تمدنا في النهاية بعوالم وأزمنة لم نعشها ولكننا نراها تعيد نفسها، تنبض بالحياة، تخرج من إطارها التاريخي، تتجاوز حدود الزمان والمكان.
المهم في ثلاثية مانتيل أن أجزاءها تأتي مترابطة ومتسلسلة. وبداية بالجزء الأول وهو رواية “قصر الذئب” الصادرة سنة 2009، تدور أحداثها في إنجلترا في عشرينيات القرن السادس عشر، إبان حكم الملك “هنري الثامن” من الأسرة التيودورية. فيما محورها الرئيسي يتناول قصة حياة “ توماس كرومويل” وظهوره المفاجئ ولعبه دور مهندس التفكير في القصر.
وبوجه عام فهو مثال حي للشخصية الميكافيلية التي تلقي بظلالها على الحياة بين فينة وأخرى.
يقدم هذا الجزء في بدايته مشهداً كارثياً يجتاح الحياة السياسية في انجلترا في أعقاب الوساوس التي تنتشر حول إمكانية أن يموت الملك دون أن يخلف وريثاً للعرش، وإمكانية نشوب حرب أهلية... وبدافع من تلك الوساوس يقدم الملك على زواجه الثاني من “آن بولين” وسط معارضة الكنيسة.
وبسبب إخفاق مستشاره اللامع الكاردينال وولزي في المساعدة يقدم على التخلص منه بقتله مخلفاً فراغاً كبيراً في السلطة. في هذه الأجواء يبزغ نجم كرومويل العبقري ابن الحداد الذي يقدم نفسه للبلاط على أنه الرجل القادر على خرق كل قواعد المجتمع، من أجل إرضاء الملك فيتحول إلى مصدر قوة سياسية ودينية تآمرية.
الجزء الثاني من الثلاثية وهو “اجتذاب الأجساد”، الصادر في مايو 2012 يدور حول هبوط نجم كرومويل، وأيامه الأخيرة حتى إعدامه في عام 1540. هنا يسدل الستار على حياة حائك مؤامرات يضم إلى قائمة قتلاه آن بولين التي تعجز عن إنجاب ولي للعهد، وتتوالى مشاركاته في قتل واتهام زوجات الملك بالخيانة والتآمر والتنكيل بآخرين، إلى أن يأتي سقوطه المأساوي إثر موجة من الغضب تجتاح الملك الذي يأمر بإعدامه باعتباره مدبر صفقة الزواج بينه وبين “آن كليف” التي تفتقر إلى الجاذبية. والواقع أن مانتيل ربما أرادت أن تتساءل في روايتها الثانية.. هل يعيد التاريخ نفسه؟ وأياً كان فإن الحقيقة القائلة بأن التاريخ إنما يمثل وجهة نظر كاتبه، لا تغنينا عن قراءة ما تكتبه بعمق. هذه المؤلفة حاصلة على العديد من الجوائز كما تم ترشيحها لجائزة أورانج. من أعمالها الأخرى “المكان الأكثر أمناً” 1974 الفائزة بجائزة الصنداي اكسبرس، “تغيير المناخ” 1992، “تجربة في الحب”1996، “مابعد السواد” 2005.
المصدر: دبي